نتائج استبيان بناء الثقة بين إقليم شمال وشرق سوريا وسلطة دمشق

شكّل اتفاق العاشر من آذار 2025 تطوراً في المشهد السياسي والاجتماعي السوري، حيث أعتبر هذا الاتفاق فرصة مناسبة لتطوير المفاوضات التي جرت خلال الأشهر الماضية بين إقليم شمال وشرق سوريا وسلطة دمشق، إلا أن قضية انعدام الثقة لا تزال الفاعل الرئيسي في ديناميات التفاوض بين الإدارة الذاتية وسلطة دمشق، لعدة عوامل ذاتية وموضوعية، من ضمنها الاختلاف في العقيدة السياسية، والتدخلات الإقليمية في الشؤون السورية. وتصاعدت في الآونة الأخيرة حدة التوتر بين الطرفين خاصة بعد فشل سلطة دمشق في بناء الثقة مع المكونات السورية، وكانت محافظة السويداء إحدى أبرز الكوارث الوطنية التي تسبب بها النظام الجديد في دمشق، رغم ذلك لا تزال جميع الأطراف تحاول الحفاظ على التواصل السياسي فيما بينها وبناء تفاهمات تجنب الاصطدام العسكري المباشر.
من الصعب عزل تأثير الانتهاكات التي ترتكب بحق العلويين والدروز ومخاوف الديمقراطيين والمعتدلين العرب من إبداء آراءهم بحرية، عن المجتمعات المحلية في إقليم شمال وشرق سوريا، حتى إن العديد من الناشطين الحقوقيين والاعلاميين في مناطق سيطرة السلطة بدأوا يفكرون بالهجرة مجدداً من سوريا أو لا يرغبون في العودة إليها وفق تقريراً لـ”بي بي سي” ([1])، وما يزيد من أزمة الثقة الحملة الإعلامية التحريضية وخطاب الكراهية المتماهية مع الخطاب السياسي التركي الموجه ضد الإقليم، من أبرز تجلياتها توجيه خطاب شعبوي بطابع ديماغوجي في محاولة لتأليب بعض أفراد العشائر ضد قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية، وأظهر عدم استجابة معظم العشائر لهذه الدعاية مدى انعدام الثقة بالنظام الجديد في دمشق، ويبدو أنها انعكست سلباً عليه، خاصة بعد تسببه بعمليات نزوح واسعة للعشائر في محافظة السويداء وازدياد نقمة الميليشيات العشائرية في درعا عليه بعد أن خذلهم وتركهم وحدهم في مواجهة فصائل السويداء وتجاهله لمعاناة 6000 عائلة من العشائر تسبب بنزوحها، والتي تعيش ظروفاً معيشية قاسية في 70 مركز إيواء في المحافظة ([2]) تعاني من نقص حاد في الغذاء والرعاية الصحية استناداً إلى عشرات التقارير والمواقف التي أعلنتها الشخصيات العشائرية على وسائل التواصل الاجتماعي.
لدى تقصي التصريحات الرسمية والتقارير الإعلامية التي تناولت مسألة المفاوضات بين ممثلي إقليم “شمال وشرق سوريا” وسلطة دمشق، ومحاولات الوسطاء الدوليين، فرنسا والولايات المتحدة، تقريب وجهات النظر بينهما، تبين إن أكثر المواضيع التي يتم التركيز عليها في هذا السياق هي دعوة جميع الأطراف إلى إبداء المزيد من المرونة في المفاوضات، والتعاون في محاربة تنظيم داعش، والاستجابة لمطالب الإدارة الذاتية بوقف الدعاية التحريضية وخطاب الكراهية ضد قسد وتطبيق اللامركزية في سوريا كشرط تفاوضي رئيسي. وبهدف استطلاع آراء المهتمين بكل من الشأن السياسي وقضية الاندماج مؤسسات إقليم شمال وشرق سوريا في الحكومة الانتقالية، تم اعداد استبيان مكون من سؤال واحد وفق نموذج “الكتروني – يوتيوب” تم نشره بتاريخ 2025.07.16 وإنهاءه بتاريخ 2025.08.09 وشارك فيه عينة من المهتمين بالشأن السياسي السوري؛ وقد كان الاستبيان بالشكل التالي:
السؤال: باعتقادك كيف يمكن بناء الثقة بين إقليم “شمال وشرق سوريا” وسلطة دمشق؟
- إبداء الطرفين مرونة أكبر في الحوار.
- تطبيق اللامركزية في سوريا.
- التعاون في محاربة تنظيم داعش.
- وقف الدعاية التحريضية وخطاب الكراهية ضد الإدارة الذاتية وقسد.
وكانت نتيجة الاستبيان بالشكل التالي:
ترى غالبية العينة (73%) إن “تطبيق اللامركزية في سوريا” يعد العامل الرئيسي في بناء الثقة بين إقليم “شمال وشرق سوريا” وسلطة دمشق، يعكس هذه الرأي موقف شريحة واسعة من السوريين الذين يأسوا من الحرب في بلادهم ومعاناتهم على مدار أكثر من 50 سنة من نظام الدولة المركزية الذي تربع النظام البعثي على هرم السلطة فيه، وتسببه بأزمات خطيرة على المستوى الوطني واستهدافه كافة السوريين على اختلاف معتقداتهم وثقافاتهم وانتماءاتهم السياسية، من ناحية أخرى الأزمات التي تسببت بها سلطة دمشق منذ بداية العام 2025 في الساحل والسويداء واستمرار الانتهاكات بحق الكرد في الشمال السوري والسياسية الإقصائية التي يمارسها النظام الجديد، وتنامي منظومة الفساد التي كشفت عنها وكالة “رويترز” ([3]) والتي بدأت تتشكل من قبل المجتمع الزمروي ([4]) في النظام الجديد، أدت كلها إلى ترسيخ قناعة عامة لدى النخب السياسية والاجتماعية والاقتصادية السورية حول اعتبار النظام اللامركزي ضمانة لمنع إعادة تدوير النظام الاستبدادي السابق. من ناحية أخرى تتميز سوريا بالتنوع الديمغرافي الذي يشمل ثقافات متمايزة من كرد وعرب وأرمن وسريان ودروز وعلويين وشركس وإيزيديين وتركمان بالإضافة إلى عدد من الطوائف المختلفة، وتعد اللامركزية أفضل نظام لهيكلة نظام الحكم الجديد في البلاد كونه يستجيب بشكل بنّاء للتنوع الثقافي والعرقي في سوريا على أساس العدالة والمساواة ورفض تهميش أي مكون في الحوكمة وهي ما يستند اليه العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية، فاللامركزية تضمن مشاركة واسعة للمكونات السورية في صنع القرار بعد أن تعرضت للتهميش تحت ظل الحكم المركزي.
أما نسبة (25%) تعتقد أن “وقف الدعاية التحريضية وخطاب الكراهية ضد الإدارة الذاتية وقسد” يعُدُّ العامل الرئيسي في بناء الثقة مع سلطة دمشق، في حقيقة الأمر يعد خطاب الكراهية سمة مميزة للأزمة السورية، ويبدو أن النظام الجديد يحاول استغلاله لصرف أنظار وسطه الاجتماعي عن أزماته، وبنفس الوقت استخدامه كوسيلة ابتزاز لفرض أجندته في الداخل السوري، وفي عملية التفاوض مع الإدارة الذاتية. وفي سياق متصل يؤكد العديد من المهتمين بالحوار مع سلطة دمشق على أن استمرار الدعاية التحريضية وخطاب الكراهية ضد الإدارة الذاتية وقسد، أفقد ثقة الأخيرين بجدية السلطة في الحوار، خاصة أنها تتزامن مع استفزازات عسكرية في خطوط التماس في أرياف دير الزور وريف حلب الشرقي ومحيط حيي الشيخ مقصود والأشرفية.
من الملفت للنظر عدم استجابة أي مشارك في الاستبيان لخيار “التعاون في محاربة تنظيم داعش” يمكن تفسير ذلك بأن العينة تعتقد أن عملية بناء الثقة تكمن في الاتفاقيات السياسية أكثر من الاتفاقيات الأمنية والعسكرية، بالإضافة إلى أن الفضاء الإعلامي يعجّ بالتقارير والتحليلات التي تؤكد انخراط العشرات من أفراد التنظيمات المتطرفة ومن ضمنها داعش في صفوف قوات وزارتي الدفاع والداخلية التابعتان لسلطة دمشق والتي من المفترض أنها توّلد انطباع بأن السلطة لن تحارب قواتها وحلفائها.
كما وتضمنت النتائج أيضاً نسبة منخفضة (3%) من المجيبين الذين يرون ضرورة “إبداء مرونة أكبر في الحوار” لبناء الثقة بين الطرفين والوصول إلى نتيجة توافقية بدون أن تصل الأمور إلى المواجهة العسكرية.
[1] بي بي سي؛ نشطاء سوريون يخشون الاعتقال والتضييق إن عادوا إلى سوريا؛ الناشر: BBC News عربي؛ تاريخ النشر: 2025.08.12؛ الرابط: https://www.bbc.com/arabic/articles/c07ppjx2m4vo
[2] درعا24؛ محافظ درعا: مأساة حقيقية للنازحين من السويداء بدرعا ونقص حاد في المساعدات؛ الناشر: درعا24؛ تاريخ النشر: 2025.08.10؛ الرابط: https://daraa24.org/محافظ-درعا-مأساة-حقيقية-للنازحين-من-ال/
[3] Timour Azhari and Feras Dalatey; Syria is secretly reshaping its economy. The president’s brother is in charge; Reuters; 24 July 2025; Link:
https://www.reuters.com/investigations/syria-is-secretly-reshaping-its-economy-presidents-brother-is-charge-2025-07-24/
[4] هو مصطلح صاغه المفكر عبدالله أوجالان في كتابه “مانيفستو السلام والمجتمع الديمقراطي” ويعتبره مجتمع مناقض للمجتمع الكومينالي، واستناداً إلى تحليله يعتبر المجتمع الزمروي مجموعة براغماتية المنهج ومنظمة من الأشخاص تحتكر القوة لفرض تسلطها، وتستخدم القتل والقمع كوسيلتين للوصول إلى السلطة والثروة واحتكارهما بأي وسيلة كانت، وتجذب الإنسانية إلى نظام عبودية صارم للغاية لا يمكن مناقشته…