تركيا والتهجير القسري والتغيير الديمغرافي والبنيوي في شمال شرق سوريا

د . مرشد اليوسف

المقدمة:

التهجير القسري للأفراد والجماعات قديمٌ قِدمَ التاريخ وحصل لأسبابٍ مختلفة، وكانت الحروب والنزاعات من أهم الأسباب، واختلفت دوافعه بين جهة وأخرى، وتؤكد النصوص المسمارية السومرية في عصر سلالة أور الثالثة أنّ الملك شو (2037-2029) وهو الملك الرابع في السلالة الثالثة مارَسَ سياسة َالتهجير القسري ضد سكان إحدى المناطق ونقلهم الى مدينة نفر (1).

ومارس البابليون أيضاً سياسة التهجير القسري في حروبهم، وكانوا يُحِلّون مجموعاتٍ بشريةً وسكانيةً مَحلّ مجموعاتٍ أخرى (2). ومارس الحِثّيون الفعلَ نفسَه، وقد جاء على لسان الملك شوبيلوليوما:

“هكذا قهرتُ بلاد أرزا ونقلتُ جزءاً من السكان إلى خاطوشاه”.

وقام الملك الأشوري شلمنصر الأول (1240 – 1245) بتهجير عدد كبير من سكان بلاد أورارتو وبلاد الحوريين، واستخدم الأشوريون القدماء سياسة التهجير القسري على نطاق واسع دون الأمم الأخرى، فقد كانوا يُهجّرون سكان الأقاليم المحتلة إلى بلاد بعيدة ليسهل السيطرة عليهم (3) .

 كما عمد الأشوريون إلى تفريق السكان المُهجّرين وإسكانهم خارج المدن الأشورية الكبرى، وكان تهجير العبرانيين على يد الآشوريين والبابليين شكلاً من أشكال التهجير القسري الإجرامي وترحيل السكان الأصليين من وطنهم.

ومارست بعض الإمبراطوريات في الشرق الأدنى القديم أبشع أنواع التهجير أي اقتلاع السكان كليا من بلادهم وأرضهم وموطنهم.

وتَذكرُ الوثائق أنّ الملك الأشوري بيلاصر الثالث قام بتهجير الآلاف من سكان ثمانية مدن، وحّول تلك المدن الى مدن آشورية خالية من سكانها الأصليين.

أمّا الرومان والإغريق فقد كانت نظرتهم عدائية تجاه سكان المناطق التي احتلوها.

وفي العصور التي سبقت الإسلام مارس العرب القدماء سياسة النفي والتهجير القسري ضد بعضهم البعض بشكل خاص.

ويمكن القول أنّ سلوك المتحاربين في التاريخ القديم اتّسم بالقسوة والوحشية، والقاعدة الوحيدة التي استندوا إليها هي أنّ كل شيء مباحٌ لقهر العدو.

وبالمقابل اعتبرَ الصينيون القدماء الترحيلَ القسريَّ وابعاد السكان المدنيين عن ديارهم بصفة غير مشروعة شكلاً من أشكال أعمال الشر (4).

وورد في قانون “مانو” في الهند ضرورةُ تجنّب أيّ عمل عدائي لا طائل منه (ضد السكان) كما أوصى بمعاملة المهزومين في الحروب معاملة إنسانية.

كما دَعت الديانة المسيحية إلى التسامح وحظَرت الّلجوء إلى الحرب مطلقا.

أسباب التهجير القسري:

هناك مجموعة متنوعة من الأسباب التي تؤدي إلى التهجير القسري في العالم وفي منطقتنا، منها أسبابٌ تتعلق بالظروف الطبيعية مثل الجفاف، والكوارث الطبيعية كالزلازل والهزّات الأرضية العنيفة، والحروب الأهلية، والعنف، والتطهير العرقي، والنزاعات المسلحة التي تجبر السكان على الانتقال إلى مناطق آمنة وهذا ليس موضوع بحثنا.

التهجير القسري والتغيير الديمغرافي والتغيير البنيوي:

ويهدف إلى تغيير التركيبة السكانية لإقليم أو منطقة محددة وإفراغها من سكانها.

وبحسب القانون الدولي فإنّ هذا النوع من التهجير هو إخلاءٌ غير قانوني لمجموعةٍ من الأفراد والسكان من الأرض التي يقيمون عليها. وهو يندرج ضمن جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية.

تركيا والتهجير القسري والتغيير الديمغرافي والبنيوي في باكور (كردستان الشمالية) وسوريا:

نشأت الجمهورية التركية نتيجة الهزيمة التي تعرضت لها الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى، ونتيجةً لحرب الاستقلال التي خاضها أتاتورك في مواجهة اتفاقية سيفر التي كانت ستؤدي الى قيام دولة كردية ودولة أرمنية.

1 – التهجير القسري والديمغرافي والبنيوي في العهد العثماني:

 لو بحثنا في صفحات التاريخ عن كُبريات جرائم “الجينوسايد” والتغيير البنيوي والديمغرافي ضد الشعوب سنجد أنّ السلطنة العثمانية ومن بعدها الجمهورية التركية تحتلان المرتبة الأولى في إبادة الشعوب، وفي إطار هذه السياسة أبادت الدولة العثمانية الشعب الرومي الذي يمتد تاريخه لأكثر من ألف وخمسمائة عام في الأناضول الغربي ومثلُه الشعب اليوناني والبلغاري.

وفي مذابح البدرخانيين الكورد قتل العثمانيون أكثر من عشرة آلاف في منطقة هكاري عام1847. وفي انتفاضة جبل آكري قتل العثمانيون في مجزرة زيلان الواقعة في منطقة آرجيش التابعة لمحافظة وأنّ أكثر من 47000 شخصاً كرديا.

 وفي 24 / نيسان / 1915 جمع العثمانيون المئات من كبار الشخصيات الأرمنية   في شوارع وساحات اسطنبول وتم قتلهم بدم بارد.

 وجرى إبادة الشعب الأرمني بشكل منظم على يد عُتاة العثمانيين وبطريقةٍ وحشية لم يشهد العالم مثيلاً لها من قبلُ، وقد شمل القتل الأجنّة في الأرحام، ولم يكن سببُ الإبادة طائفياً كما روّج العثمانيون، بل كان تطهيراً عرقياً من نوع وحشي شمل أيضا الشعب السرياني العريق في مذابح سيفو وشمل الشعب الكردي في بيازيد وآلا شكرت وأجّج حزب تركيا الفتاة الحربَ الطائفية بين الكورد والسريان.

 وفي سوريا استهدفَ السلطان سليم المواطنين العلويين في 26 / تموز عام 1916 وقتل منهم أربعين ألفا (وقيل 90 ألفا أو 200 ألفا) في ساحة الجامع الكبير بحلب، وقام ببناء تلال من جثامين هؤلاء القتلى، ولهذا عرفت هذه المجزرة بمجرة التلل.

ويوثّق التاريخ نصّ الرسالة التي أرسلها قائد الحملة العثمانية على سوريا إلى السلطان سليم بخصوص هذه المجزرة (وهذه الرسالة محفوظة في مكتبة ستاسبورغ الوطنية   الفرنسية- قسم المخطوطات العربية). وجاء في نص الرسالة:

 “بسم الله الرحمن الرحيم، تحيات إجلال مقامات، تنفيذاً لأوامر سعادات تمّ تنفيذُ القرارات والتوصيات، وقتلِ كلّ ما وقع علينا من قرى سوريا خاصة قرى النصيرية  حتى أدغال الجسر وباب النسر، إلى شيزر ووادي خالد، حتى كُتب لنا النصر، ولن يكون لهم وجود بعد الآن على مر الزمان، وخُلّصت البلاد من آفة وعلة الفساد  واستتبّ دين الاسلام في بلاد الشام، ولم يبق لهؤلاء السوريين ديار ولن يعيشوا على أرض السلطان العظيم سليم، وقد أكلت بقاياهم وحوش الجبال وتماسيح الغاب، والعيش للسلطان بالرغاب، والله الموفق للصواب، لعنهم الله في كل كتاب، ودمتم بنور الله.

وأصدر السلطان سليم فتوى بحق الشيعة العراقيين بعد احتلال العراق نص على أنّ: “كافة الشيعة في العراق هم كفار”.

وأخرج فرماناً بقتلهم. وبناءً على ذلك الفرمان تم قتل أكثر من أربعين ألف شيعي عراقي، وقتل الوالي العثماني نجيب باشا في أحداث كربلاء عام 1842 أكثر من 24 ألف شيعي.

ويروي المؤرخ المصري محمد بن إياس في كتابه بدائع الزهور في وقائع الدهور قصص الظلم الذي وقع على المصريين أيام حكم السلطان سليم حيث وصل الأمر إلى قتل عشرة آلاف من المصريين في يوم واحد.

وفي عام 1916 استباح العثمانيون دمشق لثلاثة أيام، وقُتل فيها عشرة آلاف شخص وكذا في حمص وحماه والحسكة.

2 – التهجير القسري والتغيير الديمغرافي والبنيوي في عهد الجمهورية التركية:

سعى أتاتورك منذ الأيام الأولى لقيام الجمهورية التركية (1923) إلى إنشاء دولة قومية على حساب القوميات الأخرى وتركزت جهوده في المرحلة الأولى على حظر الخرائط والرموز التي تحتوي على جغرافية كردستان وأرمينيا.

وبتشكيل اللجنة الخاصة بتغيير الأسماء في عام 1952 تحت إشراف وزارة الداخلية، تم تغيير أسماء القرى الكردية والأرمنية والجورجية إلى الأسماء التركية، واستمرت اللجنة في عملها حتى عام 1978 وتم تغيير 35% من أسماء القرى في كردستان وبقية المناطق، وشمل هذا الرقم أسماء الشوارع والأحياء والمعالم الأثرية في كردستان. وفي عام 1980 أعيد تشكيل اللجنة مرة أخرى وجرى تغيير اسم 280 قرية كردية أيضاً.

ويُقدّر العالم الأرمني ستيفان نيشفانيان خلال دراسة مستقلة أنه من بين المتغيرات في أسماء المواقع الجغرافية كان 4200 موقعا يونانياً و4000 موقعا كردياً و3600 موقعاً أرمنياً و750 موقعاً عربياً و400 موقعاً أشورياً و300 موقعاً جورجياً و200 موقعاً لازيّاً …الخ.

والحقيقة أنّ التغييرات بدأت في عهد السلطان عبد الحميد الثاني عام1880 حيث تم حظر استخدام كلمة أرمينيا في الصحافة والكتب المدرسية والمؤسسات الحكومية واستبدالها بكلمات مثل الأناضول، واستمر تغيير الأسماء في ظل الحقبة الجمهورية المبكرة حتى اليوم. وشمل التتريك أسماء العائلات والشخصيات التاريخية على نطاق واسع في الأسماء الكردية والسريانية والأشورية في جنوب شرق تركيا وفي منطقة طور عابدين، وأصبح التغيير الجغرافي والإسمي للكرد أكثر شيوعا في عهد الجمهورية وتم حظر كلمة كردستان والأكراد وقامت الدولة بتصنيف الكرد على أساس أنهم أتراك الجبال ومن ثم أتراك الشرق في عام 1980.

ورغم تعاون الكرد مع أتاتورك إبان حرب الاستقلال ضد قوات الحلفاء، إلّا أنّ الأخير أنكر عليهم حقوقهم الوطنية وهويتهم القومية، وأطلق عليهم اسم أتراك الجبال (كما ذكرنا) وبدأت مرحلة مظلمة أخرى في حياة شعب شمال كردستان، واندلعت انتفاضات متتالية ضد الجمهورية التركية ردّاً على تلك المظالم والتفرقة العنصرية مثل:

–  انتفاضة الشيخ سعيد بيران عام 1925 وانتهت باعتقال الشيخ سعيد وإعدامه.

– انتفاضة جبل آكري بقيادة الجنرال إحسان نوري باشا واستمرت حتى غاية عام 1930 وجرى سحقها بوحشية.

– انتفاضة الكرد العلويين في ديرسم بقيادة سيد رضا عام 1935 – 1938 وتم القضاء عليها براً وجواً بالطائرات.

 وبلغ عدد ضحايا تلك الانتفاضات مئات الألوف من الأطفال والنساء وكبار السن والمدنيين العزل بالإضافة إلى مئات الألوف من اللاجئين والنازحين والمهجرين. وحسب مذكرات الزعيم الهندي جواهر لال نهرو:

” بلغ عدد قتلى الكرد في تلك الانتفاضات مليوناً ونصف من الأبرياء”.

وبلغ عدد قتلى انتفاضة ديرسم وحدها (1935 – 1938) أكثر من عشرات الآلاف من المدنين والأطفال والنساء -الذين لجؤوا إلى الكهوف خوفا من بطش الجيش التركي- خنقا بعد صب مداخل تلك الكهوف عليهم وهم أحياء بالبيتون المسلح.

واعترف أردوغان بهذه الجريمة وعرض وثائق تعود لعام 1939 تتضمن تفاصيلَ حول عمليات الإبادة في ديرسم التي راح ضحيتها 113000 شخص ووصفها أردوغان بأنّها “الحادث الاكثر مأساوية في الماضي القريب”.

وفرضت الحكومات التركية المتعاقبة على كردستان هيمنة مطلقة من الناحية السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية، يعتمد جوهرها على الإبادة الشاملة للوجود القومي الكردي عبر شتّى أساليب القمع والبطش والإرهاب المنظّم، والتخريب المتعمد لمختلف جوانب حياة شعب كردستان. وجرى ضمن هذا الإطار إلغاءُ خارطة كردستان واسم الشعب الكردي من المناهج في مختلف مستويات التعليمية المدرسية والثقافية في تركيا، وجرى تغيير أسماء القرى والبلدات والمدن الكردية إلى أسماء تركية، واتبعت السلطات سياسة الصهر والتتريك بكل الوسائل الإرهابية والوحشية حسب المبدأ الكمالي الفاشي “الصهر والتتريك أو الموت” وبنفس الوقت ضربت السلطات التركية عرض الحائط جميع المواثيق والأعراف الدولية المتعلقة بحماية الحقوق المدنية للسكان في الأقاليم الواقعة تحت الاحتلال. وعملت على تشجيع الصراعات القبلية والدينية والطائفية والمذهبية والعرقية (فلان شيعي وآخر سني، أو علوي أو ايزيدي، أنت مسلم وهو مسيحي …سرياني …أرمني …آشوري، كردي، يهودي ..كافر ….الخ) .

واستهدف الاحتلال التركي منذ البداية تدمير البنية التقليدية للاقتصاد الكردستاني وضمن إطار هذه السياسة جرى اقتلاع مئات الآلاف من القوى البشرية الكردية العاملة من قراها ومدنها وأوطانها، وجرى في الوقت نفسه إغراق السوق الكردية بالسلع والمنتوجات التركية، وتم نهب ثروات وخيرات شمال كردستان.

وانتهجت سلطات الاحتلال التركي سياسة العداء السافر لكافة أشكال الثقافة القومية الكردية وعمدت بلا هوادة على طمس التراث الكردي الذي تشكل عبر آلاف السنين، وفي إطار هذه السياسة منعت التكلم والتعلم باللغة الأم، ومنعت الاحتفال بالأعياد القومية الكردية وارتداء الزي الوطني … الخ، وضمن هذه السياسات قامت السلطات بتزوير حقائق التاريخ والجغرافيا.

لستُ هنا بصدد تقييم نتائج الصراع الكردي التركي (ماله وما عليه)  في شمال كردستان طوال هذه السنين الطويلة، ولكن أستطيع القول أن سياسة تركيا  العنصرية-التوسعية القائمة على أنقاض الشعوب الأخرى لا تستطيع أن تعيش في حالة السلام مع نفسها ومع الآخرين، ليس هذا فحسب بل إن أطماعها التوسعية تتجاوز حدودها الحالية  وحسب الخارطة التي نشرت في أوربا من قبل اتحاد طلبة تركيا في عام 1992 فإنّ تركيا في القرن الحادي والعشرين (القرن الحالي) ستشمل أجزاء من اليونان وبلغاريا  ورومانيا وأجزاء من شمال سوريا حتى حلب وأجزاء كبيرة من إيران وأرمينيا والقوقاز. وقال الرئيس التركي أوزال حول سياسة التوسع التركي: “إنّ حدود تركيا العظمى تمتد من الأدرياتيكي حتى سور الصين العظيم “.

التطهير العرقي والتغيير الديمغرافي في عفرين وكري سبي (تل أبيض) وسري كانيه (رأس العين):

لا شك أنّ احتلال تركيا لـ 40 % من أراضي جمهورية قبرص في السبعينات من القرن الماضي كانت الخطوة الاولى في اتجاه التوسع التركي، وتطلّعها المستمر لاحتلال إقليم كردستان حتى الموصل وشمال حلب أيضا من أهم الأهداف التي تسعى تركيا إلى تحقيقها في المدى المنظور.

ويأتي ضمن هذه الاستراتيجية احتلال تركيا لجرابلس والباب وأعزاز وأجزاء أخرى من شمال سوريا عبر عملية درع الفرات التي انطلقت في 24 اب 2016. وحسب ما نشرت مجلة “يني شفق” المقربة من الحكومة التركية الصادرة في 25 اب 2018 فإنّ:

–  احتلال جرابلس مجرد بداية.

وذكر مصدر أمني في أنقرة للمونيتور في نفس اليوم والتاريخ وقال:

– حان الوقت للاستفادة من هذه النجاحات، سيكون خطأ فادحاً التفكير في أن تقتصر العملية على جرابلس فقط.

بالإضافة إلى تحقيق الحلم العثماني التوسعي، فإن عملية احتلال جرابلس وشمال حلب يهدف إلى تجميع المعارضة العسكرية السورية (الجيش الوطني– الاخواني) تحت سقف واحد في شمال سوريا، وجعل جرابلس مركز القوة العسكرية الضاربة للمعارضة السورية، وقاعدة انطلاق كبرى نحو المناطق الكردية في عفرين وكوباني والجزيرة وحلب.

 ولم تُكذّب تركيا الخبر (كما يقول المثل الشعبي) فقد هاجمت عفرين في 20 يناير 2018 عبر عملية غصن الزيتون (المزعومة) وصرحت أنقرة بأنها تستهدف مواقع تابعة لقوات حماية الشعب (القوات الكردية) التي تعتبرها أنقرة منظمة إرهابية وهي في الحقيقة كانت تستهدف القوات والادارة الذاتية الكردية في عفرين معاً.

 وقال الرئيس التركي أردوغان في يوم الهجوم:

– اقلعت طائراتنا وبدأت بالقصف والعملية البرية جارية وأضاف: “سنطاردهم -يقصد قوات حماية الشعب الكردية والشعب الكردي معا- وإنْ شاءَ الله سنستكمل عمليتنا سريعاً جداً.

 وأظهرت صورٌ بثّتها وكالة فرانس برس في الأسبوع الأول من الهجوم الغاشم آثار الدمار الذي خلفه القصف التركي الذي دمّر المنازل وساوى المباني بالأرض وقتل المدنيين الآمنين.

 وواصلت القوات التركية والفصائل السورية الموالية لها جرائمها في عفرين رغم إدانة شعوب العالم للانتهاكات التركية، واستمر القتال لمدة شهرين تقريبا، وانسحبت القوات الكردية من أجل حماية وإنقاذ المدنيين، وأعلن الجيش التركي احتلاله للمدينة والريف بتاريخ 18 آذار 2018 وقام جنود الاحتلال بنهب المحلات وسرقة المنازل وترويع المدنيين لإجبارهم على الفرار من المدينة.

وأعلنت الأمم المتحدة في 23 آذار 2018 ما يلي:

– إنّ نحو 170 ألف شخص فرّوا إثر الهجوم التركي على مدينة عفرين، مشيرة إلى الظروف المروعة التي يواجهونها، واشار تقريرٌ للأمم المتحدة صدر في حزيران 2018 حول عفرين إلى:

– وجود مستويات عالية من جرائم العنف، ووقوع المدنيين ضحايا لجرائم النهب والمضايقات والاختطاف والقتل. وتستهدف بشكل خاص أولئك الذين يعتقد أنّهم متعاطفون مع القوات التي يقودها الكرد.

 كما حذر التقرير من وجود تقارير تشير لانعدام القانون وتفشي الإجرام.

وفي 2 أغسطس 2018 صرحت منظمة العفو الدولية أن القوات التركية تطلق العنان للجماعات المسلحة لارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ضد المدنيين في مدينة عفرين (جاء ذلك في تقرير أصدرته منظمة العفو الدولية في أعقاب تحقيقاتها المستفيضة بشأن الأوضاع المعيشية في المدينة في ظل الاحتلال التركي).

وصرّح مواطن كردي من عفرين لمجلة “فورين بوليسي” حول الوضع وقال:

أنه جرى اعتقال أكثر من 200 شخص من عفرين على يد فصائل الجيش السوري الحر، ويدفع أقارب المعتقلين فدية تصل إلى 20 ألف دولار لإطلاق سراح أقاربهم من مراكز الاعتقال.

واتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش في شهر حزيران 2018 مقاتلي الجيش الحر بنهب منازل سكان عفرين الأكراد.

وذكر بعض الأهالي لمنظمة العفو الدولية أنه منذ مارس/آذار 2018 لم يعد بمقدور الأطفال تلقّي التعليم المدرسي إلا في مدرسة واحدة في مدينة عفرين، بينما أُغلقت جامعة عفرين تماماً بعد تعرضها للدمار والنهب.

لا شكّ أنّ الانتهاكات التركية المسعورة مستمرة في عفرين، وبدأت تأخذ أشكالاً خطيرة مثل التطهير العرقي والتغيير الديمغرافي. لقد أصبح توطين العرب والتركمان في منازل ومساكن أهل عفرين واقعاً، ففي يوم السبت الواقع في 1 / 4 /2018 تم نقل خمسين عائلة من الغوطة الشرقية عن طريق إدلب إلى عفرين وتم إسكانها في ناحية جنديرس – غربي عفرين. وكذا في قرية معبطلي، وفي قرية باسوفاني التابعة لناحية شيروا.

 وأكّد السيد سامي عبد الرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان لـ “حكاية ما انحكت”: أنّ السلطات التركية نقلت أكثر من 50 عائلة من أهالي الغوطة الشرقية إلى ناحية جنديرس غربي عفرين، و155 عائلة إلى قرية “فتمي” شرقي المدينة في الثاني والعشرين من شهر نيسان 2018 ووفق سامي عبد الرحمن أيضاً فإنه جرى توطين أكثر من 120 ألف من أهالي الغوطة الشرقية منهم 62400 من القلمون و 9270 شخص من الأحياء الجنوبية لدمشق، وأيضا جرى توطين 34500 شخصاً من ريف حمص الشمالي وريف حماه الغربي في ناحية جنديرس.

وذكر عبد العزيز الشيخ (35 عاماً) وهو عربي من القلمون الشرقي أنه توجه إلى عفرين وحصل على شقة سكنية في شارع الفيلات وسط المدينة بدعم من الفصائل السورية المسلحة.

وأصدر المستوطنون القادمون من الغوطة الشرقية وريف دمشق بيانا حول بناء مشروع سكني (استيطاني) تحت اسم القرية الشامية في منطقة جبلية (تقع غرب بلدة مريمين – شرق مدينة عفرين.

واستنكر مركز “عدل” لحقوق الإنسان في 9 / تشرين الثاني 2018 البيان المذكور والنشاط الاستيطاني، ورأى أنه يندرج تحت سياسة التغيير الديمغرافي الذي بدأ بتهجير سكان عفرين الأصليين قسراً.

وأصدر20 شيخاً من شيوخ سلطة الحكومة التركية فتوى تسمح لجنود الغزاة الأتراك ومرتزقتهم (الجيش السوري الحر- الإخواني) سلب أهالي عفرين ممتلكاتهم وأراضيهم وبيوتهم. والسؤال الذي يطرح نفسه هو:

– إذا لم تكن هذه الأفعال والممارسات التركية في عفرين شكلاً من أشكال التطهير العرقي والتغيير الديمغرافي؟ فماذا تكون إذاً؟!.

وأدانت المستشارة الألمانية ما يجري في عفرين وقالت: ” ليس مقبولا ما يحدث في عفرين”. وطالبت ألمانيا تركيا بأن تلتزم بالقوانين الدولية التي تضمن حماية المدنيين.

الحلول والمقترحات لمواجهة التطهير العرقي والتغيير الديمغرافي التركي في عفرين وكري سبي وسري كانيه:

لا شك أنّ أشكال النضال والتنظيم قضية متحركة تتغيير حسب واقع القوى المتصارعة وحسب مدّ الحركة الوطنية وجزرها وحسب طبيعة العدو وحسب التوازنات المحلية والإقليمية والدولية، وبالمقابل فإنّ الدفاع عن عفرين وكري سبي ورأس العين مسألة وجودية بالنسبة للشعب الكردي ولعموم سوريا لأن طبيعة العدوان التركي مختلفة عن أشكال الاحتلالات الأخرى، فهو احتلال إجلائي واقتلاعي واحلالي في آن. وهو شكلٌ معقد من أشكال الاحتلال البغيض، لذا فالنضال السياسي أيّاً كان شكله لا يعطي المردود بالسرعة المطلوبة على عكس الكفاح المسلح الذي يعطي مردودا سريعا، ولهذا ترسخ في الوعي الجمعي الكردي أن الكفاح المسلح هو الأهم مع أن التجربة الفلسطينية وتجربة جنوب أفريقيا وغيرها أكدت أن النضال السياسي، والدبلوماسي، والثقافي، والعلمي يلعب دوراً مهماً وأساسياً في تعرية الاستعمار والاحتلال ويحقق نتائج طيبة أيضاً إذا أُحسن استخدامه.

لذا فإنّ جميع أشكال النضال العسكري والسياسي واجبةٌ وضروريةٌ لبلوغ الأهداف في تحريرعفرين وكري سبي وسري كانيه.

 1 – النضال على مستوى شعب عفرين:

– العمل على تنظيم شعب عفرين وسري كانيه وكري سبي، وترسيخ روح الثورة والرفض والتحدي في نفوس الناس وإبقاء جذوة النضال ضد الاحتلال التركي مشتعلة، وإعطاء المرآة الدور البارز في النضال وتنظيم وتدريب أكبر عدد من الشابات والشباب للعمل الميداني المنظم.

– دعم وتشجيع وإنشاء المؤسسات الوطنية، وإقامة دورات تثقيفية للمواطنين.

– تعزيز الوحدة الوطنية، والعمل على توحيد الصفوف خاصة بين الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني عن طريق:

– احترام كل الرؤى والأفكار والأساليب التي تنتهجها القوى الوطنية الكردية في مواجهة الاحتلال التركي.

– العمل على توطيد وتعميق العلاقة بين الأحزاب الكردية من خلال العمل المشترك.

– نبذ الفرقة والتشتت والابتعاد عن التخوين.

– دعم المشاريع الوطنية الصادقة لتوحيد الصف الكردي.

2 – النضال على مستوى كردستان:

أعتقد أنّ طرح شعار “تحرير آمد يمر من عفرين” في السنوات الماضية والتغني به كان شعارا ًعاطفياً يفتقد إلى الموضوعية والواقعية السياسية والاستراتيجية، وكان الأجدى أن يطرح شعار “تحرير شمال كردستان أولاً في هذه المرحلة بسبب مجموعة من العوامل الاستراتيجية أهمها:

– أنّ الصراع في شمال كردستان لا يقصد به وحده، ومن يرغب في القضاء على الوجود القومي الكردي ككل عليه أن يقضي على شمال كردستان، ومن يريد القضاء على الشعب الكردي كلّه عليه أن يقضي على الشعب الكردي في شمال كردستان، وبالمقابل فإن تحرير شمال كردستان من الاحتلال التركي يعني تحرير الأجزاء الأخرى بسبب توفر مجموعة من العوامل في هذا الجزء دون الأجزاء الأخرى فهو:

1- الجزء الأكبر من كردستان من الناحية البشرية والجغرافية (يضم 70% من سكان كردستان و50 % من مساحة كردستان).

2 – منطقة جيوبوليتيكية استراتيجية بين الشرق والغرب وساحة صراع كبرى عبر التاريخ (الصراع بين الفرس والروم – الصراع بين العرب المسلمين والفرس- الصراع بين العثمانيين والصفويين) وتم تقسيم كردستان بشكل نهائي انطلاقا من هذا الجزء في اتفاقية سايكس بيكو.

– منطقة ثروات كبرى ومنبع لنهري دجلة والفرات أكبر أنهار الشرق الأوسط.

 – منطقة عبور استثنائية للطاقة والبضائع بين الشرق الأوسط وأوربا.

وعلى هذا الأساس يجب تحويل القوى والإمكانات المادية والبشرية الكردية في الأجزاء الأربعة باتجاه شمال كردستان في الوقت الحاضر وفق إرادة كردية جماعية مشتركة، وليس وفق إرادة حزب واحد، علما بأنّ هزيمة أردوغان مصلحة كردية مشتركة.

النضال على مستوى القوى الإقليميّة والدولية:

لا شك أنّ تفعيل الدبلوماسية الكردية على جميع الأصعدة مسألة في غاية الأهمية وفق ما يلي:

– بناء الجسور مع شعوب الجوار والمجتمع الدولي والحكومات في الغرب.

– بناء علاقات صداقة وتعاون مع المنظمات الدولية، ومنظمات حقوق الإنسان الأهلية والعالمية في أوربا وأمريكا والبلاد العربية والدول الديمقراطية.

–  التواصل مع الجاليات الكردية، وتفعيل قدراتها في أوربا وأمريكا من أجل دعم صمود أهالي عفرين مادياً ومعنوياً.

المصادر :

  1. روبرت ميلسون الابادة الجماعية للارمن نيو جرسي 1968
  2. بدائع الزهور في وقائع الدهور هاروت ساسونيان الابادة الجماعية للارمن وثائق . لوس انجلوس1996
  3. المستشرق كارل بروكلمان كتاب تاريخ الامم الاسلامية
  4. احمد داود اوغلو العمق الاستراتيجي الطبعة العربية  – مركز الجزيرة 2010
  5. ابراهيم الداقوقي – اكراد تركيا – دار المدى للثقافة 2007
  6. اسماعيل بيشكجي  – كردستان مستعمرة دولية  الطبعة التركية – ترجمة زهير عبد الملك السويد1998
  7. تاريخ الدول والامارات الكوردية في العهد الاسلامي  – محمد امين ذكي ترحمة محمد علي عوني – مطبعة السعادة 1948
  8. تاريخ الكورد وكردستان –  محمد امين ذكي
  9. توماس بوا – تاريخ الاكراد ترجمة محمد تيسي ميرخان دار الفكر – دمشق 2001
  10. المشكلة الكردية في الشرق الاوسط –  مكتبة مدبولي مصر 1992
  11. عايد العلي سري الدين – المسالة الكوردية في السياسة الدولية – دار الافاق الجديد – بيروت 1999
  12. باسيل نيكتين – كردستان في عهد الدولة العثمانية  .
  13. سعدي عثمان – كردستان والامبراطورية العثمانية – 1514 – 1851 .
  14. د . ابراهيم خليل –  ايران  و تركيا .
  15.  لازاريف – المسألة الكردية .
  16. محسن متولي – كرد العراق – 1914 – 1958  .
  17.  ند . نوري طالباني –  مذكرات الجنرال شريف باشا  الى مؤتمر فرنسا ,
  18. كردستان على عتبة العصر – ميرداس – مرشد اليوسف – دمش لا شك ان معاناة الشعب الكردي في التاريخ الحديث  ازدادت بشكل واضح  خلال الصراع العثماني الصفوي خاصة بعد معركة جالديران  عام 1514 حيث جرى تقسيم كردستان  بين الدولتين العثمانية والايرانية الصفوية .
  19. جابر رزاق غازي –  سياسة النفي والتهجير  في الدولة العربية الإسلامية  – جامعة الكويت – 2005 –  صفحة 10 .
  20. المرجع السابق صفحة 10 .3 – حياة إبراهيم محمد – نبوخذ نصر الثاني   – صفحة 79 .
  21. هاري سكز – عظمة بابل  – ترجمة عامر سليمان إبراهيم  – صفحة 141  .
  22. وول ديورانت – قصة الحضارة  – ترجمة محمد بدران –  -زء 2- مجلد 1 – صفخة 273  .
  23. الدكتور عبد الوهاب المسيري –  التهجير الأشوري والبابلي للعبرانيين – موقع المسيري .
  24. سعيد سالم الحويلي  – نبوخذ نصر  مصدر سابق – صفحة 13  .
  25. القانون الدولي الجنائي – النظرية العامة – صفحة 60  .
زر الذهاب إلى الأعلى