الاحتلال الفرنسي لإقليم الجزيرة ومؤتمر طوبز عام 1937

نذير صالح خلف

بعد اتفاقية سايكس-بيكو سيئة الصّيت والسّمعة عام 1916 والتي نصّت بصورة سريّة على اقتسام منطقة الهلال الخصيب بين وحوش الاستعمار الأوربي، فكانت سوريا إلى جانب لبنان وتونس و الجزائر من حصّة الاستعمار الفرنسي حيث زحف الجيش الفرنسي من ميناء طولون على المتوسّط ووصل إلى سواحل لبنان ثم تلا ذلك إنذار غورو الذي يقضي باستسلام الجيش السوري فتم رفض ذلك من قبل وزير الحربية العميد يوسف العظمة الذي خفّ إلى ميسلون لملاقاة الهجوم الفرنسي الغاشم ودارت رحى المعركة بين الطرفين رغم عدم وجود أي تكافؤ بين الجيش السوري التقليدي و المزوّد بمدافع وبنادق بسيطة وبين الجيش الفرنسي المدجج  بالطيران والمدفعية حيث استشهد وزير الحربية في 24تموز 1920واقتحمت المدرعات أسوار دمشق من كل حدب وصوب بغطاءٍ وقصف جويّ فاحتلت فرنسا سائر المدن السورية ومنها بلدة عامودا في حزيران 1924، وتمَّ تحويلها إلى ناحية تتبعها (160) قرية مرتبطة بقضاء قامشلو فدارت المعارك والثورات على امتداد الجغرافية السورية ضد قوات الاحتلال ومن هذه المعارك “طوشا عامودي ” أي انتفاضة عامودا في حزيران عام 1937م بعد أن مرّت علاقات كرد سوريا بسلطة الانتداب الفرنسي بمنعطفات خطيرة وخاصة بعد أن تنكرت فرنسا كبريطانيا العظمى للوعود التي قطعتها للزعماء الكرد في إدارة ذاتية نزولاً عند رغبة الكرد والمسيحين وتتوّجت التوترات بنشوب معركة بياندور في تموز 1923على مسافة 17كم شرق قامشلو والتي قتل فيها (3ثلاثة ضباط فرنسيين) وقرابة “41”عسكريا فرنسياً من أصولٍ مغربية و سورية وانتهت بإعدام الوطني الشهم محمد عباس آغا من قرية دوكر، ثم (انتفاضة عامودا عام 1937م) بقيادة المرحوم سعيد آغا الدقوري فتمَّ قصف عامودا براً و جواً واستشهد أكثر من “150” مواطناً، وبعد أن صعبَ وتغدَّر رحيل القوات الفرنسية قامت نشاطات سياسية تعبيراً عن  رفض بقاء قوات الاحتلال والمطالبة بالاستقلال والحرية وخاصةً بعد الفتن العنصرية والطائفية التي حاكتها فرنسا بين المكونات الأساسية من كرد وعرب ومسيحيين فعقد رداً على ذلك مؤتمر طوبز (قرية) في 9آب 1937م، حيث أكد زعماء ووجهاء الكرد والعرب والمسحيين على التآخي وإدانة الخلافات الهامشية وتمخض عن ذلك تحالف كردي –مسيحي وتم طرح مبادئ وبنود عديدة منها المطالبة بالاستقلال الذاتي والإلحاح على خصوصية الجزيرة الكردية والعربية والمسيحية  ثم المطالبة والتأكيد على وأد الفتن من قبل فرنسا بين المكونات الثلاثة ورفض مبدأ المستعمرين ( فرّق تسُد) وفعلاً تكللت الجهود بالنجاح في إقليم الجزيرة السورية إلى أن حصل الاستقلال 17نيسان 1946م.

والشيء بالشيء يذكر فالإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا تترجم عمليا بنود ذلك المؤتمر من خلال احترام جميع المكونات المنطقة، وتقف على مسافةٍ واحدةٍ من الجميع، وكل هذا يعزز الانتماء إلى الهوية الوطنية السورية وتخدم ازدهار وتقدم البلد بعد أن عانى البلاد من مشاريع عنصرية من قبل الحكومات المتعاقبة، هذه المشاريع أضعفت الشعور بالانتماء الوطني، وما تعانيه سوريا اليوم ما هي إلا نتيجة طبيعة لتلك الذهنية الإقصائية، وهذا ما حال دون دخول البلاد سياقها الطبيعي منذ عشرينات القرن الماضي.

زر الذهاب إلى الأعلى