مخطط الدولة التركية في إبادة القوى الكردستانية في جنوب كردستان

سعت الدولة التركية ومنذ مطلع العام الجاري على زيادة تواجدها على الأراضي الخاضعة لسلطة الحزب الديمقراطي الكردستاