حزب العمّال الكردستاني تاريخٌ حافلٌ بالكفاح
وليد محمد بكر

حزب العمّال الكردستاني تاريخٌ حافلٌ بالكفاح
نهاية مرحلة وبداية أُخرى
لمحة تاريخية:

الشعب الكردي الذي يعيش على أرضه التاريخية منذ آلاف السنين في بلاد ما بين النهرين (ميزوبوتاميا) وما حولها، صدّ الغزوات والهجمات الاحتلالية من قبل القوى المحلية والعالمية، طمعاً بثروات أراضيه ومكانته في جغرافيا استراتيجية حساسة تربط أفريقيا بآسيا وأوروبا، شهدت أراضيه صراعات طويلة بين الرومان والفرس، وبين العثمانيين والفرس الصفويّين، والعثمانيّين والروس، وكان لهم دور فاعل فيها، وأنشؤوا العديد من الإمارات شبه المستقلة.
ولما اشتدّ الظلم على الكرد أعلنوا العديد من الثورات والانتفاضات ضدّ الحكومات الإيرانية والعثمانية –التركية. كان للحرب العالمية الأولى /1914-1919/م. تأثير كبير على الشرق الأوسط؛ فبعدما امتدّ الحكم العثماني للمنطقة لمدة/400/عام انتهج العثمانيون خلاله سياسة التتريك والصهر والإبادة بحقّ كافّة الشعوب. تزايدت الاحتجاجات ضدّ ظلم حكم العثماني وأصبح الجوّ مهيّأً للقيام بثورات عارمة ضدّ الوجود العثماني، بدأها الكرد منذ عام /1800/م. (البابان، البدرخانيون…). وقيام الثورة العربية الكبرى/1916/م. ليتمّ طرد العثمانيين من البلاد العربية نهائياً عام/1918/م. ولكن كان الانكليز والفرنسيون يخطّطون لتقسيم المنطقة بينهم وتشكيل دول صغيرة، من خلال اتفاقية (سايكس – بيكو) /1916/م.، ولم تنفّذ اتفاقية (سيفر/1920) لمنح الكرد حكماً ذاتياً ليتمّ التغاضي نهائياً عنها في اتفاقية جديدة نهائية سُمّيت باتفاقية “لوزان” بسويسرا عام /1923/م. إرضاءً لتركيا التي تنازلت عن مطالبتها بالموصل وكركوك، لتتعهّد بالحفاظ على حقوق باقي القوميات في تركيا؛ فتمّ بموجبها تقسيم كردستان – العثمانية – بين الدول الحديثة (تركيا والعراق وسوريا).
خلال دراستنا التحليلية هذه سنسعى لإلقاء الضوء على أوضاع المنطقة في التاريخ القريب، وظروف ظهور حركة حرية كردستان العصرية المتمثّلة بـ(حزب العمال الكردستاني) لكسب حقوق الشعب الكردي عبر التغيير الديمقراطي في تركيا والمنطقة، سنتطرّق إلى تاريخه النضالي من التأسيس ومروراً بانطلاقة الكفاح المسلّح ووقف إطلاق النار من جانب واحد لعدّة مرات، لفتح المجال للحلّ السلمي. كما سنتطرّق لسبب وكيفية حدوث عملية خطف وأسر قائد حزب العمال الكردستاني (عبد الله أوجلان). وأصداء وتداعيات (رسالة السلام والمجتمع الديمقراطي) الأخيرة التي أطلقها. وماهي أفكاره حول ذلك؟ ماهي الأمور التي دفعت بالحكومة التركية إلى تقبّل فكرة الحلّ السلمي بعد عقود من الإنكار وحملات الحرب والقتل والتهجير؟ كيف بدأت (مرحلة السلام) الأخيرة والتي أظهرت القضية الكردية للعلن من جديد وضرورة حلّها بالسياسة والقانون والحقوق وباتت حديث الساعة؟ كيف كانت ردود الفعل الدولية والسياسيين وقيادة حزبه- PKK- والحكومة التركية؟ وفي النتيجة سنحلل ونتساءل: هل ستنجح هذه العملية كما نجحت مثيلاتها في أماكن أخرى؟ فمثلاً: اتفاقية (الجمعة العظيمة) للسلام عام /1998/ بين إيرلندا الشمالية وبريطانيا أنهت حرب الثلاثين عاماً؟ وكذلك اتفاقية السلام بين حكومة كولومبيا وحركة (فارك) الثورية، والتي أنهت أكثر من نصف قرن من الحرب والتي أدّت إلى أكثر من /300/ ألف بين قتيل ومفقود و/6/ملايين نازح، بعد مفاوضات طويلة بين عامي /2012- 2016/. واتفاقية (السلام الوطني) عام /1991/ في جنوب أفريقيا، بإنهاء نظام الفصل العنصري وإرساء أسس الديمقراطية وحصول كل من المناضل (مانديلا) و(ديكليرك) آخر رئيس لنظام الفصل العنصري عام /1993/ على جائزة نوبل للسلام مناصف؟ ماهي المعيقات المحتملة؟ وإلى أين ستسير عملية السلام هذه؟ وما هو المطلوب أن يتم العمل عليه من كافة الأطراف كي تنجح؟ وما هي السيناريوهات المتوقّعة؟
أولاً: الأوضاع والظروف التي كانت محيطة بالمنطقة
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية عام /1945/ انقسم العالم إلى معسكرين: المعسكر الاشتراكي الذي عمل على نشر الأفكار الاشتراكية ودعم حركات التحرّر الوطنية، أمّا المعسكر الرأسمالي، وبحجّة الدفاع عن الحريات والديمقراطية، فيقوم بدعم الأنظمة الدكتاتورية والانقلابات العسكرية، وتشتدّ الحرب الباردة بينهما؛ فتأثّر العالم جراء هذا الصراع: اشتداد الصراع العربي – الإسرائيلي، خاصة بعد إعلان دولة إسرائيل عام /1948/م. وقيام الفصائل الفلسطينية بالمقاومة ضدّ الاحتلال الإسرائيلي، وانتشار حركات التحرّر الوطنية في الشرق الأوسط، في تركيا ساهم الكرد في إنشاء وقيادة تنظيمات شبابية يسارية، وإقامة علاقات مع حركات التحرّر في العالم مثل (الفصائل اليسارية في فلسطين).
في الشأن الكردستاني: بعد تأسيس الجمهورية التركية عام /1923/ برئاسة (مصطفى كمال أتاتورك حتى 1938) وإعلان انتهاء السلطنة العثمانية، استندت إلى الاعتماد على هوية قومية أحادية، وفرض الثقافة التركية على جميع شعوب تركيا ومكوّناتها بالقوة، وبدأت الدولة التركية بتطبيق أشدّ وأعنف أساليب الإبادة والصهر والتهجير بحقّ الشعب الكردي، وخاصة بعد الانتفاضات العديدة، فمارست حكوماتها المتعاقبة سياسة محاربة تطلّعات الشعب الكردي في الأجزاء الأربعة؛ فأصبح الكردي يستحي ويشمئزّ من هويته، فلا يتكلّم الكردية حتى في بيته، وعقد النظام التركي اتفاقات ومعاهدات مع الدول المحتلّة لكردستان وغيرها.
بعدما يئس الكرد من نتائج مؤتمر “لوزان” أعلنوا عدّة ثورات وانتفاضات انتهت كلّها بالفشل نتيجة استخدام القوة والعنف المفرط من قبل الدولة التركية، والتي أعلنت أنّ “كردستان” دُفنت وتم صب الأسمنت عليها، ووصف الكرد بأتراك الجبال. وبعد سقوط جمهورية مهاباد /1946/ شرق كردستان، وانهيار ثورة الملا مصطفى البارزاني /1961-1975/ إثر اتفاقية الجزائر، حينها قطع الشعب الكردي الأمل في الخلاص، وبات في سبات الموت البطيء.
في ستينات وسبعينات القرن الماضي ظهرت في تركيا حركات اشتراكية قادها طلاب ومثقّفون (أتراك وكرد وغيرهم) ضدّ الأحزاب والحكومات التي انبثقت عن “جمعية الاتحاد والترقّي”، ذات الفكر القومي التركي، والتي انضمّت إلى الحلف الغربي و”الناتو”، لمواجهة المدّ الشيوعي، لكنها إمّا أن قُمعت أو دُجِّنت ولم تستطع – الحركات اليسارية- مجابهتها وخاصة بعد الانقلابات العسكرية في (1960-1971-1980)، إلى أن ظهرت بينها شخصية كردية باسم (عبدالله أوجلان) الذي جمع حوله عدداً من الطلاب الجامعيين ذوي (الفكر اليساري الاشتراكي) من كرد وغيرهم، والذين اقتنعوا أنّه لا بدّ من تغيير الحكم في تركيا من خلال نشر الديمقراطية لأجل منح شعوبها الحرية والعدالة، وأكّدوا أنّه لا يمكن أن تعمّ الديمقراطية في تركيا دون أن ينال الكرد حقوقهم؛ فبدأت حركتهم بجملة (كردستان مستعمَرة) منذ عام/1973/ من أنقرة.
ثانياً: ظهور حزب العمال الكردستاني (PKK) ومسيرته النضالية
بعد أن دبّ اليأس في نفوس الشعب الكردي من الخلاص، وخاصة أنّ الأحزاب الكردية ذات الطابع القومي الكلاسيكي لم تقدّم لهم شيئاً، ولا الأحزاب اليسارية والاشتراكية والتي كانت قد قوّضت بشكل تام، وكانت الانقلابات العسكرية تضع حداً للإصلاح الديمقراطي وتقمع كلّ تطلّع إلى الحرية والديمقراطية، فكان لا بدّ من ظهور (حزب العمال الكردستاني) الذي اعتمد منحىً جديداً في الاشتراكية وحركات التحرّر الوطني، بنقد الاشتراكية “المشيدة” والرأسمالية المتوحّشة ومجريات التاريخ الظالم ضدّ الكرد وجميع الشعوب المضطهَدة، وتوصّل لقناعة أنّه لا بدّ من إنقاذ المجتمعات من براثن الرأسمالية وصنيعتها الدولة القومية، والوصول إلى حق تقرير المصير للشعب الكردي، بنضال أمميّ (قوميّ- طبقيّ)، وعندما جوبه أصحاب هذه الأفكار بالعنف والملاحقة اضطروا لتنظيم أنفسهم، وأعلن مجموعة من كوادره المتقدّمة الحزبَ في 27/11/1978/ واختاروا (عبدالله أوجلان) قائداً لهم.
- الانقلاب العسكري وأحكام الطوارئ: بعد الانقلاب العسكري في 12/أيلول /1980بقيادة الجنرال كنعان إيفرين، أعلن حالة الطوارئ، فتم قتل الآلاف من المعارضين وصفت بـ(فاعل مجهول) بشكل عام، كما تمّت ممارسة أشد أنواع العنف ضدّ المدنيين، وملاحقة أنصار الحزب خاصة؛ ممّا اضطرّ بعض كوادره للخروج إلى لبنان – عند المنظمات الفلسطينية والالتحاق بقائدهم “أوجلان” لإعادة التنظيم والتدريب. وتم اعتقال بعض كوادره وعُذّبوا في السجون، فاضطرّ بعضهم إلى اختيار طريق الاستشهاد للتعبير عن أنّهم لن يستسلموا وأنّهم لا يهابون الموت، بحرق أنفسهم أو الاضراب عن الطعام حتى الموت في سجن “آمد” وذلك عام /1982/ عرف ذلك بـ “مقاومة السجون”.
- انطلاقة الكفاح المسلّح: نتيجة ممارسة العنف الكبير من قبل الطغمة العسكرية، ونتيجة ممارسة أشدّ أنواع التعذيب الجسدي والروحي بحق السجناء، واضطهاد المدنيين العزّل، تم اتّخاذ قرار العودة للوطن والبدء بالكفاح المسلّح، من خلال المؤتمر الثاني المنعقَد عام /1982/ فكانت الانطلاقة في15/آب /1984/ ببضع عشرات من المقاتلين، يقودهم الشهيد معصوم قورقماز (عكيد)، ليتعاظم عديدهم فينتسب الآلاف من الشباب والشابات إليهم في الجبال.
- الإعلان عن وقف اطلاق النار : بعد عشر سنوات من الحرب مع كافة أنواع وفئات الجيش التركي الذي استخدم أحدث الأسلحة الثقيلة ضدّهم، قوبلت ببطولات كبيرة من قبل جيش التحرير الشعبي الكردستاني وانتفاضات شعبية عارمة بدءاً من /1990/ وبعدها ضدّ ممارسات النظام الحاكم، حتى وصل قائد الحزب “أوجلان” إلى قناعة أنّ الثورة وصلت إلى حالة من التوازن مع الحكومة، وأنّ استمرار الحرب والمآسي غير مجدٍ ولا بدّ من الانتقال إلى مرحلة أخرى من النضال؛ فتم الإعلان عن وقف إطلاق النار من جانب واحد في 17/آذار/1993/، بعد تبادل رسائل حول ذلك مع رئيس الحكومة التركية آنذاك (تورغوت أوزال)، بوساطة المرحوم “جلال الطالباني”، لكن تجّار الحروب والدولة العميقة أفشلته باغتيال “تورغوت أوزال” وبعض القادة العسكريين، وكذلك فشل الإعلان في المرة الثانية /1995/ والثالثة /1998/ في عهدي”نجم الدين أربكان- مسعود يلماز”.
- محاولة الاغتيال والمؤامرة الدولية ضدّ عبد الله أوجلان: طيلة سنوات الحرب لم تترك الحكومات التركية أسلوباً في الحروب إلّا واستخدمته، وذلك من خلال أحدث التقنيات العسكرية وبدعم غير محدود من حلف الناتو وإسرائيل، بارتكاب العديد من الجرائم والأسلحة المحرّمة دولياً، واستخدام جميع أنواع الحروب الخاصة، وحرق القرى والتهجير؛ فارتأت أنّه لو تم تفتيت الحركة من الداخل أو تمّ اغتيال قائدها “عبد الله أوجلان” فسوف ينتهي “التمرّد” كما يدّعيه، وخاصة محاولة الاغتيال في 6/5/1996بدمشق، وعقدت اتفاقات مع النظام العراقي البائد، و اتفاقية أضنة /1998/م. مع سوريا إثر الضغط التركي وخلفها أمريكا (الحلف الأطلسي) على سوريا لأجل إيقاف دعم سوريا لحزب العمال الكردستاني، حتى تم التخطيط لمؤامرة اختطافه في قرصنة دولية من نيروبي، عاصمة كينيا، في 15/2/1999 وبعد محاكمة صورية تم الحكم عليه بالإعدام وحُوّل إلى سجن مدى الحياة عام /2002/م.
- مبادرات أخرى للسلام وخارطة طريق: لقد تم إفشال المؤامرة حين تصرف السيد “أوجلان” بحكمة، ودعا لتغيير نهج واسم الحزب، وأطلق مبادرة سلام جديدة، كما دعا لوقف إطلاق النار (من جانب واحد)، لكن الحزب استأنف عملياته العسكرية في حزيران /2004/ نتيجة العنف المقابل من الدولة، وعندما صرّح أردوغان في “آمد-دياربكر” عام /2005/ بأنّه” يعتبر القضية الكردية قضيته” وأنّه سيحلّها، لم يتوانَ حزب العمال الكردستاني عن إعلان وقف إطلاق النار أيضاً وإجراء مفاوضات سلام، ولم تتجاوب الدولة واعتقلت العديد من السياسيين والإعلاميين، ولم تتّخذ الحكومات التركية خطوات هامّة في تحقيق المطالب الكردية؛ كالاعتراف بهوية الكرد ولغتهم وممارسة حريتهم السياسية، لكن الدولة التركية مارست سياستها السابقة في الإنكار. في السجن طرح السيد (أوجلان) عدّة مبادرات سلام؛ منها “خارطة طريق عام/2009” لحلّ القضية الكردية في تركيا، ولإظهار حسن النية دعا أنصاره لعودة مجموعات السلام (عسكرية ومدنية) إلى الوطن، لكن تم اعتقالهم ومحاكمتهم، وبعد اعتقال رؤساء البلديات المنتخبين وزجّ قادة حزب (DTP) في السجون في 1/حزيران/2010 وبعد تصريح السيد “أوجلان”: “أنّه انعدمت شروط النضال السياسي الديمقراطي”. وانسحب منه، أصدرت قيادة (PKK) بياناً للرأي العام أوضحت فيه: أنّ استراتيجية النضال السياسي الديمقراطي قد انتهت، وأكّدت أنّ حلّ القضية الكردية يرتبط بالديمقراطية الذاتية القائمة على أساس ” حرب الشعب الثورية”.
دخلت قيادة (AKP) في مأزق ضيّق نتيجة عمليات المقاومة وخاصة في (زاب، أورامار، آفاشين)، أرسلت وفداً إلى “إمرالي” طلبت من “أوجلان” وقف لإطلاق النار لأجل اجراء استفتاء على دستور جديد، فأعلن الوقف في الفترة بين 13/آب- 20/أيلول /2010 فالتزم الحزب، به لكن قيادة (PKK) اتّخذت موقفاً اتجاه التغيير في الدستور الأساسي ودعا إلى المقاطعة، ووافقت على البروتوكول الذي قدّمه قائده حسب نتائج اللقاءات بين (AKP) و (PKK)، وبالرغم من جميع الضغوطات أجّل “أردوغان” قراره إلى ما بعد انتخابات 12/حزيران/2011.
- مفاوضات أوسلو: استُكمِلت المفاوضات مجدّداً عام /2012 في أوسلو بالنرويج؛ أودت إلى إرسال رسالة سلام من “أوجلان” إلى نوروز آمد/2013/ وتشكيل لجنة الحكماء بعدها، وتابعت حوارات السلام في أوروبا /2015/ وتم اتفاق (“دولمة بخجة” ببنوده العشرة المقترحة من السيد أوجلان). لكن تظل القوى المهيمنة والدولة العميقة تُفشل جميع مساعي السلام والانفتاح في إغلاق الأحزاب السياسية المقرّبة من الكرد واعتقال قياداتها – حتى البرلمانيين – والآلاف من أعضائها وعزل رؤساء البلديات المنتخبين.
وكانت الدولة التركية تتعامل من القضية بشكل تكتيكي وتتّخذ من التقرّب من الكرد أحياناً لأجل الفوز في الانتخابات أو الإظهار بأنّها لا تعارض السلام وأنّها دولة ديمقراطية، وقامت منذ أكثر من أربع سنوات بقطع اتصال قائدهم – في الجزيرة النائية – مع الخارج ووضعه بالعزلة ضمن العزلة؛ وذلك للضغط عليه ليعلن الاستسلام مقابل تحسين وضعه، حيث يصف السيد أوجلان السجن بأنّه “كالتابوت”.
ثالثاً: مبادرة السلام الأخيرة، كيف بدأت ولماذا بهذا التوقيت؟
- مبادرة “بخجلي” المفاجئة: بدأت بقيام زعيم الحركة القومية التركية (MHP ) السيد “دولت بخجلي” بخطابه في البرلمان أمام نواب حزبه في/22/10/2024م. وطرح فيها مبادرة فاجأ بها جميع المراقبين بأن دعا لأن يأتي “أوجلان” ويخاطب نواب حزب ((DEM في البرلمان، ويدعو أعضاء حزبه إلى ترك السلاح والاستسلام للدولة، حينها يمكن منحه حق الأمل. فبعد أن يئس التحالف الحاكم في تركيا بين حزب العدالة والتنمية (AKP) وحزب الحركة القومية (MHP) من القضاء على حركة حرية كردستان، وبعد قيامه باستخدام كافة الطرق وأساليب الحرب غير الشرعية، لتصبح تركيا تعاني من عزلة دولية وتقع في أزمات داخلية وخارجية لاستهلاكها كافة قواها في تلك الحرب؛ حيث قامت بتحالفات دبلوماسية واقتصادية براغماتية متناقضة كي تجعل من نفسها قوة إقليمية في المنطقة، وهناك تأثير الحرب في غزة ولبنان على المنطقة، وتناقضات الدولة التركية في إعلان دعمها للفلسطينيين في غزة وبنفس الوقت لا تقطع علاقاتها بإسرائيل. لكن لفشلها في القضاء على قوات حركة حرية كردستان وتقويضها وإنهاء إقليم “الإدارة الذاتية الديمقراطية” في شمال وشرق سوريا – المعلن منذ/2014/- وتطوّرات الحرب بين إسرائيل وإيران وإمكانية تغيير خارطة المنطقة كما أعلنها “نتنياهو” رئيس الوزراء الإسرائيلي، تسارع تركيا لإقامة التحالفات في المنطقة للحؤول دون أن يمسها التغيير، وكانت تعمل المستحيل للقاء الرئيس السوري بشار الأسد، وكان يأمل ذلك حتى اللحظات الأخيرة قبل سقوطه، لأجل حماية وإنقاذ حكومته المتضعضعة، ولم تنفع اللقاءات مع القادة الجدد في دمشق بعد سقوط نظام بشار الأسد، ولا دعمه لمرتزقة الجيش الوطني في العبور إلى شرق الفرات من بوّابة سد تشرين، ولم يبق اليوم أمامه سوى العودة للورقة الكردية للإنقاذ. يبدو أنّ التخوّف التركي شديد من تغيير الواقع الاستراتيجي في المنطقة والتي هي مقبلة على تشكيل خارطة الشرق الأوسط بعد مئة عام من لوزان، وكذا أمريكا ودول الناتو وإسرائيل منزعجة من تصرّفات تركيا المناقضة لمصالحها، في التعامل مع إيران و روسيا المعاديتين لأمريكا والغرب عموماً، ودعمها الواضح لتنظيم داعش. فالهدف من مبادرة السلطة التركية الحاكمة هي سد الطريق أمام التدخّل الغربي والأمريكي – الإسرائيلي في المنطقة، واستخدام القضية الكردية كعنصر ضغط عليها، في إعادة تشكيل المنطقة من جديد، وخاصة بعد التطوّرات في غزة ولبنان وسوريا، وخروج إيران وروسيا من المنطقة.
- ردّ السيد “أوجلان”، وموقف قيادة حزبه من الدعوة: جاء ردّ أوجلان بعد لقاء مع ابن أخيه عمر أوجلان حيث قال:” إذا توفرت الظروف المناسبة فلديّ القدرة على تغيير التطوّرات الجارية إلى أرضية حقوقية سياسية، لدي القدرة النظرية والعملية في ذلك، أستطيع طرح الطريق (الأسلوب) وأستطيع جلب رفاقي إلى العمل السياسي”.(1) كما تجاوب السيد مراد قرة يلان الرئيس المشترك لمنظومة المجتمع الكردستاني (KCK) مع رسالة قائده؛ حيث قال: ” أعلنّا رسمياً أنّنا سندعم العملية التي سيطوّرها القائد “آبو” وإنّ حركتنا وحزبنا سيعتمدان على القائد “آبو”، ولديهم إيمان قوي ولا توجد مشكلة لدينا في هذا الصدد”.(2)
مساعي حزب (DEM) الهامة، في نقل رسائل إمرالي والعمل بنشره: قامت قيادة حزب السلام وديموقراطية الشعوب (DEM) بلقاء السيد أوجلان في سجن إمرالي عدّة مرّات، وبعد لقائه بالأحزاب السياسية والبرلمان ودوائر مختلفة والسياسيين المعتقلين من حزبهم، قالت عضوة الوفد (بروين بولدان):” إنّ اللقاء يُعدُّ خطوة تاريخية، وأنّ البلاد تشهد مرحلة تاريخية، وينبغي على جميع الأطراف أن تتصرّف بشكل مسؤول للغاية في هذه المرحلة”. كما تم إجراء لقاءات مع أطراف عديدة في جنوب كردستان، وتم التصريح بأنّه كانت جميع المواقف إيجابية، ولحل القضية يجب قبل كل شيء إلغاء العمل بالدستور الذي يعمل على إنكار الآخرين ويخلق نظاماً غير ديمقراطيّ، ويجب العمل على بناء حلّ لامركزيّ، والحلّ الوحيد الذي ظهر هو بناء أسس الديمقراطية والسلام مع جميع الشعوب. وصرّح وفد (DEM):” بأنّ القائد “آبو” واضح في موقفه حيال شعوب تركيا وشعوب الشرق الأوسط والحل الديمقراطي للقضية الكردية، فيجب ألّا نضيّع هذه الفرصة التاريخية، يجب أن يقوم البرلمان بمسؤولياته، ولا بدّ من تحسين ظروف عمل السيد أوجلان ورفع العزلة عنه وتوفير الرعاية الصحية له، ويجب إطلاق سراحه على الفور، وأنّ سحب تركيا إلى أرضية الديمقراطية هو الحلّ الوحيد لإنقاذها من الأزمات”.
رابعاً: رسالة السلام والمجتمع الديمقراطي
بعد زيارة وفد “إمرالي” مرة أخرى واللقاء بالسيد “أوجلان”(3) الذي استمر لمدّة/4/ ساعات تم نشر الرسالة المنتظرة في 27/شباط/2025/ بمؤتمر صحفي، وكانت تحت عنوان (السلام والمجتمع الديمقراطي)، وممّا جاء فيها:
- “ظروف تأسيس حزب العمال الكردستاني في عصر الحرب الباردة في العالم، وفي هذه البيئة كان السائد إنكار الحقيقة الكردية وحظر الحريات وخاصة حرية الفكر.
- أثّر نظام الاشتراكية المشيّدة في ذلك القرن على البيئة التي نشأ فيها حزب العمال الكردستاني، من حيث النظرية والبرنامج والاستراتيجية والتكتيكات. وفي أعوام التسعينيات من القرن العشرين، ونتيجة لأسباب داخلية مثل انهيار الاشتراكية المشيّدة، وانهيار إنكار الهوية في البلاد، وتطوّر حرية الفكر، تجاوز حزب العمال الكردستاني معناه وأصبح يكرّر نفسه بشكل متزايد. لذلك، ومثل غيره، وصل إلى نهاية عمره، وهناك حاجة إلى فسخه.
- إنّ الدول القومية على اختلافها، والاتحادات الفيدرالية، والاستقلال الإداري، والحلول الثقافية التي هي النتيجة الضرورية للقوموية المتطرّفة، لا يمكن أن تكون استجابة لعلم اجتماع المجتمع التاريخي.
- إنّ احترام الهويات وحرية الفكر والتنظيم الديمقراطي والبناء الاجتماعي – الاقتصادي والسياسي لجميع المكوّنات، ممكن فقط بوجود مجتمع وفضاء سياسي ديمقراطي.
- يجب أيضاً تطوير لغة عصر السلم والمجتمع الديمقراطي بما يتوافق مع هذه الحقيقة.
- إنّ الدعوة التي أطلقها السيد دولت بهجلي، والإرادة التي أظهرها السيد رئيس الجمهورية، والمقاربات الإيجابية للأحزاب الأخرى، خلقت هذه العملية، وأنا أدعو أيضاً إلى نزع السلاح في هذه العملية، وأتحمّل المسؤولية التاريخية عن هذه الدعوة”.
ووجه الدعوة لأعضاء حزبه قائلاً: “كيف أنّ كل مجتمع وحزب معاصر لم يُنهَ وجوده بالقوة، فيجب عليكم أيضاً أن تعقدوا مؤتمركم طواعيةً وتتّخذوا القرارات؛ يجب على كلّ المجموعات أن تلقي أسلحتها، وعلى حزب العمال الكردستاني أن يفسخ نفسه”.
هذه الرسالة لاقت صدىً كبيراً لدى جميع الأطراف المعنية وكذلك المجتمع الدولي، وتم الترقّب في ردّ قيادة حزب العمال الكردستاني على نداء قائدهم.
سادساً: أهم قرارات ومخرجات المؤتمر/12/ لحزب العمال الكردستاني
انعقد المؤتمر الطارئ ال/12/ لحزب العمال الكردستاني بين /5-7/ من شهر أيار الماضي، وقد تم الإعلان عنه في 12/ أيار ، من قبل ديوان المؤتمر(4) وجاء فيه: ” عُقد مؤتمرنا في ظل ظروف صعبة… ناقش المؤتمر قضايا القيادة، والشهداء، والمحاربين القدامى، والوجود التنظيمي للحزب، وأسلوب النضال المسلح، وبناء المجتمع الديمقراطي، واتخذ قرارات تاريخية تعبر عن دخول حركة الحرية لدينا إلى مرحلة جديدة… قيّم المؤتمر الاستثنائي الثاني عشر للحزب أن نضال الحزب قد حطّم سياسات الإنكار والإبادة ضدّ شعبنا، وأوصل قضية الكرد إلى نقطة الحل عبر السياسة الديمقراطية، وبهذا الشكل أكمل الحزب مهمته التاريخية، وعليه؛ قرّر المؤتمر حل الهيكلية التنظيمية للحزب وإنهاء أسلوب النضال المسلّح، بإدارة وتنفيذ هذه العملية من قبل القائد أوجلان، وبالتالي؛ إنهاء الأعمال التي تُجرى باسم الحزب”. وتطرّق البيان إلى أنّ ” القائد (أوجلان) تبنّى منظور الوطن المشترك وجمهورية تركيا الديمقراطية التي يشكّل فيها الشعبان الكردي والتركي عناصر تأسيسية، وفهم الأمة الديمقراطية كإطار لحل قضية الكرد. أظهرت الانتفاضات الكردية خلال تاريخ الجمهورية، والديالكتيك التاريخي للعلاقات الكردية-التركية على مدى ألف عام، ونضال القائد لمدة 52 عاماً، أنّ حل قضية الكرد يكمن في الوطن المشترك والمواطنة المتساوية. كما أنّ التطوّرات الحالية في الشرق الأوسط في إطار الحرب العالمية الثالثة تجعل إعادة تنظيم العلاقات الكردية-التركية أمراً لا مفرّ منه”.
سابعاً: أصداء وتداعيات بيان المؤتمر
إنّ قرار المؤتمر لم يأتِ من يأس وضعف، وكما قال الجنرال ديغول: “من لا يكسب الحرب لا يصنع السلام”. فحركة حرية كردستان العصرية هي في أوج قوتها وقادرة على التغيير وصنع السلام، زعماء تركيا اليوم لم يتغيّروا حبّاً بالكرد أو بالديمقراطية، فهم مجبرون على ذلك، فالنضال البطولي لحزب (PKK) وأنصاره أوصل الثورة لهذه المرحلة الهامة من النضال التحرّري التاريخي للكرد، ترك حزب العمال الكردستاني (PKK) بصماته على نصف قرن في كردستان وتركيا والشرق الأوسط، منذ تأسيسه وحتى اليوم، حيث تدخّل في التاريخ الكردي الذي كان يسير نحو الهلاك والاضمحلال، فتوسّع النضال عبر التحرّكات والمبادرات السياسية والاجتماعية والفكرية، كما تم اتخاذ التغيير والتحوّل كأساس للأدوات التي تؤدّي إلى أهداف مثل السلام والحرية والمجتمع الديمقراطي.
- رحّبت أنقرة بالقرار ووصفته بأنّه “تاريخي ومهمّ جداً”، وأكّد المتحدّث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم أنّ القرار يمثّل “نقطة تحوّل حاسمة نحو تركيا خالية من الارهاب”. دون التطرّق إلى ما الذي ستقدّمه تركيا مقابل ذلك.
- رحّب حزب الشعوب الديمقراطي بالقرار ووصفه بأنّه ذو أهمية بالغة للشعب الكردي والشرق الأوسط، داعياً إلى وضع إطار قانوني للحل. من جهته، أشاد رئيس إقليم جنوب كردستان (نيجيرفان البارزاني) بالقرار واعتبره تعزيزاً للأمن الإقليمي.
