البطل حمو شرو باشا في ذمة التاريخ

نذير صالح

البطل حمو شرو باشا في ذمة التاريخ

حين حط العثمانيون الرحال بقيادة سليمان شاه القايوي في أراضي آسيا الصغرى قادمين من آسيا الوسطى من سلسلة جبال آلتاي شمال غرب الصين ومن صحراء منغوليا القائظة وقراقوم المترامية الأطراف من بلاد اللصوص والقتلة حسب التعبير الصيني وذلك على ظهور حمر عجاف وبراذين هزيلة وقاموا بنشر ثقافتهم القائمة على ثنائية الدم والنحر يبذرون الردى والموت الزؤام في كل مكان ومن كل حدب وصوب وذلك باعتمادهم تكتيكات أسلافهم المغول الوحشية وعلى اعتبارهم أقوام بدائية وفي أقصى درجات التخلف والهمجية بالإضافة إلى ميلهم الغريزي لسفك الدماء ونحر البشر وغرامهم بتدمير كل آثار الرقي والتقدم فهم لم يشاركوا في ساحات النشاط الإنساني والأخلاقي والمجتمعي كأسلافهم الغزاة من أمثال جدهم السفاح أتيلا وهولاكو صاحب غابة الرؤوس الهرمية  حيث طبق الأتراك نفس المعادلة بضرب وإبادة شعوب المنطقة أثناء الحرب العالمية الأولى 1914-1918م إذ قتلوا أكثر من نصف مليون من البلقان ونصف مليون يوناني وأكثر من 600000 من الأشقاء السريان – مجازر سيفو – أي جز الرقاب وقطع الأعناق بحد السيف بالإضافة إلى الإبادة النكراء بحق مليون ونصف من ا لأشقاء الأرمن أصحاب الحضارة التراكمية التي بناها أجدادهم منذ فجر التاريخ ، أما جرائم الإبادة بحق الكرد فهي قصة تاريخية لم تنته فصولها إلى اليوم ،وقد لاذ الكثير من الأرمن بالفرار من المجزرة الرهيبة واحتموا بحمى أسر كردية عريقة وخاصة من الكرد العلويين والإزيديين ومن تلك العائلات الكريمة عائلة المغوار حمو شرو باشا الشنكالي الذي استضاف حوالي 900 شخص من الأخوة الأرمن من الذين تمكنوا من الوصول إلى جبال شنكال وغدوا في حماه كأسد هصور فخف حمو شرو لنجدتهم، وأمر بعض رجالات عشيرته الأشداء ببناء مساكن لهم ومنحهم الأراضي الزراعية وبناء كنيسة لممارسة طقوسهم وشعائرهم الدينية وبذلك أحسن وفادتهم ولكن هذا الواجب ا لإنساني الذي تنطح له البطل حمو شرو باشا كلف عشيرته ثمنا باهظا في القرن العشرين من قتل وتدمير وتجريف للبساتين كونهم رفضوا وعلى نحو قاطع تسليم الأخوة الأرمن للجنود الأتراك الذين تعقبوهم إلى داخل جغرافية شنكال مثوى الصناديد ونبعة المروءة والنخوة التي تعاصت على معول الكاسر ؛ فمن يكون هذا الفارس المقدام الذي تمرد على التهديد والظلم والطغيان حقا انه ابن شنكال المخضبة بدماء الأحرار البطل حمو شرو باشا . ولد خالد الذكر حمو شر سليل سلالة عشيرة – الفقراء – شماريخ الجبال وصقور شنكال عام 1850 في قرية زفنكي من أعمال وسط شنكال، ووالده هو لوند بوزي كمال شامي الدناني ، ووالدته هي – بنفشا جندو- ، ومنذ نعومة أظفاره تدرب على ارتياد صهوات الخيل في مضمار السباق والفروسية ومنازلة الخصوم وبعد فترة زمنية انتقلت العائلة إلى قرية جداله واستمرت الأسرة هناك تمارس حياتها الطبيعية بزعامة زعيمها حمو شر باشا يقدم العون والمدد لكل من رق حبله من أبناء العشيرة كونها أسرة عريقة ورثوا الشجاعة والشهامة والنجدة كابرا عن كابر إذ تقلدوا رتبة باشا منذ أيام العثمانيين وإبان الاحتلال الإنكليزي للعراق وأصبح رئيسا لإدارة شنكال احتراما لشجاعته ورباطة جأشه وصده العنيف لكل من تسول له يده العبث بأمن المنطقة . وحاول الأتراك كسر شوكته