سوريا: انحسار المشروع الإخواني أمام المشروع الديمقراطي

تركيا التي ما تزال تصرح وتهدد باجتياح مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، تحاول بكل السبل أخذ الضوء الأخضر من الولايات المتحدة لاحتلال المنطقة وضمها إلى مناطق درع الفرات ومن ثم القيام بتغييرات ديموغرافية فيها وهدم نسيجها الاجتماعي الذي عملت عليه الإدارة الذاتية طيلة سنوات الأزمة السورية، وضرب المشروع الديمقراطي في المنطقة.

تركيا كانت تسعى من خلال دعمها بما يسمى بالمعارضة “الائتلاف” خلال السنوات الأولى من الأزمة السورية إسقاط النظام والسيطرة على سوريا وإنشاء دولة إخوانية من خلالها يمكن التمدد نحو دول أخرى، وخاصة الدول الخليجية ومصر والأردن. إلا أن تلك المساعي فشلت بسبب قيام مشروع ديمقراطي في شمال وشرق سوريا فوضعت كل ثقلها السياسي والعسكري وكل أهدافها لمواجهة هذا المشروع، فتنازلت عن كثير من نفوذها ” مناطق سيطرة ما يسمى بالمعارضة” لصالح الروس والنظام وبذلك تقلصت مساحة مرتزقتها في سوريا إلى 10% وبدأت تركيا توجه أنظارها نحو مناطق شمال وشرق سوريا لتنفيذ مخططها “الميثاق الملّي” في سوريا والعراق بعد احتلالها لعفرين. حيث تشكل هذه المنطقة بمشروعها الديمقراطي ونسيجها الاجتماعي المنسجم خطراً على سياسة أردوغان العنصرية وأهدافه في نشر الفكر الإخواني في المنطقة لذا فهو يتذرع بأن المنطقة وقوتها العسكرية “قوات سوريا الديمقراطية” التي هزمت تنظيم داعش الإرهابي خطر عليه، وإيهام المجتمع الدولي بذريعة بأن تلك المنطقة تشكل تهديداً على أمنها القومي، وبما أن المجتمع الدولي يدرك الأهداف الحقيقة لأردوغان وأكاذيبه لذلك لجأ أردوغان إلى الضغط على الاتحاد الأوروبي من خلال ورقة المهجرين إما بفتح أبواب الهجرة نحو الدول الأوروبية أو من خلال إجبارهم بدفع الأموال لقاء تواجد هؤلاء على الأراضي التركية، وسيعمل على إعادة هؤلاء المهجرين وتوطينهم في مناطق شمال وشرق سوريا وبتكلفة تقدر بنحو 27مليار دولار وبذلك ستزيل تركيا مخاوف الأوروبيين من المهجرين نحوهم. كما ويعمل أردوغان إلى استفزاز الولايات المتحدة للضغط عليها من خلال تنامي علاقاتها مع روسيا وصفقة اس400 الروسية، او من خلال إغراء الولايات المتحدة برغبة تركيا بشراء منظومة باتريوت الأمريكية، كل ذلك من أجل حصول أردوغان على الضوء الأخضر الأمريكي لاحتلال شمال وشرق سوريا، أو على الأقل الحصول على مزايا من خلال الآلية الأمنية في شمال وشرق سوريا. كما وعمل أردوغان من خلال آستانا وسوتشي على منع مكونات شمال وشرق سوريا من المشاركة في لجنة صياغة الدستور من خلال الضغط على روسيا وإصراها على عدم إشراكهم في اللجنة الدستورية والمكونة من “50شخصية من النظام،50 شخصية من ما يسمى بالهيئة التفاوضية المعارضة،50شخصية تحددها الأمم المتحدة”. إن المعرفة المسبقة بفشل عمل اللجنة وصعوبة الوصول إلى دستور يضمن حقوق الطوائف والأقليات في سوريا يكمن في عدم إشراك مكونات شمال وشرق سوريا وتمثيلها السياسي مجلس سوريا الديمقراطي “مسد” في اللجنة الدستورية من جهة ومن جهة أخرى اختلاف الرؤى في شكل الدستور نتيجة ارتباط تلك الشخصيات بالأجندة الخارجية كتركيا وروسيا وإيران، ورغبة هذه الدول في إطالة الأزمة السورية بالإضافة إلى صعوبة حصول الإجماع على قرار أو الحصول على موافقة 75% من الاعضاء أي 113 عضواً من أصل 150 عضواً في اللجنة.

أي هجوم يشنُّهُ أردوغان على شمال وشرق سوريا قد لا يأتي من نجاح أردوغان بحصوله على الضوء الأخضر الأمريكي ولا حتى الروسي إنما يأتي بسبب وضع أردوغان المتأزم في الداخل التركي نتيجة فقدانه لأهم البلديات في تركيا “إسطنبول وأنقرة” واستقالة أبرز الشخصيات من حزبه ” أحمد داؤود أوغلو وعبد الله غول وعلي بابا جان” ورغبة هؤلاء بتشكيل حزب جديد واستمرار سلسلة الاستقالات من حزبه والتي قد تؤدي إلى فقدان حزب أردوغان الأكثرية في البرلمان، لذا قد يعمل أردوغان على إحداث أزمات خارجية كالقيام باحتلال شمال وشرق سوريا لتوجيه النظر نحو الخارج ولتغطية فشله في الداخل  التركي، بالإضافة إلى التحريض الروسي لتركيا “أردوغان” بمهاجمة شمال وشرق سوريا “مناطق النفوذ الأمريكي” على  الرغم من أن روسيا لا ترغب بالاحتلال التركي للمنطقة والذي يعني تعقيد الأزمة السورية، لكن زيادة الخلافات التركية الأمريكية وإحداث شرخٍ كبير في العلاقات بينهما هو الهدف الرئيسي لروسيا تجاه تركيا والولايات المتحدة وعلى حساب وحدة الأرض والشعب السوري.

زر الذهاب إلى الأعلى