- رحّبت الأمم المتحدة وأمريكا بالقرار، وكذلك بعض القادة الأوربيين، المراقبون يتوقّعون أنّ هذه الخطوة ستخفّف من التوتّرات في المنطقة، وستفتح الباب أمام تعاون أكبر مع تركيا.
تداعيات القرار على المشهد الإقليمي:
- على الساحة التركية: يمثّل القرار فرصة تاريخية لتركيا لإنهاء أحد أطول الصراعات الداخلية التي استنزفت مواردها وأثّرت على استقرارها، والتي خلقت لها مشاكل مع الكثير من الدول، وخاصة حليفتها أمريكا، كما يفتح الباب أمام تركيا للدخول إلى الاتحاد الأوربي، ولعب دورها المنافس لإيران والسعودية في المنطقة.
- على الساحة العراقية والسورية: سيؤدّي القرار إلى إقامة علاقات متوازنة مع تركيا؛ الأمر الذي يؤدّي إلى عدم جدوى التواجد العسكري التركي في شماله، وحلّ الأمور المائية معها، كما يؤدّي إلى إعادة رسم التوازنات داخل إقليم كردستان العراق، وأن تصبح جنوب كردستان ممرّاً هامّاً للطرق التجارية وللاستثمار، بدأت بزيارة السيد رئيس حكومة الإقليم (مسرور بارزاني) إلى واشنطن في 23/ من الشهر الماضي، وتوقيعه عدّة عقود تجارية واتفاقات هامة في مجال الطاقة. وإن سارت عملية السلام بسلام فسوف يسارع في تثبيت الكرد لوجودهم وحقوقهم في سوريا الجديدة، والمشاركة الفعّالة في بنائها دون الضغط والإملاءات التركية.
التحدّيات المستقبلية والعقبات وإشكاليات التنفيذ
رغم الأهمية التاريخية للقرار، والذي ولّد ارتياحاً لدى معظم الأطراف الفاعلة وشعوب المنطقة، تبقى هناك العديد من العقبات التي قد تعترض طريق تنفيذه الكامل:
- الضمانات السياسية للكرد: يشكّك بعض المراقبين في نيّة الحكومة التركية منح مزيد من الحقوق السياسية والثقافية للكرد بعد حل الحزب، خاصة في ظل غياب ضمانات دستورية واضحة (وتاريخ الدولة التركية معروف بأنّها لا تلتزم بالمواثيق والعهود)، ولأجل إنجاح عملية السلام يجب تغيير ظروف قائد عملية السلام السيد “عبدالله أوجلان” ليتمكّن من قيادة دفّة سفينة السلام إلى برّ الأمان والتواصل مع الجميع، كما يجب إطلاق سراح آلاف المعتقلين السياسيين بتهمة “الإرهاب” وأولهم المرضى منهم، ويجب كذلك توقيف الهجمات من الجانب التركي على قوات “الكريلا” – والمؤتمر انعقد تحت القصف، مع أنّ الحزب في 1/ آذار أعلن عن وقف لإطلاق النار من جانبه، وطبعاً يجب تشكيل لجان لتغيير الدستور.
- مستقبل المقاتلين والقيادات: يطرح مستقبل آلاف المقاتلين وساسة الحزب إشكالية كبيرة. فهل سيتم إصدار عفو عام وسيُسمح لهم بالانخراط في العمل السياسي عبر حزب الشعوب الديمقراطي أو غيره؟ أو سيتمّ تأسيس حزب جديد؟ لأنّه تبيّن في تصريحات أعضاء المؤتمر أنّ حل الحزب وترك السلاح لا يعني انتهاء الثورة بل هي نهاية مرحلة، وسينتقلون إلى مرحلة أخرى وسيتابعون النضال بأسلوب سياسي وقانوني.
- الموقف من الامتدادات الإقليمية: الإصرار التركي على تسليم السلاح لها مباشرة والمطالبة بحل جميع الفروع والامتدادات الإقليمية للحزب، خاصة في سوريا والعراق، وهو ما قد يصطدم باختلاف السياقات والظروف في هذه الدول. وقد أعلن السيد “مظلوم عبدي” أنّ قرار حزب العمال الكردستاني بخصوص ترك السلاح هو شأن كردي – تركي داخلي لا يعنيهم. وما على الحكومة التركية سوى القبول بالإدارة الذاتية والتعاون معها ومع “قسد” بالتفاهم كما جرى مع جنوب كردستان.
ماذا قدم الحزب وما هو دور عبد الله أوجلان:
ساهم الحزب وبريادة قائده “أوجلان” في لعب دور تاريخيّ وهامّ في نهوض شعبه من السبات إلى النضال الوطني والتمرّد على سياسات الدولة وإثبات وجوده، وذلك عبر نهضة فكرية وثقافية واجتماعية، وحوَّل قضية حريته إلى العالمية، وانتشر فكر “أوجلان” بين كبار الفلاسفة وعلماء الاجتماع والأكاديميين العالميين والحائزين على جوائز نوبل للسلام. والذين طالبوا بإطلاق سراحه، بعد أن اطّلعوا على فكره العصري عبر كتبه ومرافعاته القيّمة ورسائله المعبّرة؛ كل ذلك مهّد الطريق لهذا (القرار التاريخي)، ولا يمكن التغافل عن دوره الكبير في انبعاث الشخصية والشعب الكردي الحر، يقول السيد “أوجلان” (5)في رسالته بتاريخ18/أيار 2025: “ما نقوم به هو تغيير كبير في النموذج الفكري”.
الخاتمة
بين التفاؤل والحذَر، يمثّل قرار حزب العمال الكردستاني بحل نفسه نقطة تحوّل تاريخية، ليس في المسألة الكردية في تركيا فحسب، ولكن في المشهد الجيوسياسي للشرق الأوسط ككل. إذا نجحت عملية السلام، فقد يُفتح الباب أمام عهد جديد من الاستقرار والتعايش في المنطقة.
يبقى على الحكومة التركية أن تخطو من جانبها خطوات لفتح آفاق تحقيق السلام، وبما أنّ الجانبين يتقدّمان بحذر، فالأفضل أن تتمّ عملية السلام بخطوة مقابل خطوة، ويجب التحرّك السريع من جانب الحكومة، وكما قال السيد (دولت بخجلي) (6): “السلام ليس طائراً بجناح واحد، وأوجلان هو الجناح الأول”. أي أنّ حزب العمال الكردستاني نفّذ خطوته، وهناك حاجة إلى تضافر الجهود بين جميع مكوّنات الشعب التركي لتعزيز الحوار والمشاركة المجتمعية، لتحقيق السلام والاستقرار، وبناء مستقبل مشترك مبنيّ على التعايش والتفاهم، والخطوة الأولى تبدأ من البرلمان وتغيير الدستور الذي وضعته الطغمة العسكرية الانقلابية منذ 45/ عام، لأنّ اليوم تغيّرت جميع الظروف الداخلية والإقليمية والدولية. لكن المشهد يبقى محفوفاً بالتحدّيات والتعقيدات، خاصة أنّ نجاح هذه المرحلة سيتطلّب حكمة وحسن نيّة من جميع الأطراف، وكذلك آليات رقابة وتنفيذ واضحة والتصدّي للعراقيل التي قد تُحدثها الأطراف القومية المتشدّدة والتي تعتبرها تنازلاً كبيراً، وكذلك من الأطراف المؤيّدة للنزاعات والحروب، ولضمان عدم التشويش والانتقال السلس في البلاد من مرحلة الصراع على السلطة ومع الكرد في صراع الوجود، إلى مرحلة السلم والبناء.
قال عضو المجلس الرئاسي لحزب العمال الكردستاني “دوران كالكان” معلّقاً على مخرجات المؤتمر الـ/12/: ” المسيرة باسم (PKK) انتهت وأدّت دورها التاريخي، ولكن لم ينته النضال، هذه مرحلة جديدة” (7)، وهو ردّ على مَن ظنّ أنّ (حلّ الحزب وترك السلاح) هو نهاية الثورة، بل هو يؤكّد أنّها نهاية مرحلة وبداية مرحلة أخرى جديدة، إذاً؛ هو التغيير من أسلوب النضال العسكري – الذي أدّى مهامه – إلى أسلوب النضال السياسي والقانوني (الحقوقي)، لإحياء السلام والمجتمع الديمقراطي، وأنهم لن ينتظروا كل شيء من الدولة، بل الرفع من سويّة النضال وإجبارها على التنازل، فقد أصبحت حركة الحرية الكردستانية قوة ثالثة في الدولة، وإذا تم التحالف مع الآخرين فستصبح القوة الأولى.
في النهاية، يبقى الأمل أن يكون هذا القرار بداية لنهاية مأساة إنسانية طويلة، وفرصة لبناء مستقبل أفضل لشعوب المنطقة ولطرفَي الصراع، خاصة للكرد الذين عانوا لعقود من التهميش والعنف، وأن يفتح الطريق أمام مساهمتهم الفعّالة في التخطيط لحياة مفعمة بالسلام والعدالة والأمان على أرضهم التاريخية ومع جيرانهم.
المراجع:
- https://ronahi.tv/ar/%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D9%85%D8%B1%D9%88%D8%B1-43-%D8%B4%D9%87%D8%B1%D8%A7%D9%8B-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D9%82%D8%B7%D8%A7%D8%B9-%D8%B9%D9%85%D8%B1-%D8%A3%D9%88%D8%AC%D9%84%D8%A7%D9%86/
- https://anfarabic.com/%D9%83%D8%B1%D8%AF%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D9%86/qrh-ylan-adha-asrrtm-ly-shn-alhrb-fankm-stskhrwn-113963
- https://hawarnews.com/ar/%D9%85%D8%B6%D9%85%D9%88%D9%86-%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%A6%D8%AF-%D8%B9%D8%A8%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D8%A3%D9%88%D8%AC%D9%84%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE%D9%8A%D8%A9-%D9%86%D8%AF%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%85%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B7%D9%8A
- https://pydrojava.org/%D8%AD%D8%B2%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%AF%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D9%86%D9%8A-pkk-%D9%8A%D8%B9%D9%84%D9%86-%D9%86%D8%AA%D8%A7%D8%A6%D8%AC-%D9%85%D8%A4%D8%AA/
- https://www.almoubadara.com/view/1045
- https://ronahi.tv/ar/%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%AA-%D8%A8%D9%87%D8%AC%D9%84%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85-%D9%8A%D8%AA%D8%B7%D9%84%D8%A8-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%AC%D8%A7%D8%A8%D8%A9-%D8%B4%D8%B9%D8%A8%D9%8A%D8%A9/
- https://anfarabic.com/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9/dwran-kalkan-hzb-almal-alkrdstany-ady-dwrh-ly-akml-wjh-119051