نتائج استبيان عن انتصار قسد في معارك سد تشرين

أعلنت الإدارة الذاتية في الخامس من شهر أيار الجاري عن انتصار “المقاومة الشعبية” في سد تشرين، مع التأكيد على “استمرار اليقظة والنضال في وجه أي خطر جديد”، يأتي ذلك بعد 100 يوم من الاعتصام الجماهيري الطوعي، الذي شارك فيه المئات من مكونات إقليم شمال وشرق سوريا لتشكيل “سد بشري” أمام محاولات تقدّم مرتزقة “الجيش الوطني” المدعومة بشكل مباشر من القوات التركية للسيطرة على السد، والتمدّد في مناطق شرقي الفرات لاحتلال مناطق جديدة. لقد واجهت القوات المهاجمة مقاومة عنيفة من قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي اتّبعت تكتيكاً جديداً شكّل تحوّلاً نوعياً في طبيعة المعارك التي تخوضها من خلال تغيير قواعد الاشتباك باستخدام الطائرات المسيّرة “بروسك” كسلاح تكتيكي في المعارك؛ وهو ما سهّل عمليات الاستطلاع وتدمير الأهداف البعيدة ونقاط الحرب الإلكترونية التركية القريبة من خطوط المواجهة أو المحصّنة جيداً، ويشير حجم الخسائر التي تكبّدها المرتزقة والقوات التركية إلى عدم اتخاذها ما يلزم من تدابير لحماية عملياتها الهجومية، ويبدو أنّ استخدام المسيَّرات قد شكّل عنصر المفاجأة بالتوازي مع العملية الهجومية الجريئة التي شنّتها قوات النخبة ضمن صفوف قسد ضدّ نقاط المرتزقة، بالإضافة إلى سوء تقدير الضباط الأتراك الذين كانوا يديرون الهجمات للانسحابات المتتالية لقسد من الشهباء ومنبج وتفسيرها بشكل خاطئ وفقاً للمعطيات الميدانية من محاور القتال.
يشير إعلان الإدارة الذاتية النفير الشعبي العام لمساندة مقاومة قسد في مواجهة هجمات المرتزقة إلى الأهمية الاستراتيجية لسد تشرين بالنسبة لإقليم شمال وشرق سوريا، وخطورة سيطرة المرتزقة على منشأة حيوية تؤمّن المياه والطاقة لملايين السكان، وأنّ فقدانها يشكّل تهديداً وجودياً لحالة السلام والاستقرار التي تشهدها مقاطعات شرقي الفرات.
وصف العشرات ممّن شاركوا في القتال أو في الاعتصام الجماهيري على السد حجم الهجمات التي كان يتعرّض لها السد، ومدى استبسال المقاتلين في الدفاع عنه، وشبّهها كثيرون بمقاومة كوباني وشنكال في مواجهة داعش خلال عامَي 2015-2014 ومقاومة عفرين 2018 وسري كانييه (رأس العين) وكري سبي (تل أبيض) 2019 من ناحية ضراوة الهجمات والمقاومة الشديدة في مواجهتها؛ ممّا يشير إلى أنّ معارك سد تشرين ستشكّل مرحلة مفصلية في الوضع السياسي والأمني لإقليم شمال وشرق سوريا خاصة وسوريا عامة.
ممّا لا شكّ فيه أنّ فشل المرتزقة في اختراق دفاعات قسد، على الرغم من الدعم الناري والجوي والاستخباراتي الكثيف الذي قدّمته القوات التركية، وتكبّد خسائر كبيرة خلال فترة زمنية قصيرة نسبياً، والعجز عن إنهاء الاعتصام الشعبي على السد من خلال الترهيب والإستهدافات المباشرة أحياناً والتي أوقعت العشرات من الضحايا، واعتبرتها منظمة “هيومن رايتس ووتش” جرائم ترقى إلى مستوى “جرائم الحرب”، ومن ثم الإذعان للوساطة الأمريكية في إيقاف العمليات القتالية في جبهات سد تشرين، يُعَدُّ انتصاراً استراتيجياً حقّقته قوات سوريا الديمقراطية، وحقّق مكاسب كبيرة للإدارة الذاتية على الصعيد الوطني السوري.
استناداً إلى التقصّي المستمرّ لسير العمليات القتالية في جبهات سد تشرين؛ أمكنت ملاحظة ثلاثة أمور كان لها دور مؤثّر في هذه العمليات، ولم تكن حاضرة بفعالية كبيرة في المعارك السابقة التي خاضتها قسد، وتمثّلت بكل من: الاعتصام الشعبي الذي كان مصدر دعم معنوي كبير لمقاتلي قسد، وجذب انتباه الرأي العام الدولي إلى عدالة القضية التي خاطروا بحياتهم في سبيلها، واستخدام قسد للمسيرات بكفاءة عالية، بالإضافة إلى عدم استخدام تركيا كامل قواتها العسكرية وعدم قدرتها على إشعال جبهات جديدة ضدّ قسد في مقاطعات الجزيرة والفرات والرقة. وفي سبيل معرفة رأي المهتمّين بالشأن السياسي المحلّي، والمتابعين لمعارك سد تشرين، حول السبب الرئيسي الكامن وراء انتصار قوات سوريا الديمقراطية في معارك السد، تم إعداد استبيان إلكتروني (نماذج كوكل) مكوّن من سؤال واحد مغلق، وتم نشره بتاريخ 2025.05.05 وتم إنهاؤه بتاريخ 2025.05.11 وشاركت فيه عيّنة من المهتمّين بالشأن السياسي، وذلك على الشكل التالي:
السؤال: برأيك ما هو العامل الأبرز في انتصار قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في معارك سد تشرين؟
- الدعم الشعبي المستمر.
- تغيير قواعد الاشتباك باستخدام قسد للمسيّرات.
- عدم امتلاك المرتزقة والقوات التركية استراتيجية واضحة.
- انشغال تركيا ومرتزقتها بضمان مصالحها لدى سلطة دمشق.
- غير ذلك.
وكانت الإجابات بالشكل التالي:
اختارت غالبية العيّنة (80%) الدعم الشعبي المستمر هو العامل الأبرز في انتصار قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في معارك سد تشرين، وتعكس هذه النسبة مدى التعاطف الشعبي مع المقاومة التي أبدتها قسد في المعارك، وبنفس الوقت يعد مؤشّراً على مخاوف المجتمعات المحلية من سيطرة المرتزقة على السد والزحف باتجاه المدن الرئيسية، وارتكاب الانتهاكات بحق المدنيين على غرار ما يحدث في المناطق المحتلة من الشمال السوري. بلا شك؛ لعب التعاطف الشعبي دوراً كبيراً في الدعم المعنوي للمقاتلين وإيصال القضية التي يدافعون عنها إلى الرأي العام، وإعاقة الهجمات التركية على البنية التحتية المحيطة بالسد، خاصة أنّ المجتمعات المحلية لديها تجربة مريرة مع الهجمات التركية على المنشآت الحيوية للطاقة والبنية التحتية في عامي 2024-2023، لذلك يبدو أنّ خروج السد عن الخدمة بشكل نهائي قد شكّل هاجساً كبيراً لديها. بينما اختارت نسبة (55%) من العينة “تغيير قواعد الاشتباك باستخدام قسد للمسيّرات” هو العامل الأبرز في انتصار قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وهو ما يتفق مع مشهد العمليات العسكرية التي استخدمت فيها مسيرات “بروسك”. ولدى متابعة التقارير الميدانية والإعلامية أمكنت ملاحظة قلّة حجم الخسائر في صفوف قسد، وتنفيذ قوات النخبة عمليات اقتحام ناجحة لنقاط المرتزقة بتوجيه من مسيّرات الاستطلاع وبتغطية نارية منها أحياناً بالتوازي مع الجغرافيا العسكرية التي هندستها قسد في المنطقة المثلثية المحدّدة بين منبج وكوباني والجرنية (شمال غرب الطبقة) من خلال شبكة الأنفاق، مقابل كفاءة أقلّ لمسيّرات المرتزقة والتي زوّدتهم بها القوات التركية وأشرفت على تشغيلها، وعدم قدرتهم على إنشاء تحصينات عسكرية في مناطق العمليات.
بخصوص عدم استخدام القوات التركية لكامل قواتها في مهاجمة السد على غرار احتلالها لكل من: عفرين وكري سبي (تل أبيض) وسري كانيه (رأس العين)، تعتقد نسبة (18%) من العينة أنّ ” انشغال تركيا ومرتزقتها بضمان مصالحها لدى سلطة دمشق” يُعَدُّ العامل الأبرز في انتصار قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في معارك سد تشرين، وقد يعكس هذا الاعتقاد إلمام العيّنة التي رجّحت هذا الاختيار بالمطامع التاريخية لتركيا في سوريا، وسعي تركيا الحثيث لملء الفراغ الذي تركته إيران وروسيا في المراكز الحيوية للدولة السورية، خاصة الجيش والاستخبارات والبنية التحتية الأمنية من خلال مرتزقتها الذين اعلنوا استعدادهم الاندماج في السلطة الجديدة، ويُلاحظ تأثير لهذا السياق في رؤية نسبة (15%) على أنّ “عدم امتلاك المرتزقة والقوات التركية استراتيجية واضحة” تشكّل العامل الأبرز في انتصار قسد، بلا شك تمتلك الدولة التركية استراتيجية واضحة تجاه الشمال السوري؛ تتمثّل بسلخ الشمال السوري وضمّه إلى تركيا تنفيذاً لمشروع إحياء “الميثاق الملي العثماني” الذي يهدف إلى ضم المنطقة الممتدة من محافظة السليمانية في إقليم كردستان وحتى مدينة حلب، وأعلن المسؤولون الأتراك صراحة عن هذا الهدف في وقت سابق في أكثر من مناسبة. إلّا أنّ عدم وضوح الاستراتيجية التي تراءت لدى هذه النسبة من العيّنة هي إيلاء الدولة التركية اهتماماً أكبرَ للسيطرة على كامل الدولة السورية أو المنطقة الممتدة من عفرين إلى حوران في الجنوب السوري؛ وذلك لدوافع تاريخية واستراتيجية واقتصادية تحرّكها أيديولوجية حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا.
بخصوص نسبة (14%) التي تعتقد أن هناك عوامل أخرى كانت حاسمة في انتصار قسد بمعارك سد تشرين، يمكن تفسيرها بإدراك الرأي العام التغيّر الدراماتيكي في المواقف الدولية تجاه الأزمة السورية بعد انهيار النظام البعثي وانسحاب إيران من سوريا وتصاعد الدعوات لوقف إطلاق النار في عموم سوريا، بالإضافة إلى التأثير الكبير لمبادرة المفكر والقائد الكردي “عبدالله أوجلان” للسلام على الدول التركية والمنطقة؛ لذلك لا يمكن الجزم بأنّ أياً من العوامل المذكورة هي وحدها التي شكّلت العامل الأبرز لانتصار قسد في معارك سد تشرين، خاصة أن معظم التحليلات العسكرية المتعلقة بالحروب التي جرت في كل من: فيتنام وكردستان وفلسطين ولبنان وغيرها تؤكّد على أنّ القوة العسكرية الضخمة ليست عاملاً حاسماً في كسب الحرب التي يتم خوضها مع قوة تعتمد تكتيك حرب العصابات في جغرافيا عسكرية تُسهّل “عمليات الكرّ والفرّ” وتحظى بدعم شعبي غير محدود، وهي الاستراتيجية التي اعتمدتها قسد في معارك السد؛ فهناك عوامل أخرى ذات أبعاد اقتصادية وسياسية واجتماعية وأمنية، تستند إلى الأزمات الدولية وعمليات إعادة بناء النظام الإقليمي في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى الأزمات التي يعاني منها نظام الحكم في تركيا ومحاولته امتصاص موجة التغيير القادمة في دول الشرق الأوسط..