النظام السوري إما المصالحة الداخلية أو الخارجية

بعد أكثر من عقد من الحرب التركية على سوريا، تحاول روسيا جاهدة؛ للتقريب بين النظامين السوري والتركي وفي نفس الوقت الراعية للمفاوضات بين النظام السوري ومجلس سوريا الديمقراطية. إلا أن النظام ومن ورائه الدول الداعمة لها رغم ضعفه يحاول استغلال هذه المفاوضات لتمرير أجندته والمتعلقة في المقام الأول في الحفاظ على هيكليته السياسية والعسكرية والأمنية.

اندلعت الأزمة السورية سنة 2011 لأسباب داخلية وخارجية، فالداخلية فيمكن ربطها بسياسة الحزب الواحد والقبضة الأمنية وكبت الحريات وانعدام المساواة إلى جانب سوء الأوضاع الاقتصادية على الرغم من وجود بعض التحسن في السنوات الأخيرة قبل الأزمة. أما الخارجية فهي مرتبطة بموقع سوريا الجيوسياسي وأهميتها بالنسبة للدول المتصارعة، فتركيا بمشروعها الاستعماري وميثاقها الملي لعبت دوراً رئيسياً في تدمير سوريا سياسياً واقتصادياً واجتماعياً من خلال تدخلها المباشر ودعمها المستمر للتنظيمات الإرهابية “الفصائل المسلحة تحت مظلة ما يسمى بالائتلاف السوري المعارض” وعلى رأس هذه التنظيمات تنظيم داعش الإرهابي ووصول سوريا إلى ما هي عليها اليوم. أما روسيا والتي تدخلت عسكرياً في سوريا سنة 2015 بحجة حماية النظام والتي كان بمقدورها عدم إيصال سوريا إلى هذا الوضع القائم وتعقيد الأزمة وسوريا حليف تاريخي لها وذلك لأسباب سياسية واقتصادية وعسكرية تمكنت من خلالها موسكو من الاستحواذ على قطاعات حيوية في البلاد، كالنفط والفوسفات ومعامل الأسمدة وعقود التنقيب في مياه المتوسط، وميناء طرطوس وإنشاء قواعد عسكرية “قاعدة حميم الجوية وقاعدة طرطوس البحرية” والامتيازات والحصانة التي يتمتع بها الجنود الروس. إلى جانب الدوافع الإيرانية التي لا تقل أهمية عن روسيا حيث اتبعت نفس المسار الروسي ووقعت مع النظام اتفاقيات أتاحت لها موطئ قدم في قطاع الفوسفات، وقطاعات أخرى مثل الكهرباء والاتصالات، وميناء اللاذقية، إلى جانب امتيازات ثقافية وعمليات التجنيس التي تدخل ضمن التمدد الشيعي. هذا إلى جانب الأهداف الغربية من سوريا.

وبغض النظر عن روسيا وإيران والولايات المتحدة، فتركيا التي لعبت الدور الرئيسي في تدمير المجتمع السوري والاقتصاد السوري من خلال دعمها للتنظيمات الإرهابية واحتلالها للشمال السوري باتت اليوم تحاول التقرب من النظام السوري لسبب رئيسي هو الإدارة الذاتية ومشروع الأمة الديمقراطية. فالإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بمشروعها الديمقراطي حافظت على وحدة الأراضي السورية وتعتبر نفسها جزءاً من سوريا الموحدة، إلا أن النظام السوري والسياسة الدوغمائية التي ينتهجها تجاهها ومساومة دولة الاحتلال التركي والدخول معها في مفاوضات وبرعاية روسية تقف موقف المعارض والرافض لأي حل داخلي ينهي الأزمة السورية وهي تدرك دور الإدارة الذاتية المناهض للمشروع العثماني الجديد وإنهاء تنظيم داعش الذي احتل مساحات كبيرة من سوريا والعراق لإنشاء دولتهم المزعومة وبرعاية تركية. على الرغم من قدرة الإدارة الذاتية بوضع يدها في يد النظام التركي ومحاربة النظام السوري. فتركيا طلبت من الإدارة الذاتية في بدايات نشوئها محاربة النظام السوري فلو قبلوا بهذا الطرح في بدايات الصراع لانهار النظام في دمشق وتجزأت سوريا. وإنما اختاروا نهجاً خاصاً يقوم على مبدأ الأمة الديمقراطية كحل لإنهاء الأزمة السورية وللحفاظ على وحدة الأراضي السورية.

اليوم النظام السوري يقوم بوضع يده في يد دولة الاحتلال التركي ويضع العراقيل لإفشال المفاوضات مع الإدارة الذاتية مستغلاً بذلك التهديدات التركية على مناطق الإدارة الذاتية للضغط عليها لتسليم المناطق والعودة إلى ما قبل 2011 وكأن شيئاً لم يحدث. هذا التعنت من جهة النظام قد يكون لعدم رغبة الدول الداعمة لها “روسيا وإيران” في إنجاح المفاوضات والاعتراف بالإدارة الذاتية، إلى جانب دوغمائية النظام تجاه الإدارة الذاتية ورفضه لفكرة الديمقراطية.

فتركيا التي حاربت النظام السوري واحتلت الشمال السوري تستميت اليوم لإجراء مصالحة مع النظام وبالنظر إلى الفوائد السياسية والعسكرية والاقتصادية التي قد يجنيها الطرفان في حال نجحت المصالحة وتم عقد قمة بين الطرفين، ستكون تركيا الرابح الأكبر من هذه المصالحة فما لم يستطع النظام التركي الحصول عليه عن طريق التهديدات والاجتياحات العسكرية سيحصل عليه عن طريق المصالحة، منها تخفيف أزمة اللاجئين في تركيا بعد فقدان أهمية هذا الملف في الضغط على الغرب لتحقيق أطماعه في سوريا وتخدمه في الانتخابات الرئاسية، عدم السماح بوصول سوريا إلى نظام ديمقراطي يتم من خلاله الاعتراف بالإدارة الذاتية بشكل خاص وبالمكونات السورية بشكل عام، ومن الناحية الاقتصادية تحويل سوريا إلى سوق لتصريف منتجاتها فسوريا حالية غير قادرة على منافسة البضائع التركية وبالتالي ستكون سوريا خاضعة اقتصادياً لتركيا. أما بالنسبة للنظام السوري فالثمار التي قد يجنيها قليلة مقارنة بتركيا فمن جهة قد تسلم تركيا ملفات بعض الفصائل للنظام وبالأخص تلك الفصائل المعارضة لأي مصالحة مع النظام، بمعنى الحفاظ على الفصائل الإرهابية الموالية لها وقد تسيطر على شمال طريق M4 بين سراقب– أريحا – جسر الشغور بعد الانسحاب التركي وتنشيط الحركة بين حلب والساحل والتي ستخدم روسيا بالمقام الأول كون النظام السوري منهار اقتصادياً وروسيا وإيران تسيطران على مجمل الثروات السورية وبالتالي الاستفادة الاقتصادية ستكون قليلة إن لم تكن آنية، أما بالنسبة لانسحاب جيش الاحتلال التركي من الشمال السوري المحتل فقد يكون أمراً صعباً إن لم يكن مستحيلاً حتى لو تم الاتفاق على جدول زمني للانسحاب، فتركيا لم تنخرط في الأزمة السورية إلا لاحتلال الأراضي السورية وتنفيذ مشروعها الاستعماري “الميثاق الملي” التي ترى في تلك المناطق وغيرها أراضي عثمانية قد تم سلخها من قبل الغرب بعد انهيار السلطنة العثمانية. لكن يبدو الهدف الرئيسي للنظام السوري بإجراء مصالحة مع النظام التركي هو التطبيع، وترى في تركيا بوابة الاعتراف الإقليمي والدولي بها.

إن دوغمائية النظام تجاه الإدارة الذاتية وإجراء مصالحة مع النظام التركي كالذي يضع يده على عينه كي لا يرى الحقيقة وإن تركيا لن تتنازل عن المناطق المحتلة وسيكون مصيرها مشابهاً لمصير لواء اسكندرون، فالحل الرئيسي لحل الأزمة السورية هو التطبيع مع الداخل أي إجراء مصالحة مع مكونات الشعب السوري ” ليس كالتي تجري في درعا وبقية المناطق التي لم تسفر عن أي شيء” وإنما الاعتراف بحقوق المكونات السورية وإقامة نظام ديمقراطي، والطريق الوحيد لتحرير الأراضي من الاستعمار التركي وعودة وحدة الأراضي السورية والنهوض بالاقتصاد والعودة إلى ما قبل 2011 ولكن بشكله ديمقراطي.

زر الذهاب إلى الأعلى