منطقة” آمنة” أم دويلة تابعة؟؟

وليد الشيخ

على مدى الأزمة السورية منذ 2011، لم تقم تركيا بأي دور إيجابي يخفف من معاناة الشعب السوري، بل على العكس تماماً أجهضت في كثير من الأوقات الحلول وأجهضت الكثير من الاتفاقيات التي كانت ستكون مخرجاً للسوريين من التهجير والدمار واستمرار نزيف الدماء. أي شخص غير متابع ويطلع الآن على مجريات الأحداث السورية حتى اللحظة، ومن خلال العمليات التي شنتها تركيا في الشمال السوري وتجنيد ودعم منظمات مصنفة إرهابية دوليا وحتى احتضان رجالات هذه التنظيمات بعد تفككها. بلا شك سوف يستنتج أن تركيا هي المدبر الرئيسي لكل ما حصل على الأراضي السورية، والمسؤولة الأولى عن ملايين النازحين واللاجئين والمغتربين والأيتام والأرامل والأمهات الثكالى.

السياسة التركية واضحة المعالم هي سياسة توسعية استغلالية بخبث ودهاء سياسي، يلعب على الوقت واقتناص التجاذبات الدولية والفرص السانحة والعمل على استثمار كل الأحداث الدولية والإقليمية، وفي هذا السياق تعتبر تركيا هي من أكثر المستفيدين من الحرب الروسية- الأوكرانية التي ذهبت بها الى قيادة وساطة، لتظهر بأنها ساعية أمن لحماية العالم من خطر حرب عالمية ثالثة وبالتالي إمكانية استخدام السلاح النووي ولكنها فشلت بتلك الوساطة، وكردة فعل مباشرة على هذا الفشل الذي كان بسبب إصرار روسيا على تحقيق أهدافها المعلنة للعملية العسكرية على أوكرانيا، حاولت تركيا معاقبة روسيا، من خلال تنفيذ أوامر الولايات المتحدة الامريكية في فرض حظر جوي فوق أراضيها لكل أنواع الطائرات الروسية، مما يحمل الروس أعباء إضافية بالانتقال بين قواعدهم العسكرية وخاصة تلك التي أقيمت على الأرضي السورية.

وبالعودة إلى أحدث التصريحات التركية على لسان المسؤولين السياسيين والعسكريين الاتراك، بدءاً من خطاب الرئيس التركي” رجب طيب اردوغان” أمام البرلمان التركي، وإعلانه عن نيته استكمال المنطقة الامنة المزعومة في الشمال السوري، وذلك من خلال إطلاق عمليات عسكرية جديدة لاحتلال المزيد من الأراضي السورية في الشمال السوري ثم تلت هذه التصريحات بتعليق من وزير الدفاع التركي” خلوصي أكار” باستعداد الجيش التركي للقيام بالعملية العسكرية وانتظار اعلان القيادة السياسية، ثم شهدت مناطق راس العين/سري كانيه مناورات عسكرية هجومية مشتركة مع مرتزقة الجيش الوطني، استكمالا لعمليات سابقة تحت مسميات ملمعة ومضللة ” درع الفرات، غصن الزيتون، نبع السلام” والتي تهدف حسب الرئيس التركي” اردوغان” لإقامة منطقة آمنة وحماية الحدود الجنوبية للدولة التركية وتذرع كالعادة بقضية اللاجئين وإعادة مليون سوري من تركيا إلى الشمال السوري وذلك في مساكن تم تجهيز منها” “77000 منزل والبقية قيد الإنشاء لتصبح مئة الف منزل ولاحقا  250000 منزل وبدعم رئيسي من منظمة الإغاثة التركية” IHH ” التي تتصدر المشهد بالحصول على منح المساعدات الإنسانية بالإضافة الى جمعيات خليجية وفلسطينية وإسرائيلية وأوربية، وهي عبارة عن مستوطنات وأبنية سكنية ذات تأسيس طويل المدى يجب أن يجيب السوريون قبل أي أحد آخر عن مجموعة أسئلة وهي:

أين مسكنكم الأصلي؟ لماذا هذه المخيمات وهي ليست مؤقتة لماذا كل هذه الأبنية والانشاءات؟ ماهي آلية توزيع هذه المستوطنات؟ لماذا لا تعلن العمليات العسكرية لتحرير المناطق الأصلية لهؤلاء المهجرين أو الوصول إلى رؤية تحقق العودة الآمنة؟ ماهي معاير إعادة اللاجئين؟ على أرض من أقيمت هذه المستوطنات ووسط أي مجتمع؟

لنحاول الإجابة ولو بالقليل: المهجرين من ريف دمشق من حمص وريفها من إدلب وحماة ودرعا وريفهم من مناطق مختلفة من سوريا. نتذكر جميعاً أنه تم نقلهم بالباصات مع عوائلهم ضمن اتفاقيات تركية روسية وتسلّم مساكنهم الأصلية، والآن هم تحت التهديد (بالتهجير القسري) من تركيا أو أي دولة أخرى بقيادة تركيا تنفيذا لهدف يلوح في الأفق وهو تأمين الحدود الجنوبية لتركية وهي الذريعة التي يطرحها حزب العدالة والتنمية للشعب التركي في سبيل شرعنة هذه العمليات العسكرية الاحتلالية.

في ظل هذه الأحداث تفاجأ السوريون والعديد من المراقبين بالخروج بمظاهرات ووقفات احتجاجية رافضة للعملية العسكرية على الشمال السوري، مطالبين بالعودة إلى منازلهم وليس السكن في منازل غير منازلهم ولا أسواق غير أسواقهم ومجتمع بعيد كل البعد عن مجتمعاتهم ومناخاتهم. هنا تبرأ المجتمع السوري بكل توجهاته السياسية من الأشخاص” المؤدلجين ” وفق أيدلوجية عثمانية قديمة متجددة توسعية، وذلك من خلال استعدادات مرتزقة الجيش الوطني لقيادة العملية رغبةً منهم في النهب والسلب بالدرجة الأولى وليس بصفة ثوار وإنما لتنفيذ أجندات تركيا وهي واضحة المعالم، والتي تهدف لبناء دويلة في الشمال السوري بمكون واحد طائفي تابع بكل نواحيه السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية لتركيا، ومن ينكر هذا القول يستطيع رؤية الخريطة التي يعرضها دائما ” اردوغان” في دعواته لمنطقة آمنة وإعادة اللاجئين اليها. علما أن المناطق التي تخضع للسيطرة التركية ومرتزقة الجيش الوطني هي الأكثر فوضى والأسواء خدمية، وتقود هذه الفوضى مرتزقة الجيش الوطني نفسها من خلال الاقتتال الدائم بينهم في كل من عفرين وسركانييه/رأس العين المحتلتين على تقسيم الغنائم من أموال الناس والسكان الأصليين.

واستكمالا للمخطط التركي في التغيير الديمغرافي والهادف في نهاية المطاف إلى تقسيم سوريا تم حفر خندق في إدلب وصل في بعض الأماكن الى عمق9 أمتار و20متر في أماكن أخرى، في ترسيم واضح لحدود مصطنعة، ووفق اتفاقية وصفقات محسومة بناءً على مصالح الدول المتفاوضة أو الدول الفاعلة في الأرض السورية. وبذات الإطار لم يتم حفر هذه الخنادق في مناطق كثيرة في الشمال السوري في إشارة واضحة أنهم لم يصلوا إلى الحدود المرسومة على الورق وأن خططهم غير مرتبطة بمنطقة آمنة أو عودة قسم لاجئين، إنما تأسيس دويلة وزيادة حدودها حسب المكاسب التي يمكن الحصول عليها باستغلال الأحداث والمتغيرات الدولية.

في هذا الصدد لابد من الإجابة عن كل الأسئلة المطروحة أو التي تتوارد إلى الذهن ومن خلال ما سبق فإن الأكثر وضوحاً أن تركيا في صدد بناء دويلة من المكون السني في الشمال السوري يرضى بالتتريك الكامل للشمال السوري ويتابع حياته وفق معايير وتوجيهات السياسة التركية لتكون دولة تابعة بكامل تفاصيلها لتركيا، هذا التغيير الديمغرافي الخطير، والذي يعتبر جريمة العصر ومن ممكن أن يندرج تحت بند (إبادة) للثقافة الكردية بالدرجة الأولى، وابادة للتنوع والتعايش السلمي الذي ميز الحضارة السورية على مر الزمن، والآن هي تستغل الحرب الروسية على أوكرانيا بكامل مخرجاتها، و ان نفذت تركيا تهديداتها وهو “المرجح” سيكون بضوء أخضر من روسيا مقابل الفيتو التركي ضد طلب انضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو خاصة وإن الروس ليسوا على استعداد لفتح جبهات قتال أخرى في السويد أو فنلندا لردعهم عن طلب الانضمام في ظل استنزاف الحرب الأوكرانية للكثير من جهودهم. إذاً الصفقة الروسية التركية واضحة المعالم في الشمال السوري مقابل الغاء الحظر الجوي التركي على الطائرات الروسية والوقوف دائما بوجه انضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو، وهنا يجب على التحالف الدولي منع هذه الانتهاكات الدولية الجسيمة والمزيد من تشريد الشعب السوري وهذه العملية إن حدثت سوف تسبب تغيراً ديمغرافياً فعلياً وسيبقى وصمة عار العصر في جبين التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولي.

ختاما يجب أن يكون رد الشعب السوري حاسما من خلال توحيد جميع الاطياف الموالاة والمعارضة في رفض المشروع التركي بإقامة دويلة سنية في الشمال السوري تعبث بالنسيج الاجتماعي لسوريا تحت ذريعة المنطقة الآمنة التي بكل تأكيد ستكون باباً لدعم تشكيلات إرهابية جديدة وتقسيماً للأراضي السورية وهذا يساهم بزيادة الفتنة والشرخ الطائفي في المجتمع السوري.

المقالة تعبر عن رأي الكاتب

زر الذهاب إلى الأعلى