فشل سياسة أردوغان الخارجية   وبداية العد التنازلي في سوريا

تركيا باتت المسبب الرئيسي في تعقيد الأزمة السورية من خلال نشر النعرات الطائفية بين مكونات الشعب السوري، فبعد فشلها في إسقاط النظام عملت على ضرب المشروع الديمقراطي في الشمال السوري وضرب أي أمل للوصول إلى اتفاق بين ما يسمى بالمعارضة المتمثلة بالائتلاف الذي خسر الكثير بسبب ارتباطه بالأجندة التركية وبين الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا ومشروعها الديمقراطي والذي سيشكل عائقاً كبيراً أمام تحقيق الأهداف العثمانية في احتلال الشمال السوري المتمثل بـ”الميثاق الملّي” فوجهت الفصائل المرتزقة لاحتلال عفرين ومن ثم منطقة سري كانيه وكري سبي، فمن جهة نجحت تركيا إلى حد ما بإثارة النعرات الطائفية ومن جهة أخرى نجحت بإحداث تغيير ديموغرافي في الشمال السوري “عفرين وكري سبي وسري كانيه”، وقد باتت الغطرسة الأردوغانية في المنطقة وتجاهلها للمجتمع الدولي تشكل عائقاً كبيراً بالنسبة لحلف الناتو وحتى روسيا، رغم منح الولايات المتحدة الضوء الأخضر لتركيا باحتلال كري سبي وسري كانيه إلا أن الولايات المتحدة لم تكن راضية عن ذلك كون إصرار أردوغان على اجتياح المنطقة وضعت الولايات المتحدة في موقف صعب إما ضرب الجيش التركي مما يعني ضرب حلف الناتو أو الانسحاب من تلك المنطقة والحفاظ على حلف الناتو وإدخال الروس، ونتيجة لانسحابها من المنطقة خسرت الولايات المتحدة بسبب عنجهية أردوغان جزءاً من مصداقيتها في العالم في الدفاع وحماية شركائها “قوات سوريا الديمقراطية” ممن شاركوا القوات الأمريكية والتحالف الدولي في محاربة تنظيم داعش الإرهابي المدعوم أساساً من قبل تركيا، كما أن تنامي العلاقات التركية الروسية وصفقة إس 400 وتهديد أنقرة على لسان وزير خارجيتها بالرد على الولايات المتحدة بالبحث في مسألة الوجود الأمريكي في قاعدتي أنجرليك وكورجيك في حال فرضت عقوبات على تركيا.
أما روسيا فتعمل على بث الخلافات بين أعضاء الناتو وإضعافه من خلال البوابة التركية، إلا أنها تدرك تماماً بأنها غير قادرة على إخراج تركيا من حلف الناتو كون تركيا غير قادرة بالابتعاد عن الناتو ومواجهة العقوبات الغربية لها، فالسياسة الروسية في سوريا منذ البداية كانت تقوم على ضرب العلاقات التركية الأمريكية من جهة واستغلال تركيا لبسط سيطرة النظام على أراض جديدة من خلال عقد صفقات وتبادل المناطق ومن خلال آستانا وسوتشي كون قوات النظام لم تكن قادرة على بسط سيطرتها عليها عسكرياً، حيث نجحت روسيا عن طريق تركيا بتجميع التنظيمات المسلحة والإرهابية في إدلب وتحجيم الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا من خلال الاجتياح التركي لشمال وشرق سوريا بعد الانسحاب الأمريكي من المناطق الحدودية، كما نجحت بالتقرب من الكرد وقوات سوريا الديمقراطية بعد فترة شبه انقطاع في العلاقات الكردية الروسية بعد منحها الضوء الأخضر لأردوغان باحتلال عفرين بعد الانسحاب الأمريكي وقوات التحالف من المناطق الحدودية في شمال وشرق سوريا، وباتت الضامن في المفاوضات بين النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية وتمثيلها السياسي مسد، ومحاولتها إيجاد صيغة توافقية بين الطرفين من خلالها يكون النظام قادراً على وضع يده على منابع النفط في شمال وشرق سوريا والذي سيساعد على دعم الاقتصاد السوري والحفاظ على الليرة السورية من الانهيار، والوقوف في وجه الخطط الأمريكية التي قد تهدف إلى إيجاد طرق أو خطوط جديدة لنقل نفط المنطقة وباشور كوردستان وتصديره إلى الخارج بعيداً عن مناطق سيطرة النظام، حيث بات نفط المنطقة مطمعاً ليس فقط للولايات المتحدة وروسيا وإنما لتركيا التي باتت تطرح صفقات للولايات المتحدة وروسيا في كيفية استغلال نفط المنطقة وحرمان أبناء المنطقة منها بهدف إضعاف الإدارة الذاتية أو القضاء عليها.
وبالنظر إلى الأزمة السورية فقد أصبحت تركيا الأردوغانية عائقاً لإيجاد حل سياسي في سوريا كون أطماع أردوغان تتجه نحو شمال وشرق سوريا الغنية بالنفط بين ديرك وقامشلو وهو ما سيؤثر على الأهداف الروسية في المنطقة وحتى الأمريكية، كما أن تركيا بوضعها الحالي بدأت تثير غضب الدول الغربية والولايات المتحدة وتشكل حجرة عثرى أمام العلاقات الأوروبية الأمريكية، من هنا نجد أن التواجد التركي في سوريا ودورها المزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط تهديداً للغرب والروس على حدٍ سواء، وهو ما بدا واضحاً في إدلب من خلال رفض الولايات المتحدة تزويد تركيا بمنظومة باتريوت ورفض الناتو تقديم المساعدة لها بحجة أن تركيا تدخلت في الأزمة السورية بدون موافقة الحلف، لذا رضخ أردوغان لبوتين وعقد اجتماعاً في موسكو بناء على طلب بوتين لإيجاد مخرج للأزمة في إدلب، كما أن قيام بوتين بجعل أردوغان ينتظره في غرفة الاستقبال إهانة له ولتركيا ورسالة واضحة بأن تركيا لا تعني شيئا لروسيا ولا تشكل تهديداً لها في الأزمة السورية، وأن روسيا هي التي تملي شروطها في سوريا وهو ما بدا واضحاً من نتائج اجتماع بوتين أردوغان فلم تتراجع قوات النظام ولم ينفذ أردوغان تهديده بل نجح بوتين أيضاً بتأمين طريق M4، وهو ما شكل ردود فعل عكسية في الداخل التركي تجاه عجز أردوغان، وقد يكون هذا استمرارا لانحسار وتراجع شعبية أردوغان وحكومته وفشله في إدارة السياسة الخارجية لتركيا وزج تركيا في ملفات إقليمية أثرت على وضع تركيا دولياً، حيث باتت تركيا تعاني من المستنقع السوري أو الليبي على حدٍ سواء، بالإضافة إلى تشكل أحزاب جديدة مناوئة لحزب العدالة والتنمية كحزب المستقبل بقيادة أحمد داؤود أوغلو وحزب الديمقراطية والتقدم بقيادة علي باباجان مما يعني إن حزب العدالة والتنمية سيفقد الأغلبية البرلمانية في الانتخابات المقبلة ومن المحتمل جداً أن تتم الإطاحة به خاصة أن الولايات المتحدة بدأت تتحرك ضد حزبه فقد تحدث التقرير السنوي للخارجية الأمريكية، عن حالة الفوضى التي تضرب نظام أردوغان، مشيرةً بذلك إلى عمليات تزوير واسعة والتي حصلت في الانتخابات وحجم الانتهاكات الصارخة ضد المعارضين والصحافيين ووسائل الإعلام وغيرهم، ورغم أن التقرير سلط الضّوء على عمليات تركيا الخارجية واعتبر التقرير أن القوات التركية المسلحة وبمساندة الفصائل المرتزقة المدعومة من قبلها وعبر إطلاقها عملية تحت مسمى نبع السلام في تشرين الأول، في منطقة الحدود الشمالية السورية قد ارتكبت (جرائم حرب) حيث تسببت في وقوع إصابات بين المدنيين، واستهداف البنية التحتية المدنية، والمناطق السكنية، والمدنيين، وتنفيذ عمليات القتل خارج نطاق القضاء، ونهب وحجز الممتلكات في المناطق التي سيطرت عليها (منطقتي كري سبي وسري كانيه). لكن الخطر الكبير يكمن في قيام أردوغان بإشغال المعارضة والرأي الداخلي التركي وللحفاظ على ماء وجهه باجتياح عسكري جديد في شمال وشرق سوريا.

 

زر الذهاب إلى الأعلى