سرايا أنصار السُّنّة في سوريا الجذور والخطاب والارتباطات المحتمَلة

في هذا الملف نسلّط الضوء على تنظيم جديد برز على الساحة السورية، يحمل اسم “سرايا أنصار السُّنّة”، والذي تبنّى الكثير من العمليات؛ منها مجازر الساحل السوري، وتفجير كنيسة مار إلياس، ومجزرة أرزة في ريف حماة وغيرها، وسوف نتتبّع جذور هذا التنظيم وارتباطاته بالتنظيمات والكيانات والدول الإقليمية، وخطابه الأيديولوجي وتأثيره على المشهد السوري.
تكمن أهمية هذا الموضوع في أنّه يوضّح ويكشف مرحلة جديدة من الصراع في سوريا، والتي تتصدّر فيها الجماعات الإسلامية الراديكالية المشهد عبر تبنّيها الخطاب المتطرّف.
بعد سقوط النظام السوري وحالة الفوضى التي عمّت البلاد شهدت الساحة السورية بروز العديد من الفصائل والجماعات التي تحمل أيديولوجيات مختلفة؛ ومن أبرز تلك التنظيمات “سرايا أنصار السُّنّة” التي ظهرت بقوة في الساحة السورية من خلال تبنّي العمليات العسكرية والتفجيرات، ومن خلال المؤسسات الإعلامية التي تروّج لها.
فمَن هي جماعة سرايا أنصار السُّنّة؟
هي جماعة جهادية ظهرت بشكل علني إبان سقوط النظام البعثي، وبحسب الكثير من المصادر تعود جذورها أو تأسيسها إلى ما قبل سقوط النظام السوري، حيث كانت جزءًا من “هيئة تحرير الشام”، وساهمت في تجنيد خلايا داخل المناطق التي يسيطر عليها النظام. مع مرور الوقت، ظهرت خلافات أيديولوجية وسياسية بين الجماعة والهيئة؛ ونتيجة لذلك انشقّت “سرايا أنصار السنة” عن “هيئة تحرير الشام”.
علاقة هذا التنظيم مع النظام الجديد وداعش:
هذا التنظيم الذي انشقّ من “هيئة تحرير الشام” بسبب الخلافات الأيديولوجية، ورغم هذه الخلافات، إلّا أنّه لم يسجّل أيّ هجوم من قبل هذه الجماعة ضدّ الحكومة الانتقالية.
يقول حسام جزماتي أنّه بالإضافة لـ “البُعد الشرعي” الذي تنمّ عنه رسائل التنظيم فإنّ هنالك أيضاً “بُعداً سياسياً”. ويتابع “هم كفّروا الحكم الحالي، وكفّروا قواته العسكرية والأمنية، ورغم ذلك لم يعلنوا عن رغبتهم بقتالهم الآن، بل قالوا قاتلوا لونكم من الكفار، أي الأقرب إليكم” – مشيراً إلى أنّ الحركة لم تستثنِ الكُرد التابعين لقوات سوريا الديمقراطية من القتال.
وهذا يشبه الى حد كبير ما تقوم به الفصائل التابعة لدولة الاحتلال التركي، التي قدّمت الطاعة والولاء لحكومة الجولاني، وشاركت في قتل العلويين في الساحل السوري، وتكنّ العداء لقوات سويا الديمقراطية؛ مما يفتح باب التساؤلات عن ارتباط هذه الجماعة بأجندات إقليمية، وعن خلفيات هذه الجماعة.
كما أنّ ستيفن هوبز، وهو متخصّص في الاعلام الجهادي في “بي بي سي”، يرى “أنّ تركيز التنظيم تحديداً على العلويين والدروز قد يكون “استغلالاً لتخوّف السنة المتشددين السوريين تجاه هذه الأقليات”، ولا سيّما في ظل “هيمنة العلويين على مؤسسات السلطة في عهد الأسد، وما يُنظر إليه على أنّه تعاطف مع إسرائيل لدى الدروز” من خلال ما يذهب إليه السيد ستيفن هوبز فإنّ هذه الجماعة لا تقبل بأي مكوّن أو طائفة خارج السُّنّة؛ ويبدو ذلك جليّاً من خلال العمليات التي تبنّتها والمجازر التي أعلنت مسؤوليتها عنها، ولكن ما يثير التساؤل هو كيف يمكن لمثل هذه الجماعة التي لم يثبت لها وجود على الأرض أن تقوم بمثل هذه العمليات، إلّا إذا كانت هذه الجماعة عبارة عن خلايا منتشرة في سوريا وتقوم بتنفيذ عمليات متفرّقة أو قد تكون عبارة عن جماعة كان لديها تنظيم سابق ولديها تواصل معيّن حول العمليات؟
هذا التنظيم يحمل أفكاراً ويتبنّى أيدولوجية قريبة بل مطابقة تماماً لأيديولوجية داعش؛ يقول الكاتب (لؤي علي): “تشير منشورات الجماعة إلى تأثّرها بأفكار سيد قطب، كما تعبّر عن إعجاب علنيّ بأسامة بن لادن، مما يوضح التقارب الفكري مع تنظيم القاعدة سابقًا وداعش حاليًا، رغم عدم اعتراف داعش بها رسميًا”. كما أنّ خطابها الدعائي الطائفي المتطرّف، يشبه إلى حد كبير خطاب تنظيم داعش؛ ويظهر ذلك من خلال ذراعها الإعلامية “مؤسسة العاديات”، حيث يشمل خطابها التحريض ضدّ المسيحيين والعلويين، ورفض مفاهيم المواطنة والدستور، ومهاجمتها دول الخليج بلغة تكفيرية عدائية؛ حيث يقول الكاتب محمود مصطفى: “تتّسم العلاقة بين “سرايا أنصار السُّنّة” وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بالتعقيد، حيث تظهر الجماعة تعاطفًا فكريًا مع داعش، ولا تعارض العمل معه من الناحية الأيديولوجية، لكنّها تنفي انتماءها التنظيمي له. على الجانب الآخر، وبحسب بعض المصادر؛ فقد طلب أنصار داعش عبر الإنترنت من أتباعهم تجنّب “سرايا أنصار السُّنّة”.
التنظيم لم يتّخد موقفاً معادياً من داعش، بل لم يستبعد الانضمام إلى داعش في المستقبل، وإن جاز التعبير فإنّ هذا التنظيم في الوقت الراهن يُعَدّ رديفاً لتنظيم داعش، ويقوم بأعمال عوضاً عنه، وربّما يكون هذا التنظيم من صنيعة داعش أيضاً؛ بغية تشتيت الانتباه وصرف الأنظار عن داعش.
برزت في التاريخ السوري جماعات أخرى مرتبطة بتنظيم “داعش”؛ مثل “جيش خالد بن الوليد” في درعا، و”سرايا أنصار أبو بكر الصديق” في إدلب؛ ممّا يشير إلى تشابك وتداخلات بين الجماعات الجهادية في المنطقة والعديد من التنظيمات ذات الفكر السلفي الراديكالي التي كانت لها ارتباط بداعش، لكن جلّ هذه التنظيمات اختفت في ظروف غامضة دون وجود معلومات عن تشكيل هذه الجماعات أو كيفية اختفائها، وهذا ما يشابه طريقة تأسيس هذه الجماعة والغموض الذي يكتنف هذه الجماعة ويثير الشكوك حول علاقتها العميقة مع داعش وجبهة النصرة اللتين تتبعان نفس الايدولوجية الفكرية و الخطاب الديني؛ وربّما تكون هذه الجماعة هي الحبل السرّي الذي يربط بين داعش و المجموعات التي تحمل الفكر المتطرّف في هيئة تحرير الشام.
الأسماء المشابهة لهذا التنظيم:
توجد أسماء مشابهة ظهرت في الماضي مثل “كتيبة أنصار السُّنّة”، “لواء أسود السُّنّة”، و”كتيبة صقور السُّنّة”، التي نشطت في سوريا بين 2013 و2014 وكانت مرتبطة بالسلفيين الجهاديين.
أيضًا، هناك تنظيم سابق في العراق يحمل اسم “جماعة أنصار السُّنّة” بين 2003 و2007، لكن انفصل في 2007 وأصبح “أهل السُّنّة” ولكن لا توجد أية علاقة واضحة بين “سرايا أنصار السُّنّة وبينها لا تنظيميا ولا عسكرياً.
النشاط الإعلامي:
تمتلك الجماعة نشاطًا إعلاميًا مكثّفًا عبر عدة قنوات على تطبيق تلغرام، منها: قناة “مؤسسة العاديات” والقنوات الدعوية “المنهج والعقيدة”، “النور الدعوية”، وقناة “لبنان الآن” التي يُعتقد أنّها مقرّبة منها.
تُدار هذه القنوات من دول عدّة مثل ليبيا، بولندا، الإمارات، وتركيا؛ ممّا يشير إلى وجود شبكة دعم خارج سوريا
تمتلك الجماعة وسيلة إعلامية تُدعى “مؤسسة دابق نيوز”، التي تحمل اسم بلدة دابق الشهيرة في فكر داعش.