وتقليم أظفاره والحط من مكانته السامية بين سائر العشائر العربية والكردية واقتصاصا من مواقفه النبيلة وحسن وفادته للأرمن فهاجمته تركيا على حين غرة بفوج من قواتها الإنكشارية الباغية بقيادة الفريق عمر وهبي باشا لكن الباشا حمو شرع قواته الباسلة تصدت للحملة وقاوم البطل حمو شر مقاومة منقطعة النظير رغم عدم التكافؤ في العدد والعدة بين الطرفين مما اضطر الفريق وهبي للانسحاب يجر خلفه ذيول الهزيمة المرة وهذا ما أغاظ الأتراك فأعدوا العدة ثانية انتقاما لفرارهم في المرة الأولى ، فانطلقت حملتهم الثانية بقيادة الفريق إبراهيم بك الكردي عام 1917 م لإلقاء القبض على جميع الأرمن الذين احتضنهم حمو شر باشا ورغم تهديدات الجنرال إبراهيم بك الكردي بتسليم الأرمن إلا أن حمو شرو أبى تسليم من هم بحوزته وحماه من الأخوة الأرمن وعلى نحو قاطع وقرر المقاومة مع أركان عشيرته حتى الموت أو النصر فدارت معارك حامية الوطيس بين الطرفين إلى أن لاذ الفريق إبراهيم بالفرار من أرض المعركة بعد أن خلف وراءه جثث القتلى من جنوده أمام صمود ومقاومة المقاتلين الكرد الإزيديين بقيادة زعيمهم البطل الأريحي حمو شرو باشا ،وتفيد المصادر العراقية الموثوقة أن الزعيم القبلي  الكردي الإيزيدي حمو شر باشا أنقذ مع مقاتلي عشيرته أكثر من20000 شخص مسيحي أرمني وآشوري خلال فترة الإبادة العرقية للأخوة المسيحيين حيث أخفاهم فترة في الكهوف والحواف الجبلية أثناء الهجوم العثماني البربري المحفوف بالمخاطر الجمة والجسيمة التي كانت تهدد حياة الأخوة المسيحيين وبهذه المقاومة وبهذا التكتيك تمكن الباشا حمو شر من الوفاء بعهده وقسمه الذي جاء فيه : قسما بشرفي وشرف إيزيد خان لن أسلم مسيحيا واحدا للعثمانيين الأشرار ما دام في جسدي قطرة دم واحده لذا يعد الباشا حمو شر من مشاهير الكرد وعلى امتداد جغرافية كردستان لما  قدمه من تضحيات جسام ومن خدمات جليلة للكرد ولضحايا الإبادة في قرن المجازر الآثمة انطلاقا من معقله بشنكال قلعة الصمود والمقاومة ،وأخيرا وبعد أسفار خالدة من البطولات والوقائع المأثورة فارق البطل الحياة وانتقل إلى جوار ربه حيث دفن الفارس في قرية – كرسى-  حيث احتضنه جبل شنكال الأشم إلى جوار مزار شيبل قاسم حيث توفي بسكتة قلبية عام 1933 م وهو في الثالثة والثمانين من عمره الحافل الزاهي بالخير والسؤدد تاركا خلفه أشباله : درويش – وبركات – وخديده – وسيدو – وإسماعيل – وجندو – وعيدو – . إن الباشا حمو شر كان بحق وحقيقة قائدا جبارا يمتاز بالإشراق وصحوة الضمير وبنوازعه الإنسانية وتسامحه الديني إذ سمح للكرد المسلمين بالآذان عند كل صلاة بعد أن كان ممنوعا وكما أسلفنا فقد سمح للأخوة الأرمن والسريان والكلدان والآشوريين بفتح مدارسهم وكنائسهم وعلى نفقته ومن حر ماله ومن تلك العائلات المسيحية في شنكال والتي نزحت فيما بعد إلى مدينة الحسكة عائلة – الياس مرشو – التي لازالت تحيا وتعيش في المدينة ونذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الأستاذ المرحوم – فكتور مرشو- مدرس الأدب الإنكليزي في ثانوية أبي ذر الغفاري وقد سار أولاده على نهجه القويم في الدفاع عن كل مظلوم استغاث بهم وخاصة حفيده خلف علي جندو  الذي نازل الدواعش شر منازلة في شنكال الدماء والدموع السواجم .

نذير صالح

قامشلو: 2023.04.10م.

زر الذهاب إلى الأعلى