الإدارة الذاتية كأفضل خيار للمجتمعات المحلية.

أرجين ديركي

مع تزايد الهجمات العدوانية من قبل دولة الاحتلال التركي على مناطق شمال وشرق سوريا والتي أدت إلى استشهاد عددٍ من المدنيين والعسكريين آخرها استشهاد أربع فتيات في المركز التعليمي التابع للأمم المتحدة الأمر الذي دفع قوات سوريا الديمقراطية إلى تغيير استراتيجيتها العسكرية والتي تتمحور حول حقها في الدفاع عن نفسها تجاه العمليات العدوانية التي تستهدف مكونات المنطقة وقواتها العسكرية والرد على أي هجمة جديدة وكان آخرها قيامها بتحييد ما يقارب عشر جنود أتراك أحدهم برتبة ضابط ضمن إطار حق الدفاع المشروع.

ويبدو أن هناك عدة أسباب وعوامل تقض مضاجع النظامين التركي والسوري والقوى المتحالفة معهم منها:

إن المجتمعات المحلية في المنطقة ترى في الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية الخيار الأفضل للمنطقة بحكم تجربتها المريرة مع الأنظمة الاستبدادية التي حكمتها من قبل، خاصة إذا ما تم مقارنتها ببقية الخيارات المتاحة وهي النظام السوري وحليفيه الروسي والإيراني أو خيار تنظيم “داعش” والفصائل الجهادية المرتبطة بالقاعدة والمرتزقة الموالين لتركيا، حيث تميل تلك المجتمعات إلى رفض هذين الخيارين، بسبب فقدان الثقة بهما والتي ترسخت بشكل أكبر إثر تعرضهم لانتهاكات جسيمة ومشاركة تلك التنظيمات للاحتلال التركي في عملياتها العدوانية ضد شعوب المنطقة، وخاصة إن تلك الجهات أجرمت بحق تلك المجتمعات قتلاُ واعتقالا وتهجيرا، لذا فالإدارة الذاتية تمثل مكونات المنطقة وهي حبل النجاة في ظل هذه الأنظمة التوتاليتارية والاستبدادية.

أما السبب الثاني، إن الإدارة الذاتية تتعامل مع المجتمعات المحلية على مبدأ الشراكة ، فكل من النظام وتنظيم داعش وجيش الاحتلال التركي لم يعط لتلك المجتمعات صفة الشراكة ، بل تقوم علاقتهم مع المجتمع المحلي على أساس هيمنة الطرف الأول على الطرف الثاني وجعله مجرد أداة تخدم مشروعه بدون أي حقوق، وفرض الهيمنة تجلى بشكل واضح في العلاقة التي فرضها تنظيم “داعش” على تلك المجتمعات خلال فترة سيطرته على المنطقة، ودفع ثمنها لاحقاً بالدور الذي بذله أبناء تلك المجتمعات في إنهاء مشروعه في شرق سوريا بعد تجمعهم تحت سقف قوات سوريا الديمقراطية لمحاربة التنظيم الإرهابي.

ثالثا والذي يتعلق بالحريات العامة، فالمناطق التي تديرها الإدارة الذاتية تتمتع بحريات عامة تفتقرها مناطق النظام ومناطق الاحتلال التركي، خاصة على المستوى السياسي وحرية التعبير وهذا ما تم ملاحظته أثناء المظاهرات الرافضة للتقارب بين النظام السوري وتركيا حيث قامت الأخيرة بسحق المنتفضين وتهديد الأشخاص الذين أحرقوا العلم التركي بتكسير أيديهم علما أن الاستخبارات التركية وبتعاون من مرتزقتها ألقوا القبض على الأشخاص الذين قاموا بحرق العلم ولم يعرف مصيرهم بعد.

أما رابع الأسباب، فهو الوضع المعيشي لمناطق الإدارة الذاتية والذي يعتبر الأفضل مقارنة بمناطق سيطرة النظام والاحتلال التركي، فالأول يعاني من مشاكل ارتفاع الأسعار وانهيار لليرة السورية، بحيث لا تتناسب معدلات الدخل مع المصاريف المطلوبة لتلبية الاحتياجات الأساسية، وهذا يعود لانهيار المنظومة الاقتصادية نتيجة الفساد المستشري وطول فترة الأزمة والعقوبات التي تفرض عليه من قبل الدول الغربية.

أما التفوق الخدمي فيعتبر خامس الأسباب، حيث تعتبر الخدمات المتوافرة في مناطق الإدارة الذاتية، أفضل من مناطق سيطرة بقية الأطراف، ومن هذه الخدمات على سبيل المثال الكهرباء، المدارس، الجمعيات الزراعية، مشاريع دعم السلم الأهلي، والأمان والاستقرار.

آخر الأسباب يكمن في عدم تدخل الإدارة الذاتية في العامل الديني للمجتمع المحلي وعدم فرضها لسياسات معينة بهذا الخصوص، وهذا يعود إلى أن مشروع الإدارة لا يقوم على أساس ديني أو قومي أو طائفي، بعكس المشاريع الأخرى التي تقوم على أساس ديني وإيديولوجي متزمت كمشروع تنظيم “داعش ” ودولة الاحتلال التركي والمشروع الإيراني وحليفها النظام السوري والتي تهدف إلى الهيمنة على شعوب المنطقة وخلق حالة من عدم الثقة بينهم عبر تعزير حالة الفوبيا لديهم تجاه المكونات الأخرى بغية تثبيت أجنداتها.

هذه الأسباب وغيرها، جعلت مكونات المنطقة ترفض جميع المشاريع بحكم تجربتهم المسبقة مع هذه القوى الأمر الذي زادهم إصراراً وعزيمة للوقوف إلى جانب الإدارة الذاتية التي تواجه حملة كبيرة من قبل القوى المتربصة بها والهادفة للقضاء عليها عبر نشر الدعاية السوداء لتثبيط الهمم وحض المكونات على الهجرة من مناطقهم كأسلوب جديد وفصل من فصول عمليات التغيير الديمغرافي الموجه ضد المنطقة.

المقالة تعبر عن رأي الكاتب

زر الذهاب إلى الأعلى