اليوم العالمي للمرأة إرث نضالي ممتد من احتجاجات عاملات معامل النسيج
التاريخ النسوي العالمي غني جداً بإنجازات المرأة التي تحققت بعد مقاومة كبيرة ففي كل مرة تدفع المرأة ثمناً باهظاً لترسيخ إنجازاتها الحضارية وقد وصلت إلى حد فقدان العديد من النساء لحياتهن في سبيل قول كفى ظلماً كفى تمييزاً ومن إنجازات المرأة اللافتة للنظر خلال المئة عام الأخيرة هو تحديد العديد من المناسبات الدولية الرسمية لها في إطار لفت النظر إلى قضية المرأة وإنجازاتها في الحياة منها على سبيل المثال اليوم العالمي للمرأة في الثامن من آذار وهو يوم دولي للاحتفال بالمرأة عالمياً للدلالة على الاحترام العام لها ولرفع الوعي المجتمعي بقضاياها بكل أصقاع الأرض تقديراً لإنجازاتها الاجتماعية ، الاقتصادية ، السياسية وقد تم تحديد هذا التاريخ نظراً إلى رمزية هذا اليوم من الناحية التاريخية للمرأة فهو التاريخ الذي قامت به إضرابات عاملات في معامل النسيج في نيويورك على مراحل خلال الأعوام 1820 و 1834و1857 اللواتي طالبن آنذاك بظروف إنسانية في العمل وطالبن بمساواة الأجر بين الرجل والمرأة ومن ناحية أخرى تقليل ساعات العمل إلا أنه تم قمع هذه الاضرابات عدة مرات، حيث كانت تتدخل الأجهزة الأمنية وتفض التجمعات النسوية هذه الاحتجاجات التي تعتبر الأولى من نوعها من حيث طبيعة الاستمرار بين الحين والآخر وفي كل مرة كانت تزيد مشاركة النساء فيها وتتوسع مجتمعياً بعد خروج عاملات النسيج لأول مرة الى الساحات في عام 1820 في مدينة نيو إنغلاند بولاية ماساتشوس احتجاجاً على صعوبة ظروف عملهن .
هذه المرأة لم التي لم يكن يعلمن بإنهن سيصبحن الشرارة الأولى لمظاهرات نسوية مستمرة بين الحين والآخر بفترات زمنية متقاربة أحياناً ومتباعدة أحياناً أخرى للمطالبة بحقوق المرأة العاملة داخل معامل القطن والنسيج المنتشرة في أرجاء الولايات المتحدة الأمريكية والتي كانت تقوم بتشغيل النساء لوقت طويل مقابل أجر زهيد يقل عن ذاك الذي تمنحه للرجال بكثير. في بداية إضراب العاملات لاقت هذه المظاهرات الاستخفاف من قبل عامة الشعب كونها من قبل المرأة العاملة الفقيرة إلا أن شرارة المطالبة بالمساواة في البلاد لم تتوقف قط بعد تلك الاحتجاجات لإنها شكلت البذور الأولى لتحرر المرأة في أمريكيا. هذه الاضرابات المتواصلة لفتت أنظار العالم ولاقت دعماً داخليا وخارجيا، لتبدأ بعدها مشاركة العديد من النساء اللواتي يبحثن عن الحرية والمساواة مشهد اضراب عاملات معامل النسيج بين الحين والأخر كان يقابله دوما القمع من قبل الأجهزة الأمنية بهدف فضها وكانت تنجح بذلك بكل مرة ولكن هذه الأجهزة لم تستطع الصمود أمام إرادة المرأة بعد مرور وقت ففي عام 1856 نزلت العاملات الى الساحات للأضراب ما يقارب 15 ألف إمرأة بمدينة نيويورك الأمريكية اللائي خرجن نتيجة ظروف عملهن الصعبة والمزرية وقلة الآجر الممنوح لهن وعدم مساواة الاجر المادي بين المرأة والرجل إضافة إلى ساعات العمل الطويلة واستمرت لثلاث أسابيع مما دفع وأجبر المسؤولين السياسيين في البلاد إلى التطرق لمشكلة المرأة العاملة وتم بعد ذلك تشكيل أول نقابة نسوية في نيويورك بعد عامين من هذه الإضرابات وكانت هذه النقابة تتبنى مواقف الحركات النسوية وجلعت من الدفاع عن حقوق المرأة العاملة أحد أهم أهدافها ومع مرور الزمن في عام 1908 شهدت نيويورك مظاهرات نسائية جديدة من قبل عاملات النسيج تحت شعار (خبز وورود ) طالبن فيها بتخفيض ساعات عمل ووقف تشغيل الأطفال ومنح النساء حق الاقتراع رافعين بذلك سقف مطاليبهم أنذاك بعدما كانت مقتصرة بظروف عمل جيدة واجر مناسب خلال هذه الفترة كانت الحركات النسوية قد نشطت داخل البلاد ودعمت بزخم كبير هذه الاحتجاجات ولعبت نقابة العاملات دورها في مساندة الاضرابات من الناحية السياسية والمادية وأخرجت النسوة المضربات من السجون لتتشكل مع احتجاجات الخبز والورود حركات نسوية متحمسة تضم نساء من كافة شرائح وطبقات المجتمع وتنتشر الى خارج البلاد لتلقى اعجاباً من قبل الناشطات النسوية وتصبح العاملات رمزاً عالمياً لنضال المرأة بتلك الحقبة فخلال مؤتمر كوبنهاغن في الدنمارك عام 1910م وبحضور مئة امرأة من 17 دولة اقترحت كلارا زيتكن الناشطة النسوية الألمانية ان يتم تخليد مناسبة يوم عالمي للمرأة لمساندة ودعم أقوى حراك نسوي آنذاك وهن عاملات النسيج في نيويورك ولاقى هذا المقترح إعجاباً للحاضرات وتمت الموافقة عليه بأغلبية بعد هذا المؤتمر أصبحت عدة دول تحتفل بيوم لمرأة مثل : ألمانيا ، سويسرا ، النمسا ، الدنمارك لتمر العديد من السنوات على ذلك وتوسع تبني مفهوم هذا اليوم لدى العديد من الدول والحكومات حتى عام 1977 حيث تبنت الأمم المتحدة هذا اليوم كيوم عالمي للمرأة حيث صدر قرار أممي يدعو إلى عطلة رسمية لاحتفال بالمرأة عالمياً وتم توافق بين الأغلبية على اختيار يوم الثامن من آذار من كل عام لذا منذ ذلك العام تحول هذا التاريخ إلى يوم دولي للمرأة ويحتفل به بأشكال وطرق مختلفة حسب المجتمعات والحكومات والأنظمة للدلالة منهم على الاحترام العام للمرأة وانجازاتها في كافة مجالات الحياة فمثلاً تحصل النساء يومها على إجازة مدفوعة الأجر خاصة في الدول ذات الصناعات الكبيرة التي تتطلب العمل بشكل مستمر ويومي وهناك مجتمعات تقيم مهرجات وأخرى تقيم فعاليات خاصة بهذا اليوم عن طريق إعطاء محاضرات عن المرأة وأهمية دورها ضمن المجتمع وسرد أفلام وثائقية عن أبرز الشخصيات النسوية عبر التاريخ والمحاضرات تتضمن سرد تاريخي عن سلسلة اضرابات عاملات النسيج اللواتي كن الشرارة الأولى لهذه الانتفاضة التي أصبحت اليوم ميراث لكل نساء العالم ونحن كنساء في شمال وشرق سوريا كوننا نمتلك إرثاً تاريخياً لمقاومة المرأة التي حققت إنجازات كبيرة على أرض الواقع ورسخت ثورة نسوية متكاملة في جميع مجالات الحياة مستندة إلى فكر المفكر عبدالله أوجلان الذي قال بخصوص ثورة المرأة بأنها أم الثورات وله شعار( المرأة ، الحياة ، الحرية ) في كل عام تحتفل المرأة في الشمال وشرق سوريا كسائر نساء العالم بالثامن من أذار كيوم خاص بالمرأة وتضع سلسلة فعاليات خاصة بهذا اليوم من محاضرات وحملات إعلانية لتوعية المجتمع بأهمية دور المرأة في الحياة والجهة المسؤولة عن تنظيم سلسلة هذه الفعاليات هي جهة نسوية تسمى منصة الفعاليات المشتركة للحركات والتنظيمات النسائية على مستوى الشمال وشرق سوريا وتضم هذه المنصة كافة الجهات النسوية من الحركات والمؤسسات والمراكز وشخصيات مستقلة وأحزاب سياسية وفيها نساء من كافة مكونات المنطقة من كرد وعرب وسريان وشركس وهذا العام تم الإعلان عن حملة اليوم العالمي للمرأة تحت شعار (المرأة ، الحياة ، الحرية) نحو ثورة المرأة ولكن هذا العام مختلف عن الأعوام السابقة حيث الغيت جميع مظاهر الاحتفالات في مناطق الشمال وشرق سوريا حداداً على أرواح ضحايا الزلزال في كل من سوريا وتركيا واقتصر البرنامج العام على محاضرات وبعض اشكال الحملات الاعلانية التوعية للمجتمع وتنظيم عدد من المسيرات الجماهيرية الداعمة لنضال المرأة.