التعددية في فكر وسياسة السلطان الكردي  صلاح الدين الأيوبي

د . مرشد اليوسف

” القائد صلاح الدين الأيوبي عالج واقعا  يكاد يكون مطابقا لواقعنا الحالي في الإدارة الذاتية ” .

المقدمة  :

التنوع العرقي والديني والإجتماعي بما يفرضه من إختلافات في الرؤى والمواقف والسلوك من أبرز  سمات المجتمع البشري ,  فعندما جاء السلطان صلاح الدين الى مصر في خضم الصراع بين المسلمين والصليبيين كانت بنية جيشه تتألف من الكرد والعرب والترك وغيرهم  وهذا كان ناتجا عن  التركيبة السكانية التي  كانت سائدة على أرض مصر وبلاد الشام و كانت تضم الكرد والعرب والأتراك والسريان والأقباط والأرمن …الخ .

وازدادت أهمية الكرد بعد أن صاروا يمثلون أغلبية جيش صلاح الدين وقادته , وتقدم المصادر التاريخية في العصر الأيوبي مادة ثرية في دراسة العنصر الكردي ( 1 ) ..

ولعب العرب دورا مهما أيضا في الدفاع عن بلاد الشام ضد هجمات الصليبيين , وكان في الجيش الأيوبي عشائر عربية تحالفت مع السلطان صلاح الدين لمحاربة الإفرنج  , وكانت لقبائل طي بشكل خاص دورا في تلك الحروب , وكافأهم السلطان وأعطاهم مساحات واسعة من أراضي منطقة الجوف ( حاليا تقع افي السعودية  ) .

ولعب العنصرالتركي والتركماني دورا عسكريا مهما في جيوش السلطان  صلاح الدين  .

وأعطى السلطان صلاح الدين إهتماما خاصا بالمذاهب الإسلامية وخاصة الشافعية والحنفية  , وكانت المدارس موزعة على المذاهب الإسلامية الأربعة  .

التعددية في سياسة السلطان صلاح الدين الأيوبي :

تظهرالتعددية في  سياسة السلطان صلاح الدين بصورة جلية وواضحة  في وقوفه على مسافة واحدة تجاه المكونات  من خلال  نص رسالة بعث فيها الى الملك العادل في سنة 1190 م ( بقلم القاضي الفاضل ) رفض فيها التعصب المذهبي والديني ودعى الى ما يمكن تسميتها اليوم بالديمقراطية في دعوة صريحة بتقبل رؤية  كافة  الإتجاهات المختلفة  .

وتتجلى  سياسته أكثر في علاقته مع تلك المكونات  :

علاقته مع الأقباط في مصر :

أشار الكثير من المؤرخين الى  دور الأقباط وأوضاعهم في عهد صلاح الدين بأنه  كان فعالا خاصة بسبب خبرتهم في إدارة الدواوين وشؤون البلاد .

وعمل أهل الذمة في دواوين الحكومة الأيوبية على نطاق واسع ,  فذكر الرحالة الأندلوسي إبن سعيد الذي زار مصر عام 140 هجرية  أن أكثر ما يتعيش به اليهود والنصارى هو  من كتابة الخراج ( 2 ) .

وكان عدد الأقباط كبيرا  في دواوين الحكومة وفروع الإدارة المالية في الأقاليم  ( 3 ) .

علاقته مع اليهود في فلسطين :

عندما زار الرحالة اليهودي بنيامين التطيلي بلاد الشام وفلسطين  عام 1170 م سجل أن عدد اليهود في مدن فلسطين كان ضئيلا جدا في ظل الوجود الصليبي فهو لم يتعدى الألفين .

ونتيجة العمل في تجارة الشرق في ظل تسامح السلطان صلاح الدين كون الكثيرون من تجار اليهود ثروات طائلة  .

وقرب صلاح الدين طبقات الأطباء من اليهود  مثل الطبيب أبو البيان ابن المدور الملقب بالسديد والطبيب موفق ابن شوعة وابن ميمون الطبيب الخاص للسلطان صلاح الدين .

واستمرت هجرة العلماء اليهود الى فلسطين طوال عهد السلطان صلاح الدين واسرته من بعده , وسمح لهم السلطان بحرية العمل والعبادة .

يقول الرحالة اليهودي بنيامين التطيلي حول التعايش في عصر السلطان صلاح الدين الأيوبي :

 ”  يمكن القول بأنه كان للتعايش الذي شهدته مدينة القاهرة زمن الأيوبيين أثرا واضحا على مختلف طوائف التجار في الإطمئنان على أموالهم “.( 4 )

علاقته مع مسيحيي المشرق :

عندما دخل السلطان صلاح الدين بيت المقدس سنة 1187 بعد التحرير مباشرة  كان يرافقه الكاهن الأرثوذكسي يوسف بابيط الذي عمل مستشارا له  , وعمل صلاح الدين على عودة المسيحيين من سكان القدس والمشرق  الى بيوتهم بعد تحرير بيت المقدس , وتمتع المسيحيون في بلاد الشام بكامل حقوقهم الثقافية والدينية ولم يتعرضوا  لأي تفرقة أو إضهاد أو خطر حقيقي على وجودهم في ظل حكم السلطان صلاح الدين  , لذلك فإن الكنيسة الأرثوذكسية وسائر الطوائف الشرقية  قد رحبت بتحرير السلطان صلاح الدين للقدس وكانت لهم دوافعهم وأسبابهم  الحقيقية  في ذلك  فقد جربوا التسامح الديني للسلطان صلاح الدين والدولة الأيوبية وهذا كله دعى الإمبراطور البيزنطي اندرو ميكوس للسعي وراء تحالف يربطه بالسلطان صلاح الدين ضد الصليبيين , كما أن ابن الميقاط الملقب بالشيخ أبي الفتوح الذي كان كاتب جيوش الملك العادل وكان يرافقه في السفر بين الشام ومصر , وكان يقوم مع حاشيته المسيحية بممارسة طقوس عباادته في الطرق بكل حرية, وقد اصطحب معه القص داهودبن يوحنا بن لقلق ليصلي بهم ( 5 ) .

علاقته مع الأرمن :

واستعاد الأرمن موقعهم المفضل  في ظل حكم السلطان صلاح الدين واعفوا من الجزية وتم تخفيض الضرائب المفروضة على التجار والحجاج الأرمن  وتأكد حقوق الأرمن في عهد صلاح الدين  من خلال مرسوم خاص .

علاقته مع الطائفة الدرزية :

لعبت الطائفة الدرزية دورا هاما في تشكيل تاريخ بلاد الشام  واستمرت في لعب دور سياسي وعسكري في عصر صلاح الدين  كأقلية عرقية ودينية  .

وأقر السلطان صلاح الدين للموحدين الدروز بمكانتهم كأمراء حرب على جبل لبنان وقام ببناء مقام النبي شعيب  المطل على بحيرة طبريا  بما له من قدسية عند الموحدين الدروز  وهو أقدم موقع ديني عندهم .

وكان في مصر عام 1208 أكثر من ثلاثة آلاف تاجر أوربي , وتمتع هؤلاء بالعديد من الإمتيازات  .

وهكذا تمكن السلطان صلاح الدين  من تحويل  جميع المكونات في دولته  الى عناصر فاعلة الأمر الذي أعطى لنظامه السياسي والعسكري  قوة وحيوية مميزة  .

كما أن التعايش والتسامح الذي شهده عهد السلطان صلاح الدين الأيوبي وعدم وجود فصل بين الدولة والمجتمع  هيئ المناخ المناسب لإنتصاراته في معركة حطين وتحرير القدس .

وفي محاولة لتقييم لدور صلاح الدين تقييما متحررا من التحيز يمكن تحليل رأي خصم رئيسي له ولعصره وهو المؤرخ الصليبي وليم الصوري الذي قال :

” صلاح الدين رجل حكيم الرأي بطل في الحرب وكريم فوق حد الكرم  ” ( 6 ) .

ومن مظاهر التعددية بين عناصر المجتمع في عصر صلاح الدين :

1 – ضم المجتمع في بلاد الشام عناصر متعددة مؤثرة مثل العرب والكرد والترك والسريان …الخ كما حوى من الناحية المذهبية طوائف دينية مختلفة  مثل الشيعة والسنة والمسيحيين الموارنة والأرمن وأقليات أخرى .

2 – يمكن إعتبارالمؤرخ  ابن الأثير الذي نشأ نشاة علمية أرستقراتية إقطاعية في كنف البيت الزنكي مصدر ثقة فيما يتعلق بالأحداث التاريخية الرئيسية سواء ما كان منها وثيق الصلة بصلاح الدين فهو يعكس من خلال الروايات كيف كان صلاح الدين يكافح روح العداء والبغضاءوالتفرقة الدينية والمذهبية والعنصرية  في بناء صرح قوته السياسية والعسكرية  .

3 – من خلال رواية المؤرخ أبي صالح الأرمني  يمكن معرفة أوضاع الأرمن والحرية التي كانوا يتمتعون بها  خلال حكم صلاح الدين  .

4 – جذبت سياسة التسامح التي سار عليه صلاح الدين في معاملة معارضي السلطان نور الدين من الشيعة  في قبول الناس الإنتقال تدريجيا من المذهب الشيعي الى المذهب السني وانعكس ذلك في كتابات مؤرخيهم مثل ابن أبي طيئ .

5 – سيطرة المذهب الشافعي والحنفي على الحياة العلمية الدينdة لم تمنع تطور مذهبي المالكي والحنبلي  .

6 – ارتكز حكم صلاح الدين على المسلمين واٌلأقباط في مصر بعد ارتكاز حكم السلطان  .

7   – أعطى السلطان صلاح الدين  الحرية للناس من جميع الأديان.

 

المصادر :

أورد الأصبهاني أسماء بعض القبائل الكردية في هذه المرحلة مثل القبيلة الحميدية والهكارية والزرزارية والمهرانية والتي شكلت عماد الجيوش الأيوبية .

  1. ابن سعد -أبو الحسن علي بن موسى 685 ه- النجوم الزاهرة صفحة 28 .
  2. على سبي المثال : الأسعد بن صماتي , كان من أصل قبطي صفحة 95 – 96 .
  3. على سبيل المثال – يحيى ابن سليمان الحريزي – الشاعر والمترجم الأندلوسي  صفحة
  4. ابن العميد – أخبار الأيوبيين – صفحة 6
  5. وليم الصوري  ج4 – صفحة 184 – 185 .
  6. محمد أحمد بن ياسي – الزهور في  وقائع الدهور – ح1 – ص242
  7. أحمد مختار العبادي  – التاريخ الأيوبي  والمملوكي ص45
زر الذهاب إلى الأعلى