ملامح الشرق الأوسط الجديد والمشاريع المطروحة

وليد محمد بكر

يتمتّع الشرق الأوسط (*) بأهمية تاريخية حضارية واستراتيجية من حيث الموقع الجيوسياسي والاقتصادي، ويتوصّل الكثير من المحلّلين الى نتيجة مفادها أنّ: (مَن يريد أن يتحكَّم في العالم عليه أن يتحكَّم في الشرق الأوسط). أول استخدام لمصطلح (الشرق الأوسط)* كان في خمسينات القرن التاسع عشر في مكتب الهند البريطاني، ورأى أهميتها حاكم الهند (اللورد كرزون)، حينها وُصفت بريطانيا بـ (الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس)، وأصبح المصطلح معروفاً مع استخدام الخبير الاستراتيجي في البحرية الأمريكية (ألفريد ثاير ماهان) في كتابه “مشكلة آسيا”، الصادر عام /1900/، لتمييز المنطقة الجغرافية الواقعة بين شبه الجزيرة العربية والهند، ، لأهميتها الجغرافية والسياسية والاقتصادية، وفي عهد الاكتشافات الجغرافية كان المكتشفون قد سمّوا المنطقة بـ” العالم القديم”، وهي مهد الحضارات الإنسانية و جميع الديانات السماوية.

قبل أن تنتهي الحرب العالمية الأولى اتّفقت المملكة المتحدة وفرنسا من دول التحالف، بمعاهدة سرّية على تقاسم التركة العثمانية في الهلال الخصيب – تشكيل الشرق الأوسط – فيما بينها عام /1916/عرفت باتفاقية (سايكس – بيكو)، بمصادقة من الإمبراطورية الروسية وإيطاليا، وفي السنة التالية وعدت بريطانيا بتشكيل وطن قومي لليهود في فلسطين التي تم وضعها تحت إدارة دولية، وقرّر الحلفاء في مؤتمر “سان ريمو”/1920/ في إيطاليا  تقسيم بلاد الشام، وتشكيل سوريا ولبنان ووضعهما تحت الانتداب الفرنسي، ووضع العراق وفلسطين وشرقي الأردن تحت الانتداب البريطاني، وفي اتفاقية (سيفر/1920) بفرنسا تم اقتراح منح الكرد والأرمن حكماً ذاتياً(حسب البند/62-63-64/ )، ولكن ألغيت باتفاقية أخرى عرفت بمعاهدة (“لوزان” السويسرية/1923)، بعد مفاوضات مع تركيا على رسم حدودها وإعلانها الجمهورية، فتم تقسيم “كردستان العثمانية” بين تركيا والعراق وسوريا، وضمّ كيليكيا ولواء إسكندرون فيما بعد لتركيا الحديثة.

إنّ المستجدات السياسية والأمنية الأخيرة في المنطقة تفرض مجدّداً إعادة البحث في تشكيل النظام العالمي الجديد، وموقع الشرق الأوسط الهام والاستراتيجي، بعد مرور أكثر من قرن على “اتفاقية لوزان”، وكذلك البحث عن سياسات الحكومات القوموية  في المنطقة، والتطوّرات التي أوصلت الأمور إلى حالة لم يعد العيش فيها مُطاقاً – حتى نهاية القرن العشرين – نتيجة بروز أزمات بنيوية مستعصية على الحل من جميع نواحي الحياة؛ ممّا أدّى إلى التدخّلات الخارجية في المنطقة – بسياسة الحداثة الرأسمالية والنيوليبرالية*- والحد من الأنظمة القومية المستبدّة، والتي أصبحت عائقاً في استمرار مصالحها الحيوية الجيوستراتيجية. ولتحقيق هذا الأمر سيتم تسليط الضوء على التطوّرات الحالية في المنطقة، وتقديم إحاطة عامة عن الوضع السياسي والأمني للشرق الأوسط، وتحديد أبرز أزماته والتطوّرات التي يشهدها، واختيار موقع سوريا كأبرز قضايا الشرق الأوسط تأزّماً ودورها في إعادة بناء النظام الإقليمي، من خلال تحليل الوضع السياسي والأمني فيها منذ سقوط النظام البعثي فيها، وتحليل آثار التطوّرات الأمنية والسياسية الراهنة والمتوقّعة في سوريا على دول الجوار نتيجة ظهور تغييرات جذرية في الشرق الأوسط. وبعد مرور حوالي القرن على اتفاقية (سايكس- بيكو) ومعاهدة (لوزان)، والحلول المطروحة لتشكيل “الشرق الأوسط من جديد”، لحل أزماتها المستفحلة والنفاذ منها؛ وسنقارن تلك الحلول مع الحل الذي يطرحه المفكّر الأممي السيد (عبد الله أوجلان) للنفاذ من تلك الأزمات المستعصية.

مدخل:

  بعد الانسحاب العثماني من سوريا نتيجة هزيمتها في الحرب العالمية الاولى، انتُدبت فرنسا على سوريا فدخلتها بعد معركة ميسلون في /24تموز/1920/، وقامت بتقسيم سوريا إلى دويلات طائفية لسهولة التحكّم فيها (دولة العلويين في الساحل، دولة حلب، دولة لبنان، دولة جبل الدروز، وجعل لواء إسكندرون يتمتّع بوضع مستقلّ، وتم استحداث مقاطعة الجزيرة باستقلال إداري ومالي بإشراف فرنسي). وقد قامت كل المكونات السورية بسلسلة من الثورات ضدّ السياسة الفرنسية؛ أبرزها كانت الثورة السورية الكبرى عام /1925/ بقيادة السلطان باشا الأطرش، ونتيجة انقسامات في “الكتلة الوطنية” وبسبب مصالح بعض الفئات البرجوازية مع فرنسا، تنازلت الأخيرة لتركيا عن لواء إسكندرون عام /1939/(3)؛ ونتيجة الرفض الشعبي والضغط الدولي اضطرّت فرنسا إلى الانسحاب من سوريا في 17نيسان/1946/، لتعيش سوريا فترة انقلابات عسكرية متعدّدة من /1948-1953/، وتعيش فترة اضطرابات بعد الوحدة مع مصر /1958-1961/ وتنفصل عنها، ليتم انقلاب حزب البعث واستلامه السلطة في آذار/1963/، ونتيجة ممارسات حزب البعث (في عهد الأسدين الأب والابن) ضدّ الشعب السوري، بدأت في سوريا انتفاضة شعبية في آذار/2011/،  والتحقت بما تسمّى ثورات “الربيع العربي” لإسقاط النظام، وبدعم تركي وخليجي، والتي جابهها النظام السوري بالحديد والنار، من خلال استعانته بإيران وروسيا وحزب الله اللبناني، إلى أن فرّ رئيس النظام بشار الأسد، وبدعم كلٍّ من (أمريكا، إنكلترا، إسرائيل، تركيا) سقط النظام سوريا في 8/كانون الأول /2024 ووصلت هيئة تحرير الشام بقيادة أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع) إلى دمشق، ونتيجة سيطرة عقلية (مَن يحرّر يقرّر) تحاول السلطة المؤقّتة في دمشق أن تلوّن سوريا بلون طائفي واحد، وأن تفرض أجندتها على جميع المكوّنات والأطراف من خلال حكومة دينوية – قوموية مركزية صارمة، ونتيجة احتوائها لعناصر إسلامية متشدّدة (وغريبة)، تقوم بارتكاب مجازر وتطهير عرقي في كل من الساحل السوري والجنوب في السويداء، وتهدّد الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا أيضاً، وهي الإدارة التي قامت بحماية مناطقها ومكوّناتها بتنظيم الشعب بعد إعلان ثورة 19/ تموز/2012، وإعلان الإدارة الذاتية الديمقراطية في /2014/، وأسّست منظومة دفاعية باسم قوات سوريا الديمقراطية(قسد) في عام 2015، وقاومت “داعش” في كوباني وكذلك المرتزقة والجيش التركي، إلى أن تم احتلال (عفرين، سري كانيه، كرى سبي) في /1918-1919/؛ يتضح من خلال ذلك أنّ سوريا تقع في قلب التغييرات المقترنة برسم ملامح الشرق الأوسط الكبير (الجديد) ([1])، والشكل الذي ستؤول إليه سوف تعطيه لما حولها.

أولاً: الشرق الأوسط بين الحروب الباردة والساخنة والهيمنة الأمريكية

 الحرب الباردة التي استمرّت عشرات السنوات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، بين الليبرالية الرأسمالية والاشتراكية الشيوعية وحلفائهما، تميّزت بتنافس سياسي واقتصادي غير مباشر في مناطق مختلفة من العالم، وذلك من خلال الدعم العسكري والمالي والإيديولوجي، بما في ذلك سباق التسلّح والحروب بالوكالة والتجسّس. بدأت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وإعلان مبدأ “ترومان”* وتشكيل “الناتو/1949″، وطرح “مشروع مارشال”*، تخلّلتها الحرب الكورية، وبرز الصراع بين القطبين من خلال أزمة برلين، والصواريخ الكوبية وحرب فيتنام، والغزو السوفييتي لأفغانستان، لتنتشر في كافة أنحاء العالم الذي انقسم بينهما، واستمرّت حتى انهيار الاتحاد السوفييتي/1991 ومنظومته – بعد سقوط جدار برلين وتوحيد ألمانيا /1989-1990/ – تاركة الولايات المتحدة الأمريكية القوة العظمى المهيمنة في عالم أحادي القطب، لكن فيما بعد ظهرت الصين، القوة الاقتصادية المنافسة لها، وظهر نظام عالمي جديد مبنيّ على التنافس.

عانت غالبية شعوب الشرق الأوسط الويلات، وعاشت أزمات عميقة نتيجة مآلات الحرب الباردة والصراعات الدائمة، ومن ثم بدأت الهيمنة الأمريكية على المنطقة بشكل قوي، بدعمها للأنظمة الاستبدادية والدكتاتورية، وجاءت حادثة 11/ أيلول/2001 فرصة على طبق من ذهب لأمريكا، للهيمنة على الشرق الأوسط الواسع، والسيطرة على منابع الطاقة والممرّات الهامة، بحجة مكافحة الإرهاب “الإسلامي المتشدّد”. علينا النظر إليها بأنّها كانت نقطة انعطاف وكمرحلة استراتيجية للحرب المبتدئة بعد الحرب الباردة؛ فالتحرّك الأمريكي من حينها تسير “كسيّدة” العالم في خضمّ الفوضى، والعديد من الدول القومية تساورها الريبة والمخاوف العميقة في هذه المرحلة، لأنّ زمانها قد ولَّى وأصبحت عائقاً أمام العولمة ومشاريع الشرق الأوسط الكبير(الجديد)؛ فشنّت أمريكا – وبمشاركة/50 / دولة – الحرب على تنظيم “القاعدة” في أفغانستان، بدءاً من العام /2001/ ولمدة /20/ عاماً، وقَتَلت “أسامة بن لادن” ، لينتقل “التنظيم” إلى العراق بزعامة أبو مصعب الزرقاوي في /2004/، وبعد احتلال العراق من قبل أمريكا واعتقال (صدام حسين)، بدأ بإعدامه العد التنازلي “للدولة القومية”، وعُرفت تنظيم “القاعدة” في العراق باسم “دولة العراق الإسلامية” /2006/، وباسم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” /2013-2014/ بزعامة أبوبكر البغدادي. وتنفصل عنها (جبهة النصرة/2016-هيئة تحرير الشام/2018) بقيادة (أبو محمد الجولاني) لترتكز في سوريا وتُؤسّس حكومة “جبهة الإنقاذ” في إدلب، وتتوسّع إلى السيطرة على دمشق في 2024.12.08 بتمهيد من تحالف (أمريكا، إنكلترا، إسرائيل)، في إسقاط النظام السوري البائد.

تعمل أمريكا بمشروع (الشرق الأوسط الكبير)، لأنّها تعتبر نفسها سيّدة العالم وأنّها متفرّدة به. يقول المفكّر (أوجلان) عن رؤية أمريكا في ذلك:” حيث ترى أنّ النظام الذي أنشأته فرنسا وإنكلترا بعد الحرب العالمية الأولى، خاطئ وناقص، كما ترى أخطاءها في ممارساتها التي طبّقتها بعد الحرب العالمية الثانية، والتي عزّزت من الاستبدادية بذريعة ترسيخ الأمن والاستقرار؛ فتتقرب منها بانتقاد للذات، وهي مدركة أيضاً لأضرار ومخاطر العَوَز والفاقة المفرطة لشعوب المنطقة… لهذا الغرض فهي تود تأمين التطور الاقتصادي والحريات الفردية والديمقراطية والأمن، بشكل متداخل. بالتالي فهي ترغب – عبر هذا الأنموذج – في حل المشاكل المزمنة لكل من العرب – فلسطين، والكرد – العرب، والترك – إيران لتعيق بذلك حدوث انفجارات جديدة. أي؛ ثمة في الميدان ضرب من ضروب مخطّط مارشال الأوروبي والياباني الجديد، وبالمتأقلم” حسب شروط المنطقة”(4).

وبرز دور أمريكا الكبير مؤخّراً في إسقاط نظام (الأسد) في سوريا، وإبعاد نفوذ كل من إيران وروسيا عنها، ودورها في الصراع والحرب بين (روسيا وأوكرانيا) وبين (إسرائيل وإيران). لكن تبقى الصين همّها والهاجس والمنافس الاقتصادي لها. يبدو أنّ هناك حرباً عالمية ثالثة –غير معلنة- وقلبها هي سوريا والشرق الأوسط؟

ثانياً: المشاريع والحلول المطروحة والمتوقّعة في الشرق الاوسط

  • الشرق الأوسط الكبير والسياسة الأمريكية: إنّ مشروع الشرق الأوسط الكبير* هو مشروع تقوده أمريكا كإمبراطورية القرن منذ عقود، من أجل السيطرة على دول المنطقة، وبالأخص الشرق الأوسط، فقد أوضح “توماس برّاك”، السفير الأمريكي في تركيا والمبعوث الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى سوريا ولبنان في 26/5/2025، عبر صفحته على منصّة x)) وهو ابن المنطقة، وضّح جزءاً كبيراً من معالم المشهد في الشرق الأوسط الجديد، وضعت تلك السطور تصوّرًا عامًا ليس فقط لما تفكّر به الإدارة الأميركية الجديدة، بل لما تبدو أنّها ملامح النظام العالمي الجديد، تطرّق السفير إلى حقبة ما بعد الحرب العالمية الأولى، حيث تمّت عملية تقسيم العالم السرّية في (اتفاقية سايكس – بيكو) عام /1916/ بين الدول المنتصرة فيها، وخاصة بريطانيا وفرنسا. إثر تلك الحرب انهارت ثلاث إمبراطوريات كبرى (النمساوية المجرية، الروسية، والعثمانية)، وتشكّلت دول جديدة. كان حلمُ العرب أن يعترف الحلفاء لهم بدولة واحدة مستقلّة، وهذا كان جوهر محادثات حسين – مكماهون /1916/، والتي أثمرت عن دخول العرب الحرب إلى جانبهم في مواجهة الإمبراطورية العثمانية، والتي سقطت في /1918. والكرد ذاقوا الأمرّين؛ حين تم تقسيم وطنهم وشعبهم بين ثلاث دول حديثة، لكنّ الذي حصل أنّه، وحسب قول السفير توم برّاك:” قبل قرن من الزمان، فرض الغرب خرائط وانتداباً، وحدودًا مرسومة، وحكمًا أجنبيًا. قسّمت سايكس وبيكو سوريا والمنطقة الأوسع، لتحقيق مكاسب إمبريالية لا لتحقيق السلام، كلّف هذا الخطأ أجيالًا ولن نكرّره”، وتابع: “أنّ زمن التدخّل الغربي قد انتهى، وأنّ المستقبل سيكون لحلول تنبع من داخل المنطقة وعبر الشراكات القائمة على الاحترام المتبادل”. فهذا اعتراف مفيد بأنّهم ظلموا الشعوب، وقسّموها حسب مصالح الغرب الرأسمالي، ولكن كيف سيصحّحون خطأهم برسم مصير ومستقبل المنطقة؟ هل حقاً “ولَّى عصر التدخّل الغربي” كما يشرح السفير الامريكي؟ والذي يتناغم مع تصريح رئيسه ترامب في /13/ أيار في العاصمة السعودية الرياض، وأنّهم لم يعودوا يلقون عليهم محاضرات ودروساً حول كيفية العيش وحقوق الإنسان والديمقراطية وإدارة شؤون البلد الخاصة، فهل سيتركون المنطقة بحالها؟ ولشعوبها أن تقرّر مصيرها؟ كانت السياسة الأميركية قبل تسلّم إدارة “ترامب” متأرجحة وغير واضحة فيما يخصّ المنطقة العربية والشرق الأوسط عمومًا، وموجّهة بشكل رئيسي ضدّ “التنين الصيني والدب الروسي” القطبَين المنافسَين لها في السيطرة الاقتصادية على العالم، وخلق مشاكل وأزمات لهما، لكن تغيّرت أساليب تلك السياسة قليلاً مع تسلّم “ترامب” ولايته الثانية والقائمة أساساً على الصفقات.

فيما يخصّ سوريا؛ كانت السياسة الأميركية تركّز على احتواء إيران، وتقاسم النفوذ مع الروس فيها، بينما تُركّز واشنطن حاليًا على الملف النووي الإيراني وحتى ضرب مواقعها النووية ومساندة إسرائيل بشكل غير مباشر في حربها على إيران في حزيران 2025 والتي دامت /12/يوماً، وتعمل على تقزيم دور إيران في المنطقة، كما تعمل على مكافحة الإرهاب (الداعشي)، ومكافحة أذرع إيران المتبقّية في المنطقة (الحوثيون في اليمن، والحشد الشعبي في العراق) للقضاء على محور المقاومة والممانعة، كما جرى مع كلّ من حماس وحزب الله والنظام السوري البائد. ورغم أنّ الولايات المتّحدة لن تتخلّى عن حماية إسرائيل، إلّا أنّها لن تنظر للمنطقة بعيون الأخيرة، بل بعيون المصالح الأميركية قبل كل شيء الآن. تقوم أمريكا خلال رئاسة ترامب بتعويم الرئيس السوري المؤقّت احمد الشرع وحتى اللقاء به في الرياض، بعد أن كان رأسه مطلوباً مقابل/10/ مليون دولار، وتسعى لرفع العقوبات عنه، وكذلك رفع اسم “هتش” (جبهة النصرة) من لائحة الإرهاب مؤخّراً، ولا ينفكّ ترامب عن إبداء علامات الإعجاب بشخصية “الشرع”، في سابقة فريدة للسياسة الأمريكية.

الأسئلة المطروحة بشدّة في هذه الأثناء هي: ما هي السياسة التي ستؤسّس لمستقبل المنطقة وشعوبها، في حل الأزمة السورية واللبنانية؟ وماذا عن حلّ القضيتَين (الكردية والفلسطينية) المتأزّمتَين منذ عقود؟ (بدون حلّهما حلّاً عادلاً لن تستقرّ المنطقة بتاتاً) وهل سيفرض ترامب “حلّ الدولتَين” على إسرائيل فرضاً؟ كما أنّ السعودية، ومن أجل انضمامها للاتفاقات الإبراهيمية، تشترط الاعتراف بدولة فلسطينية في اجتماع الأمم المتحدة في أيلول القادم، وبعض الدول – وعلى رأسها فرنسا – اعترفت بالفعل، وهل ستلعب السياسة الأمريكية دوراً محورياً مهمّاً في مبادرة السلام الكردية – التركية الأخيرة لأجل استقرار وبناء المشاريع الإنمائية في المنطقة، أم أنّها ترسم التوافق وتراقب من خلف الستار؟

 أمّا دور أوربا في الشرق الأوسط (ألمانيا، فرنسا، بريطانيا) فيبدأ حين تصل السياسة الأمريكية لطريق مسدود وتصل لذروة التأزّم، وحسب دورها المرسوم لها، وكي لا تخسر الأصوات المعتدلة في المنطقة، تسمّي ألمانيا هذا النهج بسياسة “الاحتياطي الدبلوماسي”، تتدخّل حين تتهاون أمريكا في الاهتمام، فتقوم بدور إدارة الأزمات واحتوائها بأسلوب أكثر مرونة وانفتاحاً، يساعد في تخفيف التوتّر وتأخير الانفجار لتهيئة المناخ المناسب لمبادرات جديدة في الشرق الأوسط تشبه “بالونات اختبار”، بما يخدم الخط الأمريكي. (5) قد تقوم الدول الأوربية بسياسة مختلفة، إلّا أنّها لا تستطيع الخروج عن المخطّط الأمريكي؛ وتمّت ملاحظة ذلك خلال القضية الفلسطينية، وفي حروب الخليج والسودان وأفغانستان، وخلال أزمات دول الربيع العربي، والحرب الروسية الأوكرانية، والصراع الإسرائيلي – الإيراني.

  • الشرق الأوسط الجديد والسياسة الأمريكية – الإسرائيلية: يبدو أنّ “حرب غزة” ستؤثّر بشكل كبير على الشرق الأوسط، ووضع الشرق الأوسط سيكون مختلفاً عمّا كان عليه قبل الحرب؛ مثلما صرّح به (نتنياهو) رئيس الوزراء الإسرائيلي، فبعد الحرب على حماس في غزة، وحزب الله في لبنان، والدور المباشر لإسرائيل في تغيير النظام في سوريا، قال نتنياهو في آذار/2025/: “إنّ إسرائيل وصلت إلى قمّة جبل الشيخ، ولقد غيّرنا وجه الشرق الأوسط”(6). وقال أمام الكنيست الإسرائيلي:” إنّ تل أبيب غيّرت وجه الشرق الأوسط، وأجبرت حزب الله على الركوع، وأسقطت نظام الأسد، ولا تزال أمامها مهمّة كبيرة”(7)، وردّدها أثناء حملة ضرباته على إيران، وكان قد كشف على منبر الأمم المتحدة في سبتمبر ايلول/2024 عن خريطتَين؛ تمثّل الأولى باللون الأخضر” خريطة النعيم”، وتصوّر مشروعاً لوجستياً يربط الهند بجنوب أوروبا عبر الشرق الأوسط (الخليج وإسرائيل منها)، والثانية “خريطة اللعنة” باللون الأسود؛ وتُظهر أذرع إيران في المنطقة. (8)

يتساءل المتابع لهذه الاحداث بإصرار: ماذا بعد كل هذه التطوّرات؟ وما هي مخطّطات نتنياهو لمتابعة هدفه؟ فلم يتم القضاء على المشروع النووي الإيراني تماماً وربما تم تأجيله لسنوات، فهل سيسعى نتنياهو لاحقاً – مع أمريكا- لإسقاط النظام فيها؟ كيف سيتم التفاهم مع تركيا على تقاسم المصالح في سوريا أو الصراع معها؟ كما يصرّح نتنياهو بأنّه سيعمل على ألّا يشكّل النظام المؤقّت (واللاحق) في سوريا تهديداً لأمن إسرائيل، وحتى الذهاب إلى توقيع اتفاقية سلام “ابراهيمي” معها (عبر محادثات باكو وباريس أو بشكل مباشر)، وهل اتفاق الغاز بين (سوريا وأذربيجان) جزء من مشروع مدّ الخط إلى إسرائيل عبر سوريا؟ وبعد إضعاف إيران هل ستكون المنافسة والصراع مع تركيا حول سوريا؟ فهجوم العشائر ومعهم “الدواعش” وبتحريض من “الجولاني” على الدروز، يبدو أنّه تخطيط تركي كخطوة لتقويض الإدارة الذاتية الديمقراطية، وإفشال عملية السلام (الإسرائيلي- السوري)؛ وللردّ قصفت إسرائيل قلب دمشق ومقرّ القيادة فيها – وقيل أنّه ربما قُتل ضباط أتراك فيها أيضاً- وهي سابقة وتهديد كبير لرأس النظام المؤقت، وتشترط إسرائيل على النظام الجديد في سوريا أن يجعل جنوب دمشق وكافة حدودها معها خالية من المتشدّدين الإسلاميين وجعلها منزوعة السلاح، وذلك بعد قضم مساحات منها، فهل ستكتفي إسرائيل بهذا أم أنّه سيتابع لفرض الهيمنة على سوريا والمنطقة؟ ولكن؛ ألا يتضارب مشروعها هذا مع مشروع أمريكا “الشرق الأوسط الكبير” الذي يدعو إلى توحيد الجغرافيات بدل التفتيت الطائفي؟ وعلى ما يبدو أنّ دولتَي أمريكا وإسرائيل في النهاية متّفقتان حول الاستراتيجية، ويبقى الخلاف حول التكتيكات. من جهة أخرى؛ هل ستترك الولايات المتحدة الأمريكية الحرية لشعوب المنطقة المتضرّرة من (سايكس – بيكو) في اختيار حياتها وأنظمتها ولن تتدخّل في شؤونها (كما صرّح المبعوث الامريكي توماس برّاك) أم أنّ برّاك سيظلّ يتخبّط في التصريحات المتناقضة والغامضة والموالية للمخطّط التركي (بحسب العديد من المعنيين بالسياسة) تلك التصريحات الرامية أساساً للحدّ من صلاحيات الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا حتى لا تنعكس على تركيا؟ وربما ستدفع كلّ من تركيا وإسرائيل المنطقة إلى حروب ومآسي أخرى لإيجاد شرعية لمخطّطاتهما ()، ولكن أليس هناك من خَيار سليم وبديل آخر أقلّ تكلفة كحلٍ مستدام لشعوب ومكوّنات المنطقة؟ مثل تنفيذ القرار الأممي /2254/* الذي جدّد مجلس الأمن التأكيد عليه خلال جلسته في 10/8/2025 والمنعقدة حول سوريا وأحداث السويداء، والقاضي بتنفيذ عملية سياسية شاملة يقودها كافة السوريين على أسس ديمقراطية عادلة وبأنفسهم.

  • الشرق الأوسط والمشروع الإسلاموي: بغض النظر عن السياسة الإيرانية ذات المذهب الشيعي الذي سعى إلى “تصدير الثورة” من خلالها نشر التشييع عبر دعمها لحكومات في سوريا (سابقاً) واليمن والعراق، ولمجابهة “المحور السّنّي وعلى رأسه السعودية”، أنشأت إيران تنظيمات وفصائل تتبع أجنداتها ضمن ما سُمّيت بـ (جبهة الصمود والتصدّي، ومحور المقاومة)، والتي ضمّت حزب الله في لبنان، والحشد الشعبي في العراق، والحوثيين في اليمن، وحتى حركتَي حماس والجهاد في فلسطين.

يلعب مشروع “الإخوان المسلمين” دوراً كبيراً في أحداث المنطقة منذ قرن، لمناهضة “المشاريع الغربية وإسرائيل”، وذلك بإقامة “دولة إسلامية” تحكم “بالشريعة الاسلامية” وفق فهم الجماعة، ويعتمد على منهج تدريجي يجمع بين العمل الدعوي والاجتماعي والسياسي، بهدف أسلمة المجتمع، والدولة من الداخل، تحاول الوصول إلى السلطة بكافة الوسائل، منها تنفيذ عمليات عنف مسلّح، يرجع تاريخ تأسيس هذه الحركة الى عشرينات القرن الماضي في مصر، وامتدّت  بعدها إلى الأردن وسوريا والسعودية، وتمركزت في تركيا- خاصة بعد وصول حزب العدالة والتنمية بقيادة “أردوغان” إلى الحكم عام 2002 – وفي أوروبا مستغلّة ديمقراطيتها لنشر الدعوة (الإسلامية الجهادية)، وتبقى “لندن” مركزها العالمي، وتمتدّ عبر شبكة عابرة للحدود. حاولت الحركة استغلال انتفاضات “الربيع العربي” عن طريق الدعم التركي لكنّها فشلت وخاصة في “مصر وتونس”، وتعرّضت لانشقاقات عديدة، وصُنّفت كحركة إرهابية في بعض الدول، مثل: (مصر، السعودية والإمارات…) بعد عام /2013/ وفقدت دعم دول الخليج – ماعدا قطر – التي كانت تموّلها. وبعد أن ظهر تنظيم “القاعدة” بزعامة “أسامة بن لادن” لمحاربة الاحتلال الروسي لأفغانستان، ثم أنشأت فرعها في العراق وسوريا تحت اسم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” لتحارب الاحتلال الأمريكي فيها، وتحتلّ مناطق واسعة فيهما، بعد ارتكاب مجازر رهيبة بحق شعوبها، وتنفصل عنها /2013-2018/”جبهة النصرة- هيئة تحرير الشام”، وبدعم من تركيا تصل للسلطة في دمشق في نهاية /2024/. بقيادة (أبو محمد الجولاني-أحمد الشرع) ومن حينها تحاول السيطرة على كامل الاراضي سوريا من خلال العنف وفرض أجنداتها الطائفية على المكوّنات المتنوّعة فيها، والعمل على التغيير الديمغرافي وارتكاب العديد من المجازر؛ وهذا ما يدفع المجتمع الدولي والمجتمعات المحلّية المتنوّعة إلى نبذ تلك السياسات ذات الخلفية الدينية المتزمّتة.

  • الشرق الأوسط الديمقراطي: بعد أن وصلت غالبية أنظمة الشرق الأوسط إلى حافة إفلاس تام، طرح السيد عبد الله أوجلان مشروع الشرق الأوسط الديمقراطي؛ لأنّ إيران الإسلامية التي تمثل القوموية الشيعية -كما مرّ معنا- تعيش في أزمة داخلية وخارجية، وتركيا المترنّحة بين الشرق والغرب وبين وإسرائيل وحماس الفلسطينية، والمتدخّلة في الشأن السوري حتى النخاع، أوقعت نفسها في أزمات كبيرة داخلياً وخارجياً، حتى قامت بمبادرة تسعى فيها – وحسب مفهومها- لحلّ القضية الكردية في  تركيا؛ لأنّها ترى أنّ رياح التغيير ستطالها أيضاً. وبما أنّ إسرائيل تأسّست على أساس دولة قومية، ولديها مشروع توسّعي، فإنّها تشهد صراعاً وتناقضاً كبيراً في غزة ما بين استعادة الأسرى – و”إنهاء حماس”، ومجابهة حكومة “نتنياهو” التظاهرات الشعبية لإنهاء الأزمة، وقضايا تدخّلاتها في لبنان وسوريا. وكذلك حالة العراق غير مستقرّة وتعيش وضعاً غير متوازن في سياستها الداخلية والخارجية. ولبنان ماتزال الطائفية والإملاءات الإيرانية تتحكم فيها عبر دعم حليفتها “حزب الله” وتهدّدها بحرب أهلية، بعد أن أصبح سلاح حزب الله مشكلة كبيرة فيها. وفي سوريا امتدّت أزمتها لأكثر من عقدٍ ونيّف وباتت أعمق بكثير؛ نتيجة التدخّلات الخارجية المتعدّدة، لتصبح بؤرة للإسلام المتطرّف، بمعنى أنّ كل دول الشرق الأوسط تعيش في أزمة عميقة.

 يرى السيد أوجلان أنّ نظريته في “الأمة الديمقراطية” هي العنصر الرئيسي في الحداثة الديمقراطية في مواجهة أنظمة  الحداثة الرأسمالية والتي تُفاقِم الأزمات التي خلقتها بدلاً من حلها؛ فهو يرى: أنّ الرأسمالية لم تكتفِ تاريخياً بتقسيم العالم العربي إلى /22/ دولة قومية فقط، بل قسّمته إلى عشرات العقليات و مئات التنظيمات والقبائل والمذاهب المتضادّة والمتنافرة فيما بينها، وهي هدف الفلسفة الليبرالية بالمعنى الاستعماري، ويرى كذلك أنّه لا حلّ يجمع كافة المكوّنات متجاوزة الحدود المصطنعة إلّا عبر تطبيق نظرية “الأمة الديمقراطية”، وبهذا يمكن الحدّ من انقسام الكرد والأتراك وإيران أيضاً، وحتى القضايا العالقة بين (أفغانستان، والهند، وباكستان كذلك)، ويجب حلّ الأزمة بنيوياً، ويرى أنّه لا يمكن العودة إلى حياة الحرية والديمقراطية إلّا بتوحيد الشعوب والمجتمعات ضمن الاختلاف والثقافات المتميزة بالغنى الكبير والممتدّة من آسيا الوسطى حتى بلاد الهند، والتي عاشت سويّة على مرّ التاريخ في كنف إمبراطوريات وأسقف سياسية مشتركة من النوع الكونفدرالي. وبمشاركة كافة الشعوب ودون إقصاء أو تهميش يمكن بناء (الوحدة الوطنية الديمقراطية في الشرق الأوسط)، ويرى أيضاً أنّه” ما دامت ذهنية الدولة القومية قائمة – سواء بطرازها الدينوي أو القوموي العَلماني – فهي تعرض الإسلام (الذي تروّج دائماً للامتثال له) على أنّه أيديولوجية إرهاب ووعيد، مضفية المساوئ القصوى على هذه الشريعة أيضاً؛ لذا يتحتّم تطوير الاتحادات الإقليمية أولاً، والاتحادات الوطنية الديمقراطية على مستوى الشرق الأوسط ثانياً”. حتى أنّ السيد أوجلان يطرح حلّاً أمام إسرائيل والشعب اليهودي من أجل الخروج من الطوق المحاصر بها وهو:” الانضمام إلى مشروع (اتحاد الأمم الديمقراطية في الشرق الأوسط) واستلام زمام المبادرة الإيجابية لتحقيق الانطلاقة بالتأسيس على ذلك؛ فبمقدور رأس المال الفكري والمادي الذي تستند إليه إسرائيل أنّ يؤدّي دوراً بالغ الأهمية من أجل مشروع (اتحاد الأمم الديمقراطية) على صعيد الشرق الأوسط، محقّقة بذلك الأمن واستتباب السلام المستدام الذي هي في أمسّ الحاجة إليه”. (9)

 

ثالثاً: التنافس على الطاقة والطرق التجارية والممرّات الاستراتيجية

  • صراع التحالفات الدولية: بغضّ النظر عن الصراعات التاريخية القديمة وبأشكالها المتعدّدة، وكذا التحالف الحديث (الصيني – الروسي – الإيراني) ومعها تركيا تعمل لسنوات على استخدام الممرّات في القوقاز (أوراسيا) وسوريا وغيرها، وبسبب المصالح المتشابكة والمتضاربة، وبسبب الأحداث الأخيرة التي شهدتها المنطقة فقد تراجع هذا النفوذ، ولم تستطع كل من إيران وتركيا الوصول لمشاريعهما المتضادّة، علماً أنّ تركيا تحاول ملء الفراغ الذي تركته إيران في المنطقة، في حين أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تعمل على إغلاق المعابر التي يمكن لروسيا أن تمدّ نفوذها على خطوط أنابيب الغاز إلى تركيا (التيار الأزرق) وأوروبا، وكسبت أمريكا كلّاً من (أرمينيا وأذربيجان) إلى جانبها، وحصلت على “مكافأة” بفتح واستثمار ممرّ “زنغزور” المهمّ بينهما (المعبر الاستراتيجي) اقتصادياً وسياسياً، والذي سُمّي بـ “ممرّ ترامب”، لتدفّق الغاز والطاقة من الدول الغنية بالثروات الباطنية، ولا سيّما من “كازاخستان”؛ ممّا يتيح لأوروبا التحرّر من الاعتماد الطاقوي على روسيا، فيحسب نجاح هذا الاتفاق لترامب الذي أنجزه بين باكو ويريفان، ملحِقاً ضرراً كبيراً بمشاريع  دول (الصين وروسيا وإيران)، بل وتم من خلال الاتفاق فرض طوق من الحصار على إيران، وأمَّن تواصلاً بين باكو وأنقرة؛ معزّزاً مكانة تركيا الساعية إلى استعادة “العثمانية الجديدة” وفرض دورها كقوة موازنة لروسيا والصين ومتفوّقة على إيران.
  • الصراع على الشرق الأوسط: تشهد منطقة الشرق الأوسط وخاصة (الخليج، وإيران، والعراق، وليبيا، والسودان، وسوريا) صراعاً شديد التعقيد، صراع لا يدور في الميدان العسكري فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى التنافس على المعابر الاقتصادية وخطوط الغاز ومواقع النفوذ السياسي، تتقاطع فيها مصالح القوى الإقليمية والدولية، وتنعكس آثارها المباشرة على الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، وعلى تركيبة السلطة خاصة في بغداد ودمشق، وعلى مستقبل القوى المحلية في سوريا؛ فمن إحدى الأهداف الأساسية لشنّ حماس الحرب على إسرائيل في 7/ أكتوبر /2023 هو خدمة مصالح كل من (إيران وتركيا) لعرقلة المشروع التجاري للخط (الهندي-الخليجي- الإسرائيلي)، والمعنيّ بتصدير الغاز والنفط الخليجي إلى أوربا بأقلّ تكلفة، وكذلك لعرقلة اتفاقات السلام الإبراهيمية مع الدول العربية؛ لأنّها تقطع الطريق أمام طريق الحرير القديم، وخط التنمية الصيني إلى خليج البصرة وتركيا، والحد من استثمار كل من (إيران وتركيا) في القضية الفلسطينية.
  • سوريا.. الساحة الرئيسية للصراع: تمتلك سوريا موقعاً جغرافياً استراتيجياً في قلب هذه الصراعات؛ فهي النافذة البحرية التي تربط آسيا بأوروبا، وكذلك الجسر البرّي بين الشرق والغرب، ولهذا السبب تَركّزَ كل القوى الكبرى والإقليمية على أراضيها، كلٌ يسعى للهيمنة على مفاصل القرار فيها وعلى ثرواتها والممرّات الاقتصادية المهمّة التي تَعبُر من خلالها، فحلم روسيا القديم هو الوصول إلى “المياه الدافئة” في شاطئ المتوسط، وما تزال تسعى لبسط النفوذ على المنطقة وسوريا – خاصة بعد خروج منافستها إيران من المشهد – وذلك للاستثمار فيها، ورغم فقدانها لحليفها (نظام حكم الأسدين) في سوريا، إلّا أنّها ماتزال تحاول أن تُبقي نفوذها – بقاعدتَين عسكريتَين- ربّما من أجل استخدامها لاسترداد ديونها المترتّبة على سوريا كشرط لدعم الحكومة الجديدة، والعودة إليها واستثمارها كنوع من الضغط الدولي. فيما تحاول تركيا – منذ عقود – الوصول إلى السوق الخليجي عبر الأراضي السورية، والسيطرة على إقليم كردستان العراق- بزرع قواعد عسكرية فيها- وحتى للتحكّم بالنفوذ التجاري والعسكري السياسي في المنطقة، ولكنّ إسرائيل قد نبّهتها من خلال قصف القواعد العسكرية التي كانت تؤسّس لها في الوسط السوري، وعندما فشلت تركيا في السيطرة على الساحل السوري (عبر أذرعها من فصائل عسكرية وبعض العشائر المرتبطة بها) أشعلت أحداث السويداء.
  • الصراع التركي – الإسرائيلي في سوريا: من خلال تطوّرات الأحداث برز جليّاً أنّ هناك صراعاً (إسرائيلياً – تركياً) في سوريا؛ فتركيا بعد أن ساعدت وساهمت في إيصال “أحمد الشرع” في 8/12/2024 إلى السلطة في سوريا، تعمل منذ اليوم الأول على عقد صفقات للبحث في نفط وغاز البحر السوري، وفرض وجودها على الشرع وعلى مفاصل الحكم عبر مرتزقتها، وعملت على تعويم الشرع من خلال تقديم دعم إعلامي وسياسي له، أمّا محاولاتها لتقويض الإدارة الذاتية الديمقراطية وحلّ قوات سوريا الديمقراطية “قسد” ضمن الجيش السوري، وكذلك محاولاتها النفوذ إلى الساحل؛ قد اصطدمت بتدخّلات إقليمية ودولية معقّدة، أوّلها التحالف الدولي وإسرائيل التي فرضت شروطاً قاسية على أي اتفاق سلام مع سوريا تمنع بموجبها أيّ وجود تركيّ على الأراضي السورية. إسرائيل تطمح إلى أن تكون نقطة الالتقاء لكل المعابر الاقتصادية التي تربط المنطقة بالعالم، وتريد لهذه المشاريع القادمة أن تمرّ من مناطق سيطرتها، وتسعى إلى إنشاء “ممر داوود”* وتحقيق حلمها التاريخي؛ وهذا الهدف لو تحقّق تكون إسرائيل قد قطعت الطريق أمام إيران والنفوذ التركي، وتكون فرضت بذلك سيطرتها على المعابر التجارية – المؤدّية إلى أوروبا- وتحويلها إلى الساحل الإسرائيلي، في حين تسعى تركيا لأن تكون لاعباً رئيسياً في هذه المشاريع وتحويلها إلى موانئها، والعودة إلى العثمانية الجديدة وضمّ مناطق “الميثاق الملّي”* إليها.

رابعاً: قراءة في الوضع الحالي للمنطقة والمشهد السوري

ممّا لا شكّ فيه أنّ هناك تنافساً كبيراً بين الدول المتدخّلة في المنطقة للحصول على المكاسب، من خلال التدخّل في رسم مساراتها وتكوينها الجديد، والهيمنة على مقدّراتها من طاقة وممرّات تجارية (البرية والبحرية)، كما أسلفنا أعلاه؛ فخلال الأزمة السورية برز تكتّلان رئيسيّان:

  1. محور غربيّ تتصدّره أمريكا وأوروبا وإسرائيل، للهيمنة على المنطقة والعالم.

 2.محور شرقيّ يسعى لعدم خسارة النفوذ: تقوده روسيا والصين وإيران، وتترنّح تركيا بين المحورين. بعد سقوط نظام الأسد في سوريا وخسارة كلّ من روسيا وإيران لحليفهما، تعمل الأخيرتان على عدم الابتعاد عن الصين ودول “البريكس”* في مواجهة المدّ الغربي المتمثّلة في حلف الناتو، لكنّها ضعيفة وتتلقّى ضربات موجعة؛ كما شاهدناها خلال إسقاط حكم الأسد في سوريا، وخلال الضربات المؤثّرة على يد إسرائيل وأمريكا ضدّ إيران في تموز الماضي، ويمكن القول أنّ روسيا خسرت حليفتها “أرمينيا” عندما لم تساعدها في حربها على منطقة “قرة باغ” مع أذربيجان بالشكل الكافي، ولم تدعم إيران في حربها الأخيرة مع إسرائيل، واستنفذت طاقتها في حربها مع أوكرانيا؛ حيث تسعى أمريكا للتضييق عليها أكثر من خلال قيامها بدور المصالحة بين أرمينيا وأذربيجان، وشيئاً فشيئاً تخسر روسيا نفوذها حتى لدى جوارها في دول القوقاز. تركيا تحاول نيل المكاسب واستغلال الوضع السوري الضعيف؛ من خلال الزيارات المكوكية بين الطرفين، حيث تسعى تركيا للاستئثار بحصة الأسد من الاستثمارات، كما تسعى لفرض أجنداتها داخل سوريا، بحجّة مساعدتها على النهوض، وتوقيع اتفاقات غاز ومواصلات، وحتى تدريب وتعبئة الجيش السوري الجديد؛ لكن يبقى همّها الأساسي وشغلها الشاغل إضعاف  تجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا، وحل قوات سوريا الديمقراطية “قسد” ضمن الجيش السوري؛ لأنّ ما يكسبه الكرد في سوريا سوف ينعكس – وربما أضعافاً – على القضية الكردية في المفاوضات الجارية بمشروع السلام في تركيا؛ لذلك تحاول تركيا الاستقواء بالعودة إلى التدخّل الروسي، ودفع الحكومة السورية المؤقّتة إلى للتوجّه نحوها – وذلك رغم ما فعلته طائراتها بالشعب السوري –  للتخلص من الشروط الأمريكية والغربية لتعويم الحكومة المؤقّتة ولرفع العقوبات، لكن تبيّن أنّ لروسيا أيضاً شروطاً أهمّها: استعادة ديونها، وعودتها إلى الاستثمار في سوريا، وتعيين ضباط وكبار الموظفين من النظام السابق؛ وهو أمر يصعب على حكومة الشرع تنفيذه – وستقع في تناقض مع الأجندة الأمريكية،  وهناك الشروط الإسرائيلية أيضاً: إخلاء الجنوب السوري من القوى الإسلامية الراديكالية والأسلحة الثقيلة، والاعتراف بالإدارة الذاتية في السويداء، وإلّا فستتلقّى القصف الجوي واحداً تلو الآخر، وفي أي مكان وزمان، وكذلك التدخّل لقضم جغرافية محافظات الجنوب. أمّا عن دول الجوار السوري: فتركيا التي تعمل للاستحواذ على المنطقة سياسياً واقتصادياً، وتسعى لأن تكون لها اليد الطولى في مستقبل المنطقة، وخاصة بعد خروج منافستها إيران منها، لكنّها تتخوف من “مشروع الشرق الأوسط الكبير-الجديد”، وخاصة بعد الإطاحة بنظام الأسد في سوريا، وحرب الـ (12يوماً) ضدّ إيران، وتصريح المبعوث الأمريكي إلى سوريا “برّاك” الدال على نهاية (سايكس بيكو)؛ وهذا يدلّ على قلق تركي من إنصاف الكرد “ربّما” ومنحهم حقوقهم العادلة، ولكنّها تتباطأ في حل القضية الكردية لديها، لتعيق حصول الإدارة الذاتية الديمقراطية على مكاسب ولتعيق الاعتراف بها كذلك. ويتوجّس العراق من الحكومة الجديدة المحاذية لها، والتي يسيطر عليها أشخاص من ذوي خلفية تابعة لتنظيم القاعدة والتي كانت قد فتكت بالشعب العراقي، بالإضافة إلى انشغالها بشؤونها مع الفدرالية الكردية والضغط الأمريكي بحل “الحشد الشعبي” الموالي لإيران، والأردن الذي مازال يعاني من مشكلة تجارة حبوب “الكبتاغون” ومن حدودها مع المنطقة السورية الساخنة، يحاول لعب دور الوسيط في الأزمة السورية. لبنان مهدّد بتمدّد تطورّات الأزمة السورية الجديدة إلى حدوده الشمالية والشرقية، وهو منشغل بالتخلّص من الإرث السوري، ونزع سلاح “حزب الله” للحدّ من الضربات الإسرائيلية عليها. في النتيجة؛ يُلاحَظ أنّ مهمّة الرئيس المؤقّت “أحمد الشرع” صعبة في التوافق مع العديد من الأجندات (الأميركية، والإسرائيلية، والتركية، والأوروبية، والعربية، والروسية)، والطلبات (الشروط) عليها لتعويم شرعيتها، لذا؛ تتصادم حتى مع عناصرها المتشدّدة، ومع مكوّنات سوريا المتنوّعة حين تخطّط لبناء سوريا الجديدة بالإملاءات التركية.

رابعاً: العوامل المتوقّعة لنجاح أو فشل المشاريع، والسيناريوهات المطروحة

  • حسب الدعوات والتصريحات العديدة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وخاصة بعد الحرب ضدّ إيران والتوغّل في الجنوب السوري، فإنّ مهمّة قيادة إنشاء شرق أوسط جديد قد وُكِّلت إليه، ولكن كيفية تشكيله لم تظهر بعد بشكل واضح وجليّ، فيقول في آخر تصريح له لصحيفة (تايمز أوف إسرائيل) في 12/ من شهر آب الجاري أنّه: “مرتبط بشدة برؤية إسرائيل الكبرى”، والتي تشمل – وفق مزاعم إسرائيلية – مناطق تضم الأراضي الفلسطينية وجزءاً من الأردن ولبنان وسوريا ومصر؛ ممّا أدّى إلى امتعاض واستنفار عربي عام. بالإضافة إلى تطبيق شعارهم “من الفرات إلى النيل” كما يشير إليه الخطّان الأزرقان في راياتهم، وتعمل إسرائيل – ولو ببطء – على أن تصبح “سيّدة” المنطقة (الشرق الأوسط) دون منازع.
  • يقول الرئيس الأمريكي “ترامب” أنّه: “سيجعل من الشرق الأوسط عظيماً”! ولكن؛ ما السبيل إلى ذلك؟ هل هي الصفقات أم الحصار وفرض العقوبات والتهديدات؟ المنطقة والعالم يترقب ماهية السياسة القادمة له، فإذا ما كان يسعى لنيل جائزة “نوبل للسلام” – كما رشّحه إليه نتنياهو- فهل حقاً يسعى إلى تعميم السلام وإنهاء الحروب في العالم؟ فبالأمس أوقفت أمريكا “ترامب” الحرب بين حليفتيها النوويتَين (الهند وباكستان) قبل أن تكبر، كما عقد لقاءً في “ألاسكا” مع “بوتين” ويسعى للمصالحة التاريخية بين روسيا وأوكرانيا وإيقاف الحرب التي استنفذت الطرفين؟ وكان قد قبض ثمنها مقدَّماً بالحصول على صفقة “المعادن الثمينة” من “زيلنسكي”، وقبض ثمن السلاح من الدول الأوروبية؛ ممّا دفع حلفاء كلتا الجبهتَين (الأمريكية والروسية) إلى التخوّف من أن تكون الصفقة على حساب مصالحهم وأمنهم الإقليمي. ولكن كيف سيتعامل ترامب مع الوضع السوري الراهن؟! فهم (أمريكا، إنكلترا، إسرائيل) قد أهدوا سوريا على طبق من ذهب إلى “الجولاني” – القادم من تنظيم القاعدة- وأوصلوه إلى رئاسة الحكم، فهل تجميد العقوبات و”قانون قيصر” والتأكيد مجدّداً على تنفيذ القرار الأممي /2254/ كافٍ لأن يسرّع الحكم الجديد في سوريا لبناء أسس سوريا ديمقراطية آمنة لكافة السوريين؟
  • كيف سيتم التوافق والتناغم بين المشروعَين (الأمريكي والإسرائيلي) في الشرق الأوسط (الكبير – الجديد)؟ فكلّ منهما لديه نظرته لمستقبل المنطقة، وسوريا في قلبها؟ هل سيتم توسيع الدول والامتيازات والنفوذ، أم أنّه سيتمّ العمل على “فدرلة” المنطقة وتعميم نظام ديمقراطي لا مركزي، بحيث يكسب الجميع؟ وهل يسري ذلك على القضية الفلسطينية – الإسرائيلية، أم انّها تكمن في “حلّ الدولتَين”؟ فحتى لو تم الإعلان والاعتراف فإنّ الدولة الفلسطينية – المتقطعة الأوصال- غير قابلة للحياة موضوعياً وواقعياً، والخسائر الإسرائيلية كانت كبيرة؛ فبالرغم من الحرب التي أظهرت الدمار والمجاعة في غزة، إلّا أنّه لم يتمّ القضاء على حماس بالكامل، ويظهر مجدّداً “سرايا القدس” الجناح العسكري لـ “الجهاد الإسلامي” ويقوم ببعض العمليات والنشاطات.

الخلاصة:

في ضوء ما تقدّم؛ نستنتج أنّ جميع الحلول المطروحة بهدف حلّ مشاكل وقضايا وأزمات المنطقة تتطلّب في البدء التعاون بين حكومات دول المنطقة نفسها، وذلك من خلال حوارات وتفاهمات على الجغرافيا الطبيعية، واستغلال الموارد والممرّات الهامّة لصالح الجميع دون استئثار أحد على حساب الآخر؛ لكن ونتيجة الأطماع وصراعات النفوذ تحصل أزمات يصعب الخروج منها، وعلى الشعوب والمجتمعات الضغط على حكامها لاختيار الحلول السلمية بدلاً عن الحروب، والقيام  بتغيير العقلية (الذهنية) القديمة، ونبذ خطاب الطائفية والكراهية والتمييز الطبقي، ونشر فكرة قبول الآخر المختلف، وتطبيق الديمقراطية الحقّة بإحياء المجتمع الديمقراطي، ولن تتحقّق سوى بتشكيل الإدارات الذاتية الديمقراطية، والالتفات إلى التنمية الاقتصادية، والتوزيع العادل للثروات، وجعلها في خدمة الشعوب بدل الإنفاق العسكري – تركيا تصرّح أنّها أنفقت ترليونَي دولار في حربها على الكُرد – ولتحقيق السلام والحلول المستدامة من الأجدر أن يتمّ العمل على نشر الوعي والتعايش السلمي وإنعاش الاقتصاد البيئي والمجتمعي، والتحصين الداخلي في الدول، وترسيخ قيم الديمقراطية الحقّة، ابتداءً من تركيا ولبنان إلى سوريا فالعراق وفلسطين والأردن ومصر والسودان – التي أنهكتها الحرب الأهلية-… هذه الدول بحاجة لإعادة “ضبط سياساتها وتوازنها”، والكفّ عن الصراع على السلطة، بل جعلها جماعية، والخروجٍ الآمن من الأزمات هو البناء من جديد لأجل نهضة وتطوير ورفاهية المجتمعات، ولا ينحصر في الأجهزة العسكرية والقبضة الأمنية، بل في جوهر العلاقة التكاملية بين كافة المكوّنات، وبينها وبين حكوماتها. أمّا في الشأن السوري – وكما بيّنّا أنّها عقدة “الشرق الأوسط الجديد”- فالحلّ يكمن في صياغة دستور ديمقراطي جديد يضمن التعدّدية والمشاركة السياسية العادلة لكلّ مكوّنات البلاد، ومشاركة المجتمع المدني في عملية إعادة الإعمار وصنع القرار، وترسيخ مبادئ الحوار والسلم الأهلي، ويؤسّس لنظام لا مركزي يحترم الخصوصيات الثقافية والجغرافية لكلّ الأطياف، لأجل بناء سوريا موحّدة ديمقراطية.

 وأخيراً؛ يمكن القول إنّ غاية الشعوب هي تحقيق الأمن والأمان في أوطانها، وتكون كرامة الإنسان فيها هو الجوهر والغاية والمبتغى، فهل تنتظر وتعتمد على ما يفرضه الخارج؟ فقد رأينا ما فعلته الدولة القومية والتدخّلات من خلق أزمات خانقة، ولتعيش الشعوب والمجتمعات وكافة المكوّنات بسلام مع بعضها، ينبغي عليها التكاتف والقيام بمسؤوليتها التاريخية لمواكبة التطوّرات في العالم المتغيّر، وبناء الشرق الأوسط الجديد المبنيّ على الأمم الديمقراطية، وإزالة كافة الحدود الجغرافية والذهنية المصطنعة بينها، لتسود العدالة الاجتماعية في المنطقة عامة، دون إقصاء وتهميش الآخر المختلف، وليكن الحوار والتفاهم سيد الموقف؛ فالحروب – حيثما كانت – مكلفة للجميع، ولا بدّ لها من أن تنتهي بسلام مستدام، فموزاييك وتنوّع الشرق الأوسط، والعلاقات الأخوية التاريخية بين الجميع هي مصدر للغنى والتطوّر الحضاري كما كان عبر تاريخها المديد.

  • الهوامش

*هاري ترومان: هو الرئيس الأمريكي الذي اقترح مبادئ أمام الكونغرس في آذار/مارس/1947/ بعد الحرب الباردة، لمنع انتشار (الشيوعية والنفوذ السوفييتي)، وتشكيل تحالفات ومساعدة الدول التي تواجه تهديداً منها، والذي أدّى إلى تشكيل تحالفات عسكرية واقتصادية لمواجهة التهديد الشيوعي، والتدخّل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وخاصة في أوروبا.

* جورج مارشال: كان وزيراً لخارجية أمريكا، قدّم مبادرة إلى الولايات المتحدة عام/1948/ ونفّذت بعدها – لأنّها باتت صاحبة أقوى اقتصاد – لتقديم إعانات لدول أوروبا الغربية لترميم المدن وإحياء الصناعة، لدفع عجلة الاقتصاد المتدهورة فيها بعد الحرب العالمية الثانية، وإبقائها على ارتباط بها.

*النيوليبرالية: الليبرالية تعني التحرّرية، هي مذهب فكري وسياسي ينادي بالحرية المطلقة للأفراد والدول في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، دون التقيد بأحكام الدين، ونتيجة ذلك ظهرت أزمات اقتصادية رأت (النيوليبرالية) أنّه يجب أن تتدخّل الدولة لتحدّ من الفقر والفساد، بتوفير الضرورات المعيشية للفقراء والضعفاء وتأمين نظام ضمان اجتماعي، وتأمين الخدمات العامة، من خلال زيادة الضرائب على الأثرياء، والتدخّل في الأسواق عند الحاجة.

* ممر داوود: يعتبر المسلمون “داوود” نبياً، أمّا الإسرائيليون فيرون أنّه كان ملكاً على “مملكة إسرائيل الكبرى” /1011-971/؟ ق.م والتي كانت تشمل فلسطين وما حولها، وأنّه امتدّ حكمه مع ابنه “سليمان” حتى الفرات وشمال العراق، وتعمل إسرائيل على السيطرة عليها ولكن دون الإعلان عن ذلك، وهو مصطلح ظهر في الإعلام بكثرة في الآونة الأخيرة بعد حرب/7 أكتوبر في غزة، وسقوط النظام السوري، وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي “نتنياهو” قد تحدّث عن ارتباطه العميق بما وصفه بـ “حلم إسرائيل الكبرى”، وقال: أنا في مهمة تمتدّ عبر أجيال.

*القرار الأممي /2254/: هو القرار الذي صادق عليه مجلس الأمن بالإجماع، خلال جلسته في 18/ديسمبر، كانون الثاني /2015، والمستند إلى بيان جنيف/2012/ ، ومختصره: يدعو إلى وقف اطلاق نار فوري(بين المعارضة ونظام بشار الأسد) تليها عملية سياسية جامعة، والشعب السوري هو المخوّل الوحيد بتقرير مصير بلاده، والدخول في مفاوضات بين النظام السوري “البائد” والمعارضين له، تسيُّرها الأمم المتحدة، والتي من شأنها أن تنشئ حكماً ذا مصداقية وشاملاً وغير طائفي، وهيئة حكم انتقالي تسير في ظلالها انتخابات حرّة ديمقراطية لها كامل السلطات التنفيذية تحت إشراف الأمم المتحدة في غضون/6أشهر، بهدف تنفيذ عملية انتقال سياسي سلمي للسلطة، تنبثق عنها لجان لوضع دستور، وبناء الظروف لتأمين العودة الطوعية لللاجئين، والإفراج عن جميع المعتقلين. وقد أكّد مجلس الأمن على تنفيذ بنوده مجدّداً في جلسته المنعقدة بتاريخ 10/8/2025. حول سوريا وأحداث السويداء، وممّا جاء في بيانها: ضرورة اجراء عملية سياسية شاملة يقودها السوريون، والتمسّك بمبادئ القرار الأممي /2254/ الصادر عام/2015/ وحماية حقوق السوريين كافة بغض النظر عن انتمائهم العرقي أو الديني، وتم التشديد على أن تلبّي هذه العملية السياسية التطلّعات المشروعة للسوريين قاطبة، وأن تحميهم جميعاً وتمكّنهم من تقرير مستقبلهم على نحو سلمي مستقلّ وديمقراطي، وذلك تحت إشراف الأمم المتحدة وبالتعاون مع مبعوثها “غير بيدرسون”. (يبدو أنّ القرار الأخير جاء بعد فشل الرئيس المؤقّت “أحمد الشرع” في استتباب الأمن وقيادة البلاد نحو مرحلة انتقالية ديمقراطية آمنة).

*الميثاق الملّي: والمعروف أيضاً بـ (الميثاق الوطني، ميثاق الأمة)، وهو مجموعة قرارات اتّخذها مجلس المبعوثان العثماني الأخير في إسطنبول بتاريخ 28/شباط/1920يمثل هذا الميثاق الدستور الرسمي السياسي لحرب الاستقلال، ومن أسس الدولة التركية القومية الجديدة، وحدّد حدود تركيا وفقاً لمبادئها، وهي المطالبة بأحقيتها في الشمال السوري والعراقي، بدءاً من حلب ومروراً بالموصل وحتى كركوك، لكن اضطرّت إلى التنازل عنها في معاهدة “لوزان1923”. أول مرّة يشير فيها الرئيس التركي “أردوغان” إلى “الميثاق الملّي” خلال شهر/أكتوبر/1916عندما استُبعدت تركيا من حملة قادتها أمريكا لتحرير الموصل من “داعش”، وذكَّره مجدداً شريكه في الحكم” دولت بخجلي” أثناء “تحرير” حلب من النظام السوري على يد “هيئة تحرير الشام” في نهاية عام/2024/.

* دول البريكس: هو تجمّع اقتصادي وسياسي لدول تحمل حروفها للدول المؤسسة لها، تهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي، في مواجهة الهيمنة الغربية، والعمل على نظام عالمي أكثر توازناً وعدالةً، وتقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي، عقدت أول اجتماع لها في روسيا عام/2009/، مؤلّفة من عشر دول وهي: (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب أفريقيا، أثيوبيا، مصر، الإمارات العربية المتحدة، مصر، السعودية)، والتي تضمّ قرابة نصف سكان العالم.

المصادر

  • مجدي عبد الحميد – موقع (فكر تاني) – مارس/2025
  • نفس المصدر
  • د. محمد الحوراني (استقلال سورية بين الكتلة الوطنية والثورات الوطنية 1927-1946) الناشر: دار بعل للطباعة والنشر والتوزيع – الطبعة الأولى 2022
  • عبد الله أوجلان (الدفاع عن شعب) – الوضع الراهن في الشرق الاوسط والمستجدات المحتملة – ترجمة زاخو شيار- تاريخ الطبع /شباط/2005
  • شاكر أليساوي (قراءة في الوضع العربي والدولي) – دار المنارة – بيروت 1999
  • وكالة (إرم نيوز) 5/3/2025
  • (سكاي نيوز عربية28/سبتمبر/2024)
  • روسيا اليوم RT rt.com 29نيسان/2025
  • عبد الله أوجلان – مانيفيستو الحضارة الديمقراطية- المجلد الخامس- (القضية الكردية وحل الأمة الديمقراطية) – حل العصرانية الديمقراطية في أزمة الشرق الأوسط – ترجمة من التركية: زاخو شيار- ط/5 – مطبعة الشهيد هركول – 2023
  • Wikipedia

* الشرق الأوسط: هو مصطلح أطلقه الغرب، تشمل الجغرافيا الممتدة من مراكش إلى الصين، وتضم تركيا أيضاً، ومن أوراسيا والبلقان إلى الصين…

[1] الشرق الأوسط الكبير: هو مصطلح سياسي تم طرحه كمقترح في مارس آذار /2004 في بحث نشرته مؤسسة “كارنيجي” الأمريكية، هو مخطط متداخل تهدف إلى إعادة تشكيل وهيكلة المنطقة العربية إضافة إلى (تركيا، إيران، أفغانستان، باكستان)، وحتى أندونيسيا وبنغلادش ودول آسيا الوسطى والجمهوريات الإسلامية في الاتحاد السوفييتي المنحل، ودعا إلى تغيير جذري في طريقة تعامل أمريكا والغرب مع تلك المناطق إضافة إلى شمال أفريقيا. وتشمل الممرات المائية والطرق التجارية…

*الشرق الأوسط الجديد: هو مشروع أظهرته وزيرة الخارجية الأمريكية (كوندوليزا رايس) أثناء حرب إسرائيل على لبنان/2006/، وذلك من خلال نظرية “الفوضى الخلّاقة”، وجدّده الرئيس “ترامب” منذ ولايته الأولى أثناء توقيع “اتفاقية التطبيع” بين إسرائيل والإمارات العربية والبحرين، في سبتمبر/2020/، تهدف إلى تشكيل الخارطة الجيوسياسية للشرق الأوسط، بما يخدم إسرائيل وأمريكا، وذلك عن طريق الإسلام السياسي المعتدل بقيادة الاخوان المسلمين. وصرّح به أيضاً مراراً رئيس الوزراء الإسرائيلي “نتنياهو” بعيد الحرب في غزة ولبنان في نهاية /2024/…

الفوضى الخلَّاقة: هو مصطلح سياسي يقصد به إحداث فوضى متعمّدة في البلاد التي لا تنصاع للسياسة الأمريكية، بقصد نشر الديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية لمواجهة الدول الاستبدادية والإرهاب الإسلامي الراديكالي، يُعَدّ المستشرق البريطاني (برنار لويس) أول من دعا إلى الفوضى الخلّاقة في الشرق الأوسط والعالم العربي، ثم جدّدته (كوندوليزا رايس) وزيرة الخارجية الأمريكية بُعَيد الحرب على العراق ولبنان /2005- 2006/ وادّعت أنّ نظرية “الفوضى الخلّاقة” أصبحت أولوية للسياسة الخارجية الأمريكية.

زر الذهاب إلى الأعلى
RocketplayRocketplay casinoCasibom GirişJojobet GirişCasibom Giriş GüncelCasibom Giriş AdresiCandySpinzDafabet AppJeetwinRedbet SverigeViggoslotsCrazyBuzzer casinoCasibomJettbetKmsauto DownloadKmspico ActivatorSweet BonanzaCrazy TimeCrazy Time AppPlinko AppSugar rush
amavi5d sesetoto situs slot titi4d Situs Slot Toto Slot Situs Toto Situs Slot Situs Toto sontogel idrtoto akuntoto situs slot slot gacor situs slot leon188 naruto 88 Wikatogel babe138 slot login slot deposit pulsa tanpa potongan toto slot situs toto toto togel https://id.desapujonkidul.net/ toto togel toto togel toto slot titi4d karatetoto situs gacor situs toto toto slot situs toto toto slot toto slot toto slot ollo4d Jinhoki slot deposit 1000 gaib4d situs toto slot gacor Toto situs toto sontogel hantutogel naruto 88 situs slot gacor maxwin sontogel slot deposit 1000 gaib4d ilmutoto https://sulebet.org/ toto togel link agustoto situs toto slot 4d slot88 agustoto login togel 4d dewadora login https://one-up-life.com/cn/ dewadora login toto slot okewin agustoto login situs toto link toto slot dewadora login paten188 okewin slot togel 4d agustoto login toto slot lurus4d toto slot mayorbet kiostoto angker4d mayorqq situs toto slot gacor hari ini toto ib88 situs toto situs togel slot gacor toto toto slot toto sbctoto https://injectcare.com/ situs toto link slot situs toto toto slot rp888 situs slot gacor maxwin https://es.sumal.com/ CONGOR4D situs toto togel slot PEWE4D toto slot https://toto228.com toto slot toto slot situs toto dewadora login situs toto situs toto cheat slot dentoto RP888 toto