مقاومة شعبية، أم حرب إيرانية؟

#تقرير

تنتشر كل يوم في أرجاء مختلفة من شمال وشرق سوريا عمليات استهداف تطال شخصيات مدنية ذات صلة بالإدارة الذاتية، وشخصيات عسكرية وأمنية تابعة لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) بالإضافة إلى مقرات للقوات الأمريكية، ونتيجة لتكرار هذه العمليات، والتي تستهدف في غالبية الأحيان العمق الأمني والعسكري في هذه المناطق، فقد أصبح الحديث عن ميليشيات “المقاومة الشعبية” متداولاً بشكل كبير.

  فمن هم هذه الميليشيات؟ :

 أعلنت مجموعة مسلحة من أبناء بعض القبائل والعشائر العربية في مدينة الرقة عبر بيانٍ مصور لها نشر على مواقع التواصل الاجتماعي في فبراير من العام 2018م، عن تشكيلٍ جديد عرف بإسم “المقاومة الشعبية في المنطقة الشرقية” وذلك لمقاومة “المحتل الأمريكي” حسب زعمها، حيث دعت المجموعة في بيانها، أهالي مدينة الرقة إلى مساندتها ضد “المحتل الأمريكي وكل المتحالفين معه بكافة الوسائل الممكنة، مختتمةً البيان بهتاف إيراني قديم حديث: “الموت لأميركا”.

هذه المجموعة “الموالية للأسد” ظاهرياً، تسير بشكل متزايد على خطى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، حيث تردد أن للمجموعة علاقات وطيدة مع إيران. ولعل هذا المشهد يعيد للأذهان الحركات الإسلامية التي تأسست في العراق عام 2003م أثناء دخول الولايات المتحدة الأمريكية إليها، فإيران كانت لها مساهمة كبيرة في تأسيس وتقوية بعض الفصائل الشيعية المسلحة كمنظمة بدر والميليشيات الموالية لمقتدى الصدر “كجيش المهدي” ولاحقاً الحشد الشعبي، والتي كانت تستخدمها إيران للمشاركة بعمليات نوعية ضد القوات الأمريكية في العراق آنذاك وكانت ترفع شعار “الموت لأمريكا” أيضاً.

جذور هذه الميليشيات

مع بداية دخول تنظيم داعش إلى مدينة الرقة في العام 2014م، نقلت عوائل من المدينة من قبل النظام السوري إلى العاصمة دمشق، كما افتتحت عدد من مراكز التدريب هناك ووصل نسبة المنضمين لهذه المراكز من أبناء الرقة إلى أرقام مرتفعة للغاية وذلك تحت حجة “رح نرجع على رقتنا”  ليتم تشكيل أحد التنظيمات الاستخباراتية والتي عرفت باسم “سرايا الجيش العربي السوري” والتي رفعت شعار “مدني سلمي سري نسبة الخطأ فيه يجب أن تكون صفراً”  لتدخل هذه الخلايا إلى مدينة الرقة وتقوم بعمليات بغاية الدقة ضمن تجمعات  تنظيم داعش، فقد كانت تستهدف القوات العسكرية والأمنية للتنظيم. كما استطاعت رفع علم النظام على عدد من المؤسسات في ذلك الوقت، ولم تتوقف نشاط هذه الميليشيات حتى بعد تحرير مدينة الرقة من تنظيم داعش من قبل قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي، حيث قامت بعدة عمليات استهدفت من خلالها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بالإضافة إلى قوات الأمن الداخلي، لتستمر سلسلة الاستهدافات هذه إلى يومنا الراهن ولكن بشكل آخر وبصبغة أخرى، حيث عمدت هذه الميليشيات ولإبعاد الشبهات عن نفسها إلى تأسيس تشكيل مشابه لها، تحت مسمى “المقاومة الشعبية في المنطقة الشرقية” لتشمل عملياتها كافة المنطقة الشرقية. وتتخذ من ضرب المصالح الأمريكية في المنطقة هدفاً أساسياً لها، كما تقدم على نشاطات منها اغتيال شخصيات عسكرية وأمنية تابعة لقوات سوريا الديمقراطية(قسد). إلى جانب قيامها بأعمال تحريضية، وإلقاء منشورات ورقية تدعو من خلالها سكان المناطق الواقعة تحت إدارة قسد والقوات الأمريكية إلى العصيان.

تمويل هذه الجماعات

سلط تقرير لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى في عام 2019م، الضوء على دور النظام السوري في دمشق في دعم التوجهات الإيرانية في المنطقة الشرقية، حيث يتغلغل “الحرس الثوري الإيراني” في النسيج الاجتماعي لغالبية السكان العرب السنّة من خلال مجموعة متنوعة من الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية، الأمر الذي يساعد هذه القوات على فرض المذهب الشيعي على السكان المحليين الذين يعانون من ضائقة مالية. فالممارسات المالية التي يقدمها «الحرس الثوري الإيراني» المنظمة جيداً والتي تفوق بكثير الهيكلية الأمنية “الفوضوية والمفلسة” لنظام الأسد تستقطب السوريين العاطلين عن العمل والفقراء. كما تؤدي بعض القبائل المحلية دوراً رئيسياً في تطبيق هذه الأجندة الإيرانية. ففي مناطق مثل صبيحان والميادين، أمر «الحرس الثوري» الإيراني شيوخ القبائل بدعوة السكان لحضور فعاليات تنظم في حسينية شيعية، كما أشارت المصادر المحلية إلى أن صالح محمد إسماعيل البعاج، أحد المسؤولين في قبيلة “البعاجين” في الميادين، يعتبر حليف طهران الرئيسي في نشر مذهب الاثني عشرية، بالتعاون مع “المركز الثقافي الإيراني” في دمشق.

فالحرس الثوري الإيراني يحاول بشتى الطرق السيطرة على العشائر العربية لتسخيرها خدمة لأجنداته واستمرار معاناتها في ظل الأزمة التي تشهدها البلاد. فعمليات التشييع التي انتشرت بين العشائر السنية والتي تحاول إيران من خلالها زرع سياسات طائفية في تلك المنطقة ومواجهة التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بعيدة كل البعد عن الأصالة العشائرية.

والتفجيرات العديدة التي حصلت في الفترة الأخيرة في كل من مدن الرقة والطبقة ودير الزور كانت هذه المجموعة تقف خلفها وذلك لأسباب عدة، حيث وعقب كل عملية كانت وسائل التواصل الاجتماعي تتداول تبني تنظيم داعش لهذه العمليات إلا أن البارز هو أن جميع البيانات كانت تستخدم فيها التاريخ الميلادي بدل التاريخ الهجري وهو عكس الأسلوب الذي كان ولا يزال يعتمده تنظيم داعش.

وهذا ما صرح به عبد الكريم الهفل أحد شيوخ قبيلة العكيدات في وقت سابق من العام الفائت: “إن المقاومة الشعبية في المنطقة الشرقية هي ضد القوات الأمريكية وقسد” كما أشار بإن المقاومة قامت بعمليات نوعية ضد  القوات الأمريكية في حقلي «العمر» و«كونيكو»، مؤكداً على أن “المقاومة ستستمر وتتطور حتى تحقيق أهدافها بدحر الاحتلالين الأميركي وقسد وغيرها” .

فميليشيات المقاومة الشعبية الموالية للأسد ظاهرياً، والممولة إيرانياً ليست سوى خلية أمنية تديرها غرف استخباراتية بعثية-إيرانية لضرب الاستقرار في المنطقة الشرقية وخلق حالة من الخوف بين المواطنين؛ كما أنها لا تملك حاضنة شعبية فهي تستند على هامش الديمقراطية التي توفرها الإدارة الذاتية في المنطقة (وتراخي القبضة الأمنية).

فمثلاً العمليات الأخيرة التي تم تنسيبها إليها تمت في ظل التوتر الذي احدثه عصابات الدفاع الوطني تجاه قوى الأمن الداخلي في شمال وشرق سوريا، أي أن عملياتها تتزامن مع أي فرصة تتخللها ثغرة أمنية لذلك فهي تبدو عاجزة نسبياً في الظروف العادية للمنطقة. علماً أن العديد من العمليات التي تنسب لها تكون متزامنة نسبياً مع الهجمات التي تشنها الميليشيات والتنظيمات المحسوبة على إيران على مصالح أمريكا وحلفائها أو لدى إلحاق الأذى بأهداف ذات قيمة لدى الحرس الثوري كالأحداث الأخيرة في حي طي.

وقد نشرت هذه الميليشيات بياناً أعلنت فيه الاستمرار بـ ” المقاومة ” وطالبت العناصر العربية ضمن صفوف “قسد” بالإعلان عن انشقاقها والالتحاق بالمقاومة الشعبية، كما دعت القبائل والعشائر العربية في منطقة الجزيرة إلى الوحدة لمواجهة “قسد”. كما زعمت إنها أوقعت رتلاً عسكرياً تابعاً لقوات “قسد” في “كمين محكم” بريف دير الزور الشمالي الغربي مضيفةً أن العملية جاءت: “نصرة لأهلنا في الجزيرة السورية وأبطال الدفاع الوطني في القامشلي”.

ولعل كل هذه الأحداث تعود بنا إلى مقابلة لرئيس النظام السوري “بشار الأسد ” أجرتها قناة “روسيا24” في عام 2020م، حيث صرح: “بأن الغضب الشعبي سيتصاعد تدريجياً تجاه المحتل الأمريكي والمجموعات التي تعمل لصالح الأمريكيين في المنطقة الشرقية وستبدأ هناك عمليات مقاومة ومن واجب الدولة الوطني أن تدعم أي عمل يكون أو يتم ضد قوة محتلة”. وفسر بعض المحللين هذا التصريح، بإن الأسد لن يضع جيشه في مواجهة القوات الأمريكية وجهاً لوجه، ولكن هنالك إمكانية لتشكُّل خلايا باسم المقاومة الشعبية في مرحلة ما، ولديهم خبرة في طبيعة المنطقة وخصوصيتها.

وهذا ما شاهدناه في العمليات التي نفذتها وما زالت تنفذها هذه الميليشيات وليس صدفة بأن تكون مصالح هذه المجموعة تلتقي مع الجهود التي تبذلها القوات الإيرانية في المنطقة أيضاً وهي ضرب المصالح الأمريكية وحلفائها، كما أن هذه المجموعة قد اختارت لنفسها شعاراً وهو اليد والسلاح وهي أحد الرموز التي تستخدمها القوات الإيرانية في تشكيلاتها العسكرية التابعة لها في العراق وسوريا ولبنان. 

وحسب المعطيات المتداولة على الساحة، يبدو أن منطقة شمال وشرق سوريا أصبحت بقعة ساخنة لظهور تحركات تهدف إلى ضرب أمن واستقرار هذه المنطقة، كما يتبين من خلال البيانات والتحركات التي تنشرها وتقوم بها هذه الميليشيات فإن عمليات الاستهداف سواءً للرموز العسكرية أو المدنية ستزيد في الفترة المقبلة وستشهد المنطقة مزيداً من التصعيد.

قسم الإعلام

 

 

 

 

 

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى