عين عيسى في عين العاصفة

تلعب بلدة عين عيسى دوراً بالغ الأهمية في سوريا بشكلٍ عام وفي مناطق الإدارة الذاتية بشكلٍ خاص. فالبلدة تقع على طريق M4 الاستراتيجي وعقدة مواصلات هامة تربط مدن الحسكة وقامشلو بكوباني ومنبج وحلب بالإضافة إلى كونها تشكل مركز الإدارة الذاتية وقواتها قوات سوريا الديمقراطية، وباتت مطمع دولة الاحتلال التركي للتمدد في كوباني ومنبج وربط منطقتي كري سبي وسري كانيه بمناطق درع الفرات. فبعد الانسحاب الأمريكي المفاجئ من المنطقة الحدودية والتي أدخلت تركيا وروسيا والنظام كلاعبين جدد على الأرض بشكلٍ أسهم بفرض واقع جديد في المنطقة. فالانسحاب الأمريكي مهد الطريق لروسيا لتلعب دوراً كبيراً في المنطقة الواقعة بين قامشلو ومنبج أي على الشريط الحدودي مع تركيا وباتت روسيا اللاعب الأساسي في المفاوضات مع دولة الاحتلال التركي حول المناطق الحدودية مقابل شبه انعدام للدور الأمريكي في المنطقة. هذا وتشهد المنطقة تصعيداً عسكرياً من جانب دولة الاحتلال مستغلة ضعف الإدارة الأمريكية في المرحلة الانتقالية.

لم يأتِ الانسحاب الأمريكي من المنطقة الحدودية من فراغ، فقد كانت روسيا تعمل على تحريض تركيا للقيام باجتياح عسكري في مناطق الإدارة الذاتية ولمنع حدوث أي تصادم بين عضوي حلف الناتو، فقررت الولايات المتحدة الانسحاب من المنطقة وهذا أدى لدخول القوات الروسية وقوات النظام إلى المنطقة. فهذا الانسحاب وضع الكرة في الملعب الروسي والذي من شأنه أن يؤدي لحدوث خلافات روسية تركية في المستقبل، وباتت الولايات المتحدة بعيدة عن الضغوط التركية المباشرة وتراقب من بعيد ما ستؤول إليه الأحداث أو المفاوضات بين تركيا وروسيا، ولن تسمح بحدوث أي اتفاق بين الطرفين يؤثر على تواجدها في المنطقة في ظل غياب الأمن والاستقرار في العراق وتعرّض قواتها وسفارتها في بغداد للتهديدات الإيرانية وميليشياتها.

تختلف أهداف كلٍ من تركيا وروسيا في المنطقة وتتغير سياساتهم وتتقارب تجاه الأحداث التي تمر بها المنطقة وفق متطلباتها السياسية والاقتصادية والعسكرية.

دولة الاحتلال التركي

تعمل دولة الاحتلال التركي على إنهاء الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا والسيطرة على الشمال السوري بشكل كامل “الميثاق المِلّي” سواء عن طريق العمل العسكري المباشر أو التعاون مع الروس والنظام لإنهاء الإدارة الذاتية. على الرغم من نجاح تركيا باحتلال عفرين وكري سبي وسري كانيه، إلا أنّها باتت مقيدة وغير قادرة على القيام بأي عمل عسكري مباشر لأن أي اجتياح تركي جديد سيؤثر بشكلٍ مباشر على التواجد الروسي أو الأمريكي في المنطقة، لذا نجد أن العمليات العسكرية الجارية في عين عيسى مقتصرة على مرتزقتها وقصفها المدفعي. وقد عملت تركيا بعد فشلها في الضغط على قوات سوريا الديمقراطية لتسليم عين عيسى للنظام, وكون الاتفاق الحاصل بين قسد والروس بإنشاء ثلاث نقاط للنظام على أطراف عين عيسى لم يرضها فعملت على إنشاء جدار اسمنتي على طريق M4  بارتفاع ثلاثة أمتار في أطراف بلدة الترنبة التي تسيطر عليها قوات النظام وهي رسالة مباشرة لروسيا للضغط أكثر على قوات سوريا الديموقراطية في عين عيسى وإخراجهم منها “أي أن تركيا قادرة على قطع الطريق متى أرادت”، وليس كما يشاع بأن الجدار لحجب رؤية  قوات النظام عن المناطق التي تسيطر عليها مرتزقتها في المنطقة.

روسيا

هدفها الأول بسط سيطرة النظام على كامل الأراضي السُّورية وإخراج القوات الأجنبية منها وبأقل الخسائر، مستغلة الاتفاقيات الموقعة مع دولة الاحتلال التركي “سوتشي وآستانا ” والأطماع التركية الرامية لإنهاء الإدارة الذاتية والوجود الكردي في روج آفا لتحقيق أهدافها. فبالنسبة لمناطق الإدارة الذاتية تعتمد روسيا على الأطماع التركية والاجتياح التركي للضغط على قسد لتسليم مناطقها للنظام من دون أي اتفاق، هذه السياسة وإن نجحت نوعاً ما في كري سبي وسري كانيه والتي سمحت لها بالتغلغل في مناطق الإدارة الذاتية ” الاتفاقيات الأمنية الموقعة بين قسد وروسيا” من جرّاء الانسحاب الأمريكي، إلا أنها أيضاً منعت تركيا من السّيطرة على طريقM4  كما أن عملياتها العسكرية السابقة في إدلب كان هدفها بسط سيطرتها على طريق M4 وبات هذا الطريق الحد الفاصل بينهما وخطاً أحمر لا يسمح لتركيا ومرتزقتها باجتيازه كونه طريق استراتيجي يخدم أطماعها التوسعية في سوريا والشرق الأوسط، وكون عين عيسى واقعة على طريق M4 وشريان حيوي يمد النظام بالنفط والغاز والقمح ووقوعها بيد الاحتلال التركي سيشكل ضغطاً اقتصادياً كبيراً على النظام وتزيد من أعبائها الاقتصادية في ظل العقوبات الأمريكية، لذا لا يمكن لروسيا التنازل عنها لتركيا ما لم تجنِ مكاسب أكبر، ففي الوقت الراهن لا توجد مؤشرات على جني روسيا مكاسب أكبر مقابل عين عيسى. بالتالي فعين عيسى وإن كانت روسيا تهدد قسد باجتياح تركي والضغط عليها لتسليم البلدة للنظام، إلا أنها ضمنياً وبحسب المؤشرات لن تسمح لتركيا ومرتزقتها باحتلالها حتى وإن فشلت في الضغط على قسد. كما أن قيام روسيا بإنشاء قاعدة عسكرية جديدة جنوب عين عيسى يأتي لتقوية تواجدها في عين عيسى ولمنع الولايات المتحدة من العودة إلى المنطقة.

إن اتخاذ قوات سوريا الديمقراطية خيار المقاومة ضد الاحتلال التركي ورفض الاستسلام أو تسليم المناطق للنظام دون الوصول إلى اتفاق يضمن حقوق شعوب المنطقة شكل ضغطاً كبيراً على روسيا خاصة مع الوجود الأمريكي في المنطقة. فقوات سوريا الديمقراطية تدرك الأهداف الروسية في الضغط عليها لتسليم عين عيسى للنظام والآثار السلبية التي ستنجم عنها على بقية مناطق الإدارة الذاتية.

وفي هذا السياق باتت تركيا عاجزة عن القيام بأي اجتياح عسكري جديد لمناطق الإدارة الذاتية وحتى تصل إلى مبتغاها في إنهاء الإدارة الذاتية ستعمل على إعادة علاقاتها مع النظام ومع الدول الداعمة للإدارة الذاتية والعمل معاً بشكل أكبر إلى جانب روسيا لضرب الإدارة الذاتية من الداخل والوقوف في وجه أي تحرك أمريكي أوروبي في المستقبل يدعم موقف الإدارة الذاتية، واجتماع وزيري الخارجية الروسي والتركي في سوتشي هو نتاج ما يحدث في عين عيسى. ومع تسلم جون بايدن القيادة الأمريكية ستتوضح السياسة الأمريكية في سوريا وفي كيفية تعاملها مع النظام وتركيا ورغبتها في تقوية وجودها في المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى