أهداف الدول الفاعلة على رقعة الشطرنج السورية

أهداف الدول الفاعلة على رقعة الشطرنج السورية

  

مضى أكثر من عقد على عمر الثورة السورية  التي بدأت سلمية في بداية الأمر إلى أن تحوّلت إلى مواجهات مسلّحة بين  حكومة دمشق والمنشقّين عنها، ونتيجة الصراع المسلّح بين الطرفين ذاق الشعب الأعزل الويلات وفقد مئات الآلاف من الضحايا المدنيين وعشرات الآلاف من القتلى بين الطرفين والتهجير القسري للسكان إلى خارج البلاد، كما أدّى لنزوح الملايين إلى المناطق الأكثر أمنًا وبشكل خاص شرقي الفرات”مناطق الإدارة الذاتية ” ونتيجة التدخّلات الخارجية فيها تحوّلت الأراضي  السورية إلى ساحة لتصفية الحسابات والصدامات المسلّحة بالوكالة، ولذلك أردنا تقييم أهداف وغايات الدول المتصارعة على رقعة الشطرنج السورية، وهي كالتالي:

الولايات المتّحدة الأمريكية:

الوجود العسكري الأمريكي  في سوريا يأتي لمحاربة الإرهاب “تنظيم داعش” ولمنع الإرهاب من العودة إلى المنطقة، والتي أصبحت بؤرة لنشوء التنظيمات الإرهابية “سوريا والعراق” ووجوده العسكري ضروري لمنع عودة هذه التنظيمات من جديد، كما أنّ الوجود العسكري الأمريكي مرتبط بالوجود العسكري الروسي، روسيا التي ترى لسوريا أهمية كبرى أو رأس حربة في حال حدوث حرب بين روسيا والغرب “قاعدة حميميم الجوية وقاعدة طرطوس البحرية” إلى جانب الوقوف في وجه المشروع الإيراني ” الهلال الشيعي” والذي يشكّل خطرًا على أمن إسرائيل ومناطق نفوذها في الخليج العربي؛ لذا عملت الولايات المتّحدة على إنشاء قاعدة (التنف) التي تقطع الطريق بين العراق -التي أصبحت محافظة إيرانية- وسوريا -التي تحاول إيران تقوية نفوذها العسكري والاقتصادي والثقافي فيها-. كما أنّ انعدام ثقتها بتركيا الحليفة تجعلها متمسّكة بمناطق الإدارة الذاتية وأهمية المكوّن الكردي في السياسة الأمريكية في المنطقة، فالولايات المتّحدة بدعمها لقوات سوريا الديمقراطية ووجودها العسكري في المنطقة قد تعمل على بناء نظام لا مركزي في سوريا كحلّ للأزمة السورية.

وفي المقام الأول تسعى الولايات المتّحدة إلى خلق حالة من التوازن العسكري في الأجواء السورية؛ ليكون بديلًا عن قاعدة (إنجرليك) في تركيا في حال توتّرت العلاقة بين واشنطن وأنقرة إلى حدّ القطيعة.

روسيا:

 يشكّل موقع سوريا أهمية جيوسياسية لروسيا اقتصاديًا وعسكريًا، فهي ممرّ رئيسي لنقل الغاز من الخليج إلى أوروبا والذي يشكّل تهديدًا كبيرًا على مناطق نفوذها الاقتصادي وبالأخص الاتحاد الأوروبي المستورد الرئيسي للغاز الروسي. كما تشكّل سوريا بوّابة رئيسية نحو الخليج العربي وشمال أفريقيا، وعسكريًا قربها من قاعدة (إنجرليك) في تركيا وأهمية البحر المتوسط في أيّة حرب مستقبلية.

 

تتطلّع روسيا من خلال تقديم الدعم العسكري لسوريا إلى بسط نفوذها داخل النظام السوري والموجود أصلاً من جهة، ومن جهة أخرى مواجهة الدول الغربية “الهيمنة الغربية على العالم”، وفرض سيطرتها على كامل الجغرافيا السورية؛ للوقوف في وجه المخطّطات الغربية الهادفة إلى عزلها عن محيطها الجيوسياسي. ومع بدء الحرب الروسية الأوكرانية باتت الأزمة السورية تشكّل تحدّياً كبيرًا لروسيا، وهي اليوم تحاول بشتّى السبل إنهاء هذه الأزمة التي تؤثّر بشكل أو بآخر على حربها على أوكرانيا (حربها على الدول الغربية) عن طريق المصالحة بين النظامين التركي والسوري.

تركيا:

حاولت تركيا إسقاط النظام السوري وتشكيل نظام إخواني موالٍ لها، وبعد فشلها ونجاح قوات سوريا الديمقراطية في دحر تنظيمها الإرهابي داعش بدأت باحتلال الشمال السوري وتشكيل حزام إرهابي في الشمال السوري، لتنفيذ مخطّطاتها وضرب الإدارة الذاتية؛ حيث احتلّت منطقة عفرين ومن ثم منطقتي كري سبي وسري كانيه وتطمع حاليًا باحتلال كوباني رمز الحرية والانتصار على تنظيم داعش، وتطلق التهديدات للحصول على الضوء الأخضر من الولايات المتّحدة لتنفيذ اجتياحها الجديد على المنطقة. فتركيا لديها مشروعها الاستعماري في احتلال الشمال السوري وشمال العراق بحجّة “الميثاق الملّي” واقتراب مئوية (لوزان) منذ تولّي أردوغان زمام الحكم في تركيا وضع نصب عينيه إعادة أمجاد أجداده العثمانيين؛ من خلال التدخّل بشكل سافر في شؤون جيرانه من العراق ووصولًا إلى سوريا وليبيا وغيرها بغية تنفيذ “الميثاق الملّي”، والذي من خلاله يطمح إلى ضمّ كامل الشمال السوري، وصولًا إلى ضمّ الموصل وكركوك في شمال العراق بعد انتهاء العمل بمعاهدة لوزان في /2023/م.

وفي يناير/ كانون الثاني / 2018/م أطلق الجيش التركي حملة ساعدتها في ذلك الفصائل المسلّحة ومرتزقتها، للسيطرة على منطقة عفرين الكردية وتلاها احتلال كلّ من تل أبيض وسرية كانية بالإضافة إلى كامل غربي الفرات من جرابلس إلى عفرين، فأهداف تركيا واضحة وهي احتلال أجزاء من دول الجوار وضمّها إليها والمساومة عليها في أيّة مفاوضات وتسويات مستقبلية على الساحة السورية خاصة والإقليمية عامة، وإيجاد موطئ قدم لها كطرف أساسي للوصول إلى تسوية تخدم أهدافها الاستعمارية في المنطقة.

إيران :

إنّ هدف إيران في سوريا هي استكمال لمخطّطها في تشكيل الهلال الشيعي من إيران ومرورًا بالعراق ووصولًا إلى سوريا ولبنان، من خلالها تقوم إيران ببناء قدراتها العسكرية الإستراتيجية لحماية مصالحها في المنطقة، وتخزين ترسانتها من أسلحة ومعدّات خصوصًا في ديرالزور والبوكمال وتدمر، بالإضافة إلى أهداف اقتصادية مع حكومة دمشق؛ والتي من خلالها تطمح طهران إلى تعويض نفقاتها التي خسرتها في سوريا خلال الأزمة.

والهدف الأساسي لها هو تشييع المنطقة التي نجحت فيها إلى حدّ ما، فالعاصمة دمشق وما حولها أصبحت منطقة شيعية نتيجة تجميع الميليشيات الإيرانية فيها وصولًا إلى ريف حلب، بحيث يكون مركزًا لتجميع ميليشيات أجنبية شيعية في المنطقة، وبناء ضاحية جنوبية على غار تلك التي بنتها إيران في جنوب العاصمة اللبنانية بيروت، والتي يسيطر عليها حزب الله الشيعي المدعوم من طهران.

إسرائيل:

بالرغم من عدم تدخّل إسرائيل في مجريات الأحداث في سوريا عسكريًّا بشكل مباشر، لكنها اقتصرت بين الحين والأخر على ضربات جوية على مواقع إيرانية في سوريا، وظلّت تل أبيب على مسافة بعيدة من هذا الصراع وإن استغلّته  في بعض الفترات لتحقيق بعض الأهداف المحدّدة، وقد تمثّلت تلك الأهداف في الضغط من أجل تجريد سوريا من أسلحتها الكيماوية، وتوجيه ضربات جوية لطرق إمداد حزب الله بالسلاح داخل سوريا، وتصفية بعض المطلوبين لديها من المتحالفين مع حزب الله أو رجاله (اغتيال جهاد مغنية ومن بعده سمير القنطار وغيره) من قادة حزب الله، وكما عملت إسرائيل على توريط حزب الله بشكل أكبر في الأزمة السورية، فقد اضطرّ حزب الله بدوره لتغيير وجهته من التركيز على المواجهة مع إسرائيل إلى محاولة حماية النظام السوري من السقوط، وهو ما صبّ تلقائيًّا في مصلحة  إسرائيل الأمنية، وخلاصة النتائج يبدو أنّ قرار إسرائيل بعدم التدخّل المباشر في الصراع الدائر في سوريا منذ عام / 2011 / كان قرارًا محسوبا منها، إذ جنّبها الكثير من المشكلات والصدامات مع المجتمع الدولي والعالمَين العربي والإسلامي والتي هي بغنىً عنها.

من خلاله حقّقت إسرائيل على مدى هذه السنوات من الصراع السوري معظم أهدافها الإستراتيجية، وإن بقي الهدف الأهم وهو الحصول على اعتراف دولي بتبعية هضبة الجولان، والتي تمّ الاعتراف بها من قبل الولايات المتّحدة أثناء ولاية ترامب الذي أعترف بها بموجب مرسوم رسمي وقّعه في /25/ أذار / 2019/م أثناء زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) التي ضمّتها لأراضيها رسميًّا عام/1980/م رغم كونها أراضٍ سورية محتلّة بحكم القانون الدولي، إذ سيتوقّف مصير الجولان إلى حدّ كبير على التسوية النهائية للحرب الجارية هناك وشكل الدولة السورية بعدها: سوريا تحت حكم مركزي، أم سوريا فيدرالية، أم دويلات طائفية وعرقية ومنطقة فوضى.

الخلاصة، إنّ جميع الدول التي تدخّلت في سوريا سواء عبر تدخّلها المباشر أو بالوكالة طمحت إلى تصفية حساباتها الإقليمية والدولية على حساب الشعب السوري، والذي كان الخاسر الوحيد طيلة أكثر من عقد على حلبة الصراع داخل رقعة الشطرنج السورية.

زر الذهاب إلى الأعلى