إلى متى هذه الدوغمائية

 

تعتبر الأزمة السورية من أكثر الأزمات الدولية تعقيداً نتيجة للتدخلات الإقليمية والدولية ذات المصالح والأهداف المختلفة والمتضاربة في آن واحد “الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران” والتي من الصعب في الوقت الراهن إيجاد حل سياسي على الرغم من محاولات كثيرة جميعها باءت بالفشل ويدفع ضريبة ذلك الشعب السوري الذي تجاوز نسبة الفقر 90%.

ولا يمكن لأحد تجاهل الدور التخريبي لهذه الدول من احتلال وتدمير ونهب لثروات سوريا، إلا أن السبب الرئيسي والذي جعل هذه الدول تتمدد أكثر في سوريا هي دوغمائية النظام. فهذا النظام ما يزال يتمسك بسياسته الدوغمائية حتى بعد مرور أكثر من عقد من الزمن وتدمير البنى التحتية وتشريد الملايين من الشعب السوري داخل وخارج البلاد وارتفاع نسبة الفقر وانهيار الليرة السورية والتي وصلت إلى مستويات تاريخية 13000 ليرة مقابل الدولار الواحد بعد أن كانت قبل الأزمة بحدود 46 ليرة مقابل الدولار الواحد وما يزال مسلسل الانهيار مستمراً دون أي حراك من النظام لوقف هذا الانهيار أو حتى رفع الأجور فقد بلغ متوسط الراتب للموظف في مناطق النظام 10 دولار شهرياً  وهو أمرٌ يستحيل على العائلة أو أي شخص تحمله مهما حاول التقشف فهي لا تكفي حتى لتامين مادة الخبز.

هذه الدوغمائية هي التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليها اليوم، جعلته يتنازل عن كل ثروات الشعب السوري من نفط وغاز وفوسفات وأراض ومؤسسات وشركات لروسيا وإيران فقط من أجل الحفاظ على هيكلية نظامه المتهالك دون الالتفاف إلى شعبه الذي هو مصدر قوته, حيث كان في مقدور النظام الاعتماد على القوى المحلية لدحر المحتلين وإخراجهم من سوريا من منطلق دستور جديد يضمن حقوق كافة مكونات الشعب السوري. لم يكتف هذا النظام بتجاهله لقدرات وإمكانات الشعب السوري بل تجاهل القوى السورية الفاعلة في عملية الحوار، والإصرار على الحلول المطروحة من الخارج، على الرغم من إطلاق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا مبادرة وطنية لحل الأزمة السورية واستعدادها لمناقشة جميع وجهات النظر ومشاريع الحلول وترتيب كافة الإجراءات اللازمة لاحتضان الأطراف وإطلاق مباحثات الحوار والحل الوطني والعمل على إيجاد حل مشترك ينهي الأزمة ويضع حداً لمعاناة السوريين، وبناء وطنٍ جديد.

فهذا النظام يأبى الاعتراف بأي جهة معارضة حتى وإن كانت وطنية محلية كانت أم خارجية وليس لها ارتباطات خارجية، إن كان هذا النظام كما يدعي بأنه يعترف فقط بمعارضة محلية الصنع فلماذا يتفاوض مع الائتلاف السوري الذي ينفذ أجندة الاحتلال التركي في الشمال السوري المحتل “مؤتمرات استانا التي بلغت 20 مؤتمراً باستثناء اجتماعات اللجنة الدستورية” ولم يحققوا أي تقدم سوى تدمير سوريا من الداخل، في حين لا يلتفت إلى القوى الوطنية الفاعلة على الأرض السورية، فالمعارضة الجيدة لديها هي التي تقول السمع والطاعة من دون أي اعتراض أو نفذ ثم اعترض. وإن كان النظام على علم بطول أمد الحرب فلماذا لم يطلق حوار وطني يشمل جميع المكونات السورية وبرعاية عربية تتجنب فيها هذه الحرب أو على الأقل تخفف من معاناة الشعب السوري. إن دوغمائية النظام ترفض التعامل أو التفاوض مع أي قوة وطنية فاعلة على الأرض السورية كونها ترى أن التفاوض مع هذه الأطراف أشد خطراً عليها لما تحمله من أفكار ديمقراطية قد تؤثر على مكانة النظام داخلياً وتفقده امتيازاته التي حولت سوريا إلى مزرعة خاصة بهم.

وفي هذا السياق إن استمرار النظام في سياسته الدوغمائية ستجر سوريا إلى مرحلة لا يتمكن فيه المواطن من تامين قوت يومه وقد يصل به المطاف في البحث في حاويات القمامة “هناك عائلات تقتاد من حاويات القمامة وإن كانت نسبتهم قليلة ” لكن إن بقي الوضع كما هو واستمر انهيار الليرة السورية فإن هذه النسبة سترتفع طرداً مع مرور الوقت، مما قد ينذر بحصول مجاعة حقيقية. يبقى الحل الوحيد أمام النظام هو تخليه عن دوغمائيته والتحول نحو القوى الوطنية الفاعلة وإطلاق حوار وطني قائم على المبادرات الوطنية لحل الأزمة السورية أو على الأقل تجنيب الشعب السوري المزيد من المعاناة والسّنوات العجاف.

زر الذهاب إلى الأعلى