الاجتماع الرباعي في موسكو الأهداف والتداعيات على الشعب السوري

انطلق يوم الثلاثاء الماضي في موسكو (بضغط من بوتين) الاجتماع الرباعي لنواب خارجية كلّ من سوريا وتركيا وإيران وروسيا، لبحث سبل تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق.

لا شكّ أنّ  التدخّل الروسي في الأزمة السورية يحقّق لموسكو  مصالح استراتيجية  لم تكن تحلم بها من قبل،  فقد وصلت الى المياه الدافئة عبر ميناء طرطوس  وقاعدة حميميم السوريتين،  وبذلك أصبحت موسكو على مرمى حجر من أوربا في الشمال وحقول البترول في السعودية والخليج في الجنوب والشرق،  ليس هذا فحسب بل إنّها  تريد اليوم  ( بعد تورّطها في الأزمة الأوكرانية ) أن تضع  جميع الملفات المتعلّقة بالأزمة السورية في يدها  خاصة ملف العلاقات السورية  التركية، وتأتي ضمن هذه الإستراتيجية  دعوة روسيا إلى الاجتماع الرباعي بين بوغدانوف الممثّل الخاص للرئيس بوتين في الشرق الأوسط  ونواب وزراء خارجية كلّ من سوريا وتركيا وإيران.

 وحسب المصادر الدبلوماسية فإنّ اجتماع موسكو سيكون بمثابة تمهيد للاجتماع المرتقَب بين وزراء خارجية الدول الأربعة، من أجل تمهيد الطريق أمام لقاء قمّة بين الرئيسين السوري والتركي ومن ثمّ تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا.

والسؤال المهم هو: ماهي مصلحة كل طرف من الأطراف الأربعة في هذه اللقاءات؟ ويبقى السؤال الأهم: مَن هو المتضرّر الأكبر من هذه اللقاءات؟

في البداية يجب أن نعرف أن الصراع في سوريا وعلى سوريا مركّب ومتعدّد الأطراف ومتداخل بين المصالح الروسية والإيرانية والتركية والأمريكية وحتى الإسرائيلية، فضلا عن مصالح القوى المحلية، الإدارة الذاتية في شرق الفرات والمعارضة والائتلاف في غرب الفرات.

المصالح الروسية:

لقد ذكرنا سابقا أنّ مصالح روسيا كبيرة وواسعة في سوريا وتشمل مصالح سياسية واقتصادية وعسكرية وإستراتيجية، ويمكن القول بأنّ سوريا أصبحت دولة محورية في التطلّعات الروسية، وتتجلّى فعالية الدور الروسي في سوريا في استعادة بعض مناطق النفوذ التي فقدتها روسيا عقب تفكّك الإتحاد السوفييتي سابقا من جهة والسعي لإعادة التوازن مع أمريكا في إطار نظام قطبي تعدّدي، الأمر الذي يفسّر بوضوح أهداف التدخّل الروسي في سوريا.

بالإضافة إلى ذلك فإن موسكو تعمل جاهدة على تغيير قاعدة التحالفات ومناطق النفوذ في الشرق الأوسط لصالحها، وتأتي ضمن هذه الإستراتيجية الروسية الجديدة إصرار موسكو على إقامة التحالف مع الصين وإيران والسعودية ودول الخليج وتركيا لعدة أسباب أهمها: تقويض العلاقات بين السعودية ودول الخليج من جهة وأمريكا من جهة أخرى  وبين  تركيا وحليفتها أمريكا بشكل خاص، ومن ثمّ تحويل تركيا إلى حديقة خلفية لروسيا خاصة بعد  الحرب الروسية الأوكرانية، ومن أجل كسر الحصار الأمريكي  ورفع القيود عن  الأغذية والحبوب الروسية ….الخ، وهي أشياء من الممكن أن تقوم بها تركيا  ليس هذا فحسب بل تريد موسكو  أن تصل الى مضيق البوسفور والدردنيل، ولا يمكن أن يحصل هذا دون بقاء أردوغان في الحكم، ولهذا تعمل موسكو على دعم أردوغان في الانتخابات  بشتّى السبل، وتأتي عملية الضغط على النظام السوري للتطبيع مع أردوغان ضمن هذا السياق، خاصة وأنّ أردوغان  يريد تحقيق نصر خارجي وهو إعادة اللاجئين السوريين إلى ديارهم، لأنّ إعادة اللاجئين ربّما يلعب دورا مهمّا في الوضع الداخلي التركي.

المصالح التركية:

تُعدّ تركيا من أكثر الدول المعنية بالقضية السورية في مجالها الإقليمي،  ليس بسبب حدودها  الطويلة مع سوريا، فقد رأت تركيا فيما تسمى بـ (الثورة السورية) فرصة  مناسبة  لتعديل كفّة موازين القوى في المنطقة لصالحها من خلال إسقاط النظام السوري الموالي لإيران و تسليم دمشق لحكومة إخوانية (تابعة لحركة الإخوان المسلمين) موالية لحزب العدالة والتنمية الحاكم في أنقرة، ليس هذا فحسب  بل إنّ طموحات أردوغان أكبر من ذلك بكثير، وهي القضاء على الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا وثم  اقتطاع شمال وشرق سوريا حتى حلب وضمّها لتركيا وفق بنود الميثاق الملّي والخريطة التي تستند إليها كما فعلت في لواء إسكندرون من قبل.

المصالح الإيرانية:

تُعتبَر إيران الحليف التاريخي للنظام السوري والداعم الرئيسي له، وتسعى إيران إلى التمدّد والتوسع  في المنطقة  العربية ( عبر سوريا ) للهيمنة على مقدّراتها ونشر المذهب الشيعي، هذا من جهة  ومن جهة أخرى فإن دعمها اللامحدود لسوريا يساعدها في تقوية وضعها  في المفاوضات حول ملفّها النووي، كما أنها تستطيع الضغط على أمريكا من خلال وجودها في منطقة الميادين والبوكمال، وعلى هذا الأساس تتعامل إيران مع الأزمة السورية على أنّها  أزمة إيرانية وعلى هذا الأساس تستثمر إيران جهودها لإفشال أي اتّفاق من شأنه إنهاء النظام، لأنّ نهاية النظام تعني انتهاء المحور التي تقوده إيران بأكمله.

والسؤال الثاني الذي يطرح نفسه هو:

ماهي مصلحة الشعب السوري في التطبيع بين سوريا وتركيا؟

منذ بداية اجتماعات استانا الخاص بالملفّ السوري عام 2017 وحتى اليوم لم تحقّق هذه الاجتماعات نتائج تُذكر لمصلحة الشعب السوري على جميع الأصعدة، سواء فيما يتعلّق بوقف إطلاق النار بين الحكومة والمعارضة أو الإفراج عن المعتقَلين في سجون النظام أو عودة اللاجئين، كما أنّ التطبيع المحتمَل سيكون وبالًا على المعارضة السورية التي تسير في فلك تركيا.

علق بدران جيا كرد رئيس دائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا في مقابلة مع صحيفة الشرق الأوسط على الاجتماع الرباعي في موسكو قائلا: ” في ظلّ غياب معايير واضحة للحلّ السياسي الشامل للوضع السوري من قبل المجتمعِين فإنّ أيّ توافق سيؤدّي إلى شرعنة الاحتلال التركي سياسيًا..  وإنّ الاجتماعات التي تشارك فيها تركيا تستهدف مشروع الإدارة الذاتية ومحاولة جديدة لدفع سوريا باتّجاه حرب داخلية أكثر دموية “.

وحسب وكالات الأنباء فقد أكّد أيمن سوسان ممثّل سوريا في الاجتماع على ضرورة إنهاء الوجود التركي غير الشرعي على الأراضي السورية، وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية السورية ومكافحة الإرهاب بكل أشكاله.

وكان الرئيس السوري قد صرّح عدّة مرّات عبر وسائل إعلام روسية أنّ اللقاء بينه وبين أردوغان لن يتمّ دون الانسحاب التركي من الأراضي السورية.

فهل ستكفّ موسكو عن ضغطها على النظام السوري وتترك حليفها أردوغان في مهب الريح؟.

زر الذهاب إلى الأعلى