كما أنّ سياسة النشر لتنظيم سرايا أنصار السُّنّة مشابهة تماماً لسياسة نشر تنظيم داعش، من خلال تغيير المواقع والصفحات التي تنشر عليها موادها بشكل مستمرّ.
العمليات:
أعلنت “سرايا أنصار السُّنّة” مسؤوليتها عن تفجير كنيسة في دمشق في يونيو 2025، مُعلنةً أنّ العملية جاءت ردّاً على ما وصفتها بـ “الاستفزازات المسيحية للدعوة”. كشفت الجماعة عن هوية المنفّذ المزعومة، وهو شخص يُدعى “محمد زين العابدين أبو عثمان”.
سبقت ذلك عملية في فبراير في قرية “أرزة” بريف حماة، أسفرت عن مقتل عشرة أشخاص من الطائفة العلوية؛ وهو ما يؤكّد طبيعة الخطاب الطائفي الذي تعتمد عليه الجماعة في تحريضها وأعمالها.
هذا بالإضافة إلى مشاركتها في المجازر التي ارتُكبت في الساحل السوري.
قيادة التنظيم:
يقود هذه الجماعة “أبو عائشة الشامي”، طبعاً يُعَدُّ هذا الاسم وهمياً ويدل على أصوله السورية، ولكن لازالت المعلومات شحيحة حول قيادة هذا التنظيم، لكن اسما آخر بدأ يتردّد مؤخّرا، وهو “أبو فتح الشامي”، الذي يصف نفسه بأنّه أحد قادة الجماعة، والمسؤول عن القسم الشرعي فيها.
عدد المقاتلين
بسبب الغموض الذي يكتنف هذا التنظيم؛ لا توجد إحصائيات دقيقة حول عدد مقاتليه، خاصة أنّ الكثير من المختصّين يرون هذا التنظيم على أنّه تنظيم وهميّ يعمل فقط على وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن بحسب بعض التقديرات فإن أعداد مقاتلي هذا التنظيم لا يتجاوز مئة مقاتل.
وبحسب العمليات التي تبنّاها في مناطق متفرّقة من سوريا؛ فهم منتشرون ولا يوجد هناك مقارّ للتنظيم، وبحسب ما صرّح به عناصر التنظيم؛ فأنّهم يقومون بتنفيذ عمليات تحت اسم “الذئاب المنفردة”.
في النهاية يمكن القول أنّ جماعة أنصار السُّنّة حالة جديدة في المشهد السوري الجديد الذي يتصدّره الجهاديون؛ فهذا التنظيم يعمل على مسارين؛ المسار الأيديولوجي من خلال تبنّيها الفكر المتطرّف ومحاولة تنشيطه ونشره في المجتمع السوري. المسار العسكري الذي يتمثّل في القيام بعمليات محدودة، مع حفاظها على الغموض في التحرّكات وهيكليتها القيادية؛ وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على أنّ هذا التنظيم لازال في طور التكوين، ويعمل على جمع صفوفه لينطلق من النقطة الأضعف، والنقاط الضعيفة باتت كثيرة في سوريا؛ بسبب ممارسات السلطة الجديدة والتي – بحسب المعطيات – تعمل وفق أيديولوجية هذا التنظيم، والذي تبدو مشاركته في المجازر التي ارتُكبت في الساحل السوري وفي السويداء أمراً واضحاً، وذلك من خلال الخطاب المتطرّف الذي يحمله المهاجمون.
تبقى مراقبة نشاط الجماعة ومستقبل تحركاتها أمرًا مهمّاً لفهم ديناميكيات الصراع في سوريا، والتأثيرات التي قد تتركها هذه الجماعة على الاستقرار المحلّي والإقليمي.
المصادر
مقالة حسين جزماتي بعنوان “ما هي جماعة “سرايا أنصار السنة” التي تبنت تفجير كنيسة مار إلياس في دمشق؟” https://www.bbc.com/arabic/articles/c308v527n8jo
ستيفن همفريز، المتخصص في الإعلام الجهادي ل “بي بي سي”
https://www.bbc.com/arabic/articles/c308v527n8jo
مرصد الازهر
مرصد الأزهر: سرايا أنصار السنة بسوريا امتداد فكري لداعش
كتب محمود مصطفى أبو طالب بتاريخ7 يوليو 2025
https://www.masrawy.com/news/news_egypt/details/2025/7/7/2816669/