الطورانية التركية والاعتداءات المتكررة على روج آفا

عبد الرزاق علي

الاعتداءات التركية المتكررة لم تكن وليدة اللحظة فمنذ تأسيس الجمهورية التركية عام ١٩٢٣ وحتى يومنا هذا تحاول الأنظمة المستبدّة والمتعاقبة على سُدة الحِكم في تركيا, طمسُ القضية الكردية ومسحها عن الوجود وإهدار حقوق شعبها بكافة الطرق والوسائل والأساليب, ابتداءً من سياسة التتريك ومحاربة اللغة الكردية وانتهاءً بسياسة الاقصاء والتهميش وإلغاء الآخر. فهي تنظر للكرد نظرةً شوفينيةً ضيقة ليست فقط في تركيا بل في الأجزاء الأخرى دون أن تقيّم وزناً للقيم والمفاهيم والمبادئ ضاربة عرض الحائط كل المعاهدات والقرارات والمواثيق الدولية فهي دولة فوق القانون الدولي ولوائح الأمم المتّحدة, فهي تسعى جاهدةً لإخفاء الملايين من الكرد وإسقاطهم من الجغرافية وخارطة الشرق الأوسط، حيث تشاطرها في هذه النقطة الأنظمة الغاصبة لكردستان، هذه الأنظمة التي تختلف فيما بينها في كل شيء لكن تتفق معاً في القضية الكردية فهي القاسم المشترك الوحيد فيما بينهم، و اتفاقية أضنة الأمنية عام ١٩٩٨ خير مثال على ذلك. وما هذه الاعتداءات الوحشية الأخيرة على روج آفا سوى حلقة من مسلسل تاريخي قديم يحمل في طيّاته الحقد والكره والضّغينة تجاه شعبٍ أصيل متواجد على أرضه التاريخية منذ فجر التاريخ، وتأتي هذه الحلقة الدّامية بعد حلقة فشل مخطط الطاولة الرباعية في إشعال نار الفتنة في دير الزور وتسويقها إعلامياً على أنها فتنة عشائرية كردية وعربية، هذه الحلقة نجمت عنها خسائر في الأرواح والممتلكات وانتهت بفشلٍ ذريع، حيث كانت الغاية منها الضغط على أمريكا لتنسحب من المنطقة أولاً ولزعزعة الأمن والاستقرار في مناطق الإدارة الذاتية ثانياً، ولتقويض مشروع الإدارة الذاتية، هذا المشروع الذي أفرز واقعاً على الأرض أصبح الهاجس الذي يدّك مضاجعهم ويشّل تفكيرهم حتى شّكل لديهم فوبيا القضية الكردية لدى الأنظمة المحتلة لجغرافية كردستان وإنكار حقوق شعبها في العيش والحياة.

هذه الحلقة التي أخرجتها تركيا بذريعة الدفاع عن أمنها القومي منطلقاً بعد الانفجار الأخير مرتكزاً في شنّ هجماتها الوحشيّة المتتالية والمتعاقبة على شعب أعزل وآمن في روج آفا غايتها ضرب مكتسبات وإنجازات الإدارة الذاتية.

شاركت في هذه الحملة الطائرات المسيرة والمقاتلات الحربية في ضرب البنى التحتية من مدارس ومشافي ومراكز الطاقة والوقود والمنشآت الغازية والآبار النفطية ومصادر المياه وعُمّال القطن في الحقول ومراكز التدريب لقوات مكافحة المخدرات. هذه الحملة اللاإنسانية لها جملة من الأسباب والأهداف والنتائج. وأهم هذه الأسباب هي:

أولاً: تبرير عدوانها بحجة أمنها القومي.

ثانياً: تصدير أزمتها الاقتصادية الخانقة وصرف أنظار الناس خارج حدودها.

ثالثاً: مداعبة ومغازلة شعور الأتراك القوميين المتعصبين.

رابعاً: التسويق إعلامياً بأن هذه الجماعات تسعى للانفصال وتقسيم تركيا واقتطاع أجزاء منها بهدف إقامة دولة كردية.

خامساً: نيلها الموافقة المزدوجة من الدول ذات الشأن في المنطقة لتشن مثل هذه الهجمات والسكوت عن الجرائم المرتكبة من قبل أمريكا وروسيا.

سادساً: التركيز التام على تقويض أي مشروع ديمقراطي يشارك فيه الكرد في المنطقة.

هذه الأسباب جملةً وتفصيلاً تقودنا إلى أهم الأهداف ألا وهي كالتالي:

أولاً: ضرب الأمن والاستقرار في منطقة روج آفا.

ثانياً: ضرب منجزات ومكتسبات الإدارة الذاتية.

ثالثاً: تقويض وإجهاض مشروع الإدارة الذاتية.

رابعاً: خلق بلبلة وفوضى وفرض واقعٍ معيشي صعب

خامساً: إفراغ المنطقة ودفع الناس للهجرة.

سادساً: فرض واقع جديد من خلال التلاعب بديموغرافية المنطقة.

وبالمحصلة إذا ربطنا الأسباب بالأهداف نستخلص النتائج التالية:

أولاً: الدول الضامنة لعملية الأمن والاستقرار في المنطقة هي نفسها تقوّض الأمن والاستقرار لأنها غير ضامنة سوى مصالحها وغير متوازنة في تطبيق القرارات على الأرض، فهم لا يقيّمون وزناً لمصالح شعوب المنطقة. ولنضرب مثلاً على ذلك، فروسيا الغارقة في حربها ضد أوكرانيا تسعى جاهدة لتخفيف الضغط عنها وتبريد جبهتها التي ضعفت كثيراً في الآونة الأخيرة.

وتركيا والتي هي دولة فاشية وراعية للإرهاب داخلياً وخارجياً فهي بعيدة كل البعد عن المدنية والحضارة والديمقراطية، فهجماتها واعتداءاتها ما هي إلا ثمرة تكوينها الشّوفيني المتعصّب تجاه الكرد. ويتضح ذلك جلياً من خلال أعمالها وعدوانها بضرب البِنى التحتيّة والتي ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، يقابله صمتٌ دوليّ مرعب وسكوت مخيف والمطبق تجاه ما تقوم به تركيا تجاه شعب يحلم بالأمن والاستقرار.

أما إيران وميلشياتها التي تحاول أن تحافظ على وجودها، باتت تئن تحت وطأة اقتصادها المتهالك ومشاكلها الداخلية والأثنية والعرقية وبرنامجها النووي وتورطها في كل من اليمن والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين للانتقام من اسرائيل، كل هذه الأمور أثقلت كاهلها وتحاول ألا تستسلم للقادم.

أما أمريكا فهي دولة غامضة في استراتيجيتها ومزدوجة في معاييرها ومرتبطة بكل المتصارعين والضالعين في الحرب في المنطقة حسب مصلحتها ولها مشروعها في المنطقة، وما يبرهن على صحة ذلك الاعتداءات الأخيرة التي جرت على مقربة منها بل في منطقتها وجغرافيتها ومع شركائها وحلفائها في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، فلم تحرك ساكناً إزاء ما جرى في المنطقة من هجمات وحشّية وهذا يقودنا إلى القول بأن اللعبة هي لعبة القط والفأر والمصالح فوق كل اعتبار.

ثانياً: ماذا كانت التداعيات الأخيرة لهذه الهجمات؟

تم تشويش وزعزعة الثقة لحد ما بالشريك الأمريكي المتحالف.

ثالثاً: تم التأكيد بأن تركيا هي دولة ذات أهمية لأمريكا فهما عضوان في الناتو ومصالحهما مشتركة في أكثر من اتجاه مهما ابتعدتا ستلتقيان أخيراً.

رابعاً: قوات سوريا الديمقراطية هي قوات متحالفة مع التحالف لمقارعة الإرهاب والتنظيم الإسلامي. لكن لها قرارها الخاص ولا ينطلي عليها كل المخططات والقرارات من التحالف والشريك الأهم أمريكا والتي تبدو منزعجة من حينٍ لآخر بعدم الامتثال لهم فلها خطها الثالث الواضح في الحرب والسلم.

خامساً: مهما حاولت تركيا ومهما جرّبت آلاتها الضخمة لن تُباد الشعوب. فالقضايا لا تحل إلا بالحلول السلمية.

سادساً وأخيراً: نعم هذه الاعتداءات أحدثت ضجة واستياءً واستنكاراً واستهجاناً، ستبقى وصمة عار على جبين الدولة الفاشية ولطخة سوداء على جبين الأمم المتحدة وجميع المنظمات الإنسانية الذين سكتوا عن الجرائم البشعة تجاه شعوب المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى