بعد داعش

انتصارات قوات سوريا الديمقراطية مستمرة

بعد الانتصار العسكري الكبير الذي حققته قوات سوريا الديمقراطية على تنظيم داعش الإرهابي وإعلان النصر بشكل رسمي في 23/3/2019 في آخر معاقل التنظيم في الباغوز استطاعت تلك القوات وتمثيلها السياسي مجلس سوريا الديمقراطية من تحقيق نصرٍ سياسيٍ على تركيا الأردوغانية الداعم الأكبر للإرهاب في الشرق الأوسط والعالم، وذلك من خلال استمرار التعاون بين قوات سوريا الديمقراطية والولايات المتحدة الأمريكية والذي تحول إلى ما يشبه تحالفاً استراتيجياً في مجال مكافحة الإرهاب، هذا الأمر شكل هاجساً كبيراً لدى أردوغان مما جعله يعيد حشد قواته ومرتزقته على حدوده الجنوبية وتجديد تهديداته بشن عملية عسكرية على مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بهدف احتلال المنطقة والسيطرة على ثرواتها وتنفيذ عمليات التطهير العرقي والتغيير الديمغرافي ضد الكرد كما فعل في عفرين، إلا أن محاولاته كلها باءت بالفشل حيث لم ينجح في الحصول على الضوء الأخضر من الولايات المتحدة حليفتها في حلف الناتو، على غرار الضوء الأخضر الروسي أثناء عدوانه على عفرين.

لقد استطاعت قوات سوريا الديمقراطية بفرض نفسها كقوة مؤثرة في مجال محاربة الإرهاب في المنطقة وأصبح لها موقع استراتيجي في معادلة توازن القوى على الأرض وتحولت إلى شريك مهم للتحالف الدولي في محاربة الإرهاب، خاصة بعد تأكيد البنتاغون على قدرة داعش على إعادة تنظيم صفوفه مجدداً، خصوصاً بعد أن بثَّ التنظيم إصداراً جديداً توعد فيه زعيم التنظيم الإرهابي أبو بكر البغدادي بالمزيد من المفخخات والعمليات ضد شمال وشرق سوريا، ويبدو أن هذا النصر السياسي لم يقتصر فقط على تركيا بل يعتبر نصراً على المخططات الروسية للسيطرة على منطقة شرق الفرات الغنية بالثروات التي تحتاج إليها روسيا لتعويض خسائرها، ولزيادة الشرخ في الحلف التركي الأمريكي ضمن حلف الناتو حيث تحاول روسيا دفع تركيا لشن عملية عسكرية محدودة على شمال وشرق سوريا، كما ترفض روسيا بأن تكون المنطقة الأمنة تحت السيطرة التركية، كونها تعلم بأن ذلك يعني احتلال تركيا لشمال وشرق سوريا والذي سيصعب الأمور على روسيا في أملها في الوصول إلى تفاهم بين قوات سوريا الديمقراطية والنظام. أما الولايات المتحدة فقد عملت على قطع الطرق أمام روسيا لتنفيذ مخططاتها وذلك من خلال إرسالها  الجنرال ماكينزي قائد القيادة المركزية في الجيش الأمريكي في الشرق الأوسط إلى كوباني للقاء مظلوم كوباني قائد قوات سوريا الديمقراطية من أجل الوصول إلى صيغة تفاهمية تجنباً لأي عملية عسكرية تركية على المنطقة, وقد تزامنت زيارة ماكينزي مع زيارة المبعوث الدولي لسوريا جيمس جيفري إلى أنقرة، حيث أسفرت الزيارات المكوكية للمسؤولين الأمريكيين لأنقرة وشمال شرق سوريا في الوصول إلى صيغة جنبت المنطقة حرباً جميع الأطراف فيها خاسرين. إن وصول الولايات المتحدة إلى صيغة مبدئية مع الأتراك انعكست سلباً على روسيا التي لم تكن ترغب بالوصول إلى حل بمعزلٍ عنها، مما أدى بها إلى زيادة ضغطها على تركيا من خلال دفع النظام إلى القيام بعمليات عسكرية ولأول مرة على منطقة الباب حيث شنت قوات النظام بتاريخ 13/8/2019 هجوماً عنيفاً على فصائل درع الفرات في محيط الباب، وفي إدلب شنت قوات النظام هجوماً كبيراً بتاريخ 14/8/2019 فمن خلال العمليات العسكرية الكبيرة التي قامت بها قوات النظام والمدعومة من الطيران الروسي، تمكنت تلك القوات من السيطرة على مواقع استراتيجية في ريف إدلب الجنوبي، وهذا بمثابة رسالة تهديد من روسيا لتركيا بأن أي تفاهم تركي أمريكي بمعزل عنها في شمال وشرق سوريا سيرافقه البدء بعملية استعادة السيطرة على الشمال السوري وإخراج تركيا ومرتزقتها منه خصوصاً بعد فشل تركيا في إخراج جبهة النصرة من إدلب وزجهم في معارك شرق الفرات لتصفيتهم، وبهدف جذب تركيا أكثر لطرفها تحاول روسيا ولمنع حدوث تقارب بين الولايات المتحدة وتركيا حول شمال وشرق سوريا بإغراء تركيا بصفقات جديدة كالتنازل عن مدينة تل رفعت ومحيطها من القرى لتركيا.

إن قيام الولايات المتحدة بتغيير مفهوم المنطقة الآمنة إلى ممرٍ للسلام وهو ما يعني منطقة منزوعة السلاح “أي سحب الأسلحة الثقيلة من قبل قوات سوريا الديمقراطية بعيداً عن الحدود التركية”، قد تهدف من وراء ذلك تغيير البوصلة التركية نحو مصطلح جديد مما يعني إفراغ التصريحات التركية “أردوغان” من مضمونها في شن عملية عسكرية لإقامة منطقة آمنة تحت إدارتها وهو مالا ترغب بها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في شمال وشرق سوريا. كما إن إقامة مركز للعمليات المشتركة في تركيا في أقرب وقت ممكن من أجل التنسيق وإدارة إنشاء المنطقة الآمنة معاً ستجعل من الولايات المتحدة قريبة من القرار العسكري التركي والتأثير في منع الجيش التركي من القيام بأي عملية عسكرية مفاجئة على شمال وشرق سوريا حيث ستكون الولايات المتحدة الخاسر الأكبر في المسألة السورية. لذا إن أي عملية في شمال وشرق سوريا ليس من صالح الولايات المتحدة، وما يشجع تغليب لغة الحوار هو تصريح القائد عبد الله أوجلان بأن الكرد ليسوا بحاجة إلى دولة خاصة بهم، مؤكدا استعداده لحل النزاع بين الكرد وأنقرة، وهذا يعني أن الولايات المتحدة تدرك تماماً بأن الكرد لن يشكلوا تهديداً لتركيا من جهة ومن جهة أخرى إعادة مفاوضات السلام بين تركيا وحزب العمال الكردستاني.

إن الانتصار الأكبر لقوات سوريا الديمقراطية واستمرارها في حماية أبناء المنطقة بمختلف مكوناتها من التهديدات التركية والتنظيمات الإرهابية، يكمن بمساهمتها في حصول الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا على اعتراف أممي بالإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا واستعادة المناطق المحتلة وفي مقدمتها عفرين من الاحتلال التركي والقضاء على التنظيمات الإرهابية بمختلف مسمياتها في سوريا والوصول إلى حلٍّ شاملٍ للأزمةِ السوريةِ.

زر الذهاب إلى الأعلى