مجلة دراسات استراتيجية العددان 19-20

نضع بين أيديكم هذا العدد الجديد من مجلّة ” دراسات استراتيجية” الذي يتناول عدداً من المواضيع والدراسات، وقد آثرنا – قدر الإمكان – أن تكون مواضيع عددنا هذا متنوّعة بحيث تتناول مختلف جوانب الحياة؛ فمنها ما هو سياسي ومنها تاريخيّ ومنها تربويّ- تعليميّ ومنها اجتماعي ومنها ما هو غير ذلك، مع التنويه إلى أنّ بعض تلك المواضيع كان قد تمّ إعدادها قُبَيل سقوط النظام البعثي في سوريا في الثامن من كانون الأول 2024م، وليس بخافٍ على أحد أنّ تطوّرات كثيرة طرأت على المشهد السياسي والعسكري بعد سقوط النظام، لذا قد يصادف القارئ الكريم خلال قراءته لأبحاث هذا العدد مصطلحات، سياسية أو جغرافية أو عسكرية أو غيرها، كانت شائعة في مرحلة ما قبل سقوط النظام، واليوم اختفت تلك المصطلحات أو أنّ مصطلحاتٍ أخرى قد حلّت محلّها؛ لذا نودّ لفت الانتباه إلى هذه النقطة كي تُؤخذ بعين الاعتبار أثناء قراءة المجلّة.

       إنّ موضوع “سوريا في الاستراتيجية الإيرانية” يُعَدُّ من المواضيع الهامّة التي يجب الوقوف عندها؛ فقد كانت سوريا منذ عام 1979م الدولة الأكثر موثوقية واستراتيجية لدى إيران؛ وذلك بسبب المواقف الداعمة والثابتة التي اتّخذتها سوريا مع إيران في أوقات حرجة ومفصلية، كالوقوف إلى جانبها في حربها مع نظام صدام حسين، وفي صراعها الأيديولوجي مع الدول السُّنّية، وقد استمرّت هذه العلاقات بين الطرفَين إلى حين بروز الأزمة في البلاد، والتي أعطت الفرصة لإيران للسيطرة على القرار السياسي والعسكري للنظام والتمتّع بنفوذ واسع في المنطقة، إلّا أنّ ذلك لم يدم طويلاً بعد سقوط حليفها مع نهاية عام 2024م؛ الأمر الذي ساهم بشكل كبير في عرقلة المشاريع الإقليمية لإيران وخاصة المتغيّرات التي شهدتها سوريا، وقد تكون بمثابة الضربة القاضية لاستراتيجيتها في المنطقة؛ فانسحابها من دون مقاومة تُذكَر يوحي بدخول استراتيجيتها التوسّعية المتمثّلة (بمشروع الهلال الشيعي) مرحلة جديدة، لأنّ ايران وجدت أنّه من الأهمية أن تتراجع بعض الخطوات للوراء للحفاظ على ما تمتلكه من قوّة ومقدّرات، وأيضا لإعادة تقييم وضعها وترتيب أولوياتها، خاصة بعد الخسارة الكبيرة في العتاد والعناصر التي لحقت حزب الله وحماس.

     يشكّل العنف الطائفي الذي تشهده سوريا إحدى تجلّيات أزمتها التي تبدو مستعصية على الحلّ، وتسبّبت بتدهور الأمن الإنساني إلى مستويات خطيرة وغير مسبوقة، وسط عجز واضح عن تحقيق مصالحة مع الماضي ومع الحاضر، وقدرة كبيرة على ارتكاب أعمال انتقامية ونشر خطاب الكراهية. لقد أظهر هذا العنف مدى هشاشة الدولة السورية وعدم قدرتها على التحوّل إلى كيان سياسي واجتماعي واقتصادي متماسك، كما أظهر فشل نظام الدولة القومية ونظام الدولة الإسلامية في بناء دول تماثل الدول التي روّجت لها الأيديولوجيات القومية والدينية ووعدت بتأسيسها ولكنّها لم تفعل، بل قسّمت المُقسّم ودمّرت المُدمَّر، ولم يسلم البشر ولا البيئة من الشرور الناجمة عن الصراع على السلطة والثروة؛ وهنا كان لا بدّ لنا من الحديث عن “الطائفية وتداعياتها على المرحلة الانتقالية في سوريا”.

         كما أنّ أزمة الهوية في سوريا هي واحدة من أكثر القضايا تعقيداً وتأثيراً على مسار البلاد منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011م، وقد عكست هذه الأزمة التوتّرات العميقة بين مختلف المكوّنات الدينية والعرقية والثقافية، بعد أن عاشت خلال تاريخها المديد هذا التنوّع، وكشفَ هذا الصراع عن صراع طويل الأمد حول تعريف الهوية الوطنية السورية، وقد تفاقمت هذه الأزمة في ظلّ هذه الظروف؛ حيث أصبحت الهوية، بتنوّعها، أداة سياسية يتم توظيفها لتعزيز الانقسامات وتبرير الصراعات بين الفصائل والجماعات والقوى المتصارِعة والمتقاتِلة  والجهات المختلفة الأخرى في سوريا؛ الأمر الذي أدّى إلى انقسامات عميقة بين مكوّناتها.

  ومع تطوّر هذه الأحداث في سوريا برزت على السطح تحدّيات الهوية الوطنية السورية الجامعة، والتي تزامنت مع ما سُمّي في الإعلام الغربي بـ “الربيع العربي”، وكان لابدّ لنا من الخوض في مسألة “التناثر في الهوية السورية إلى حلّ الأمّة الديمقراطية – شمال غرب سوريا أنموذجاً”

      وتنظيم داعش لا يمكن تجاهله في معطيات المعادلة السورية منذ بدايتها وإلى اليوم؛ ولاشكّ أنّ هذا التنظيم قد مرّ بمراحل مختلفة حسب الشروط والظروف الإقليمية والدولية، فكان حينا في أوج قوّته ووحشيته، ووحينا أخرى كان يمرّ بأزماتٍ ويتعرّض لانتكاسات؛ لذا كان لا بدّ من تناول موضوع “أزمات داعش في سوريا” والوقوف عنده مليّاً… حيث يعيش التنظيم أزماتٍ كثيرةً ويخوض صراع بقاء بكلّ الوسائل الممكنة لديه، وبِغَضّ النظر عن نظرته تجاه قضيّته، يُعتبَر التنظيم رمزاً للشرّ لدى غالبية المجتمعات المحلّية، وفي حقيقة الأمر تتوفّر فيه مقومات ذلك؛ وتشهد عليها عمليات قطع الرؤوس، وقتل الأبرياء، وانتهاك الأعراض، وإبادة التراث الثقافي في المناطق التي خضعت لسيطرته، وممارسة التعذيب الوحشي، والتترّس خلف المدنيّين في مواجهة القصف الجويّ على نقاطه، وتهجير عشرات الآلاف، وتكفير المسلمين وغير ذلك، ولم ينفِ التنظيم تلك الممارسات، بل صوّرها ونشر مشاهد عنها متفاخِراً بها.

       ونظراً للحاجة الكبيرة لفهم الدور المتزايد للجامعات في المناطق التي تعاني من نزاعات وعدم استقرار سياسي، مثل شمال وشرق سوريا، ولتحليل الاستراتيجيات التي تتبنّاها الجامعات في شمال وشرق سوريا لتعزيز التعليم العالي وتطوير البحث العلمي، في ظل موارد محدودة وظروف معقّدة؛ من خلال دراسة هذه الاستراتيجيات وقفنا عند موضوع “البُعد الاستراتيجي للجامعات في شمال وشرق سوريا”؛ حيث يركّز البحث على فهم كيفية مساهمة جامعات شمال وشرق سوريا في تقديم فرص تعليمية تتناسب مع احتياجات سكان شمال وشرق سوريا، وكذلك بناء شراكات مع مؤسسات دولية؛ وتتمثّل إشكالية البحث في فهم كيفية تعزيز دور الجامعات في شمال وشرق سوريا في ظلّ التحدّيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها، ففي سياق النزاع المستمرّ وعدم الاستقرار، تواجه الجامعات صعوبات متعدّدة تؤثّر في قدرتها على تقديم تعليم عالي الجودة وتحقيق التنمية المستدامة.

يتناول العددان 19-20 من مجلة دراسات استراتيجية الدراسات التالية:

سوريا في الاستراتيجية الإيرانية- مركز روج آفا للدراسات الاستراتيجية

الطائفية وتداعياتها على المرحلة الانتقالية في سوريا- مركز روج آفا للدراسات الاستراتيجية

من التناثر في الهوية السورية إلى حلّ الأمّة الديمقراطية- أحمد بيرهات

أزمات داعش في سوريا- مركز روج آفا للدراسات الاستراتيجية

البُعد الاستراتيجي للجامعات في شمال وشرق سوريا- د. أشرف رفعت محمود

لتحميل المجلة اضغط على الرابط التالي : دراسات استراتيجية العددان19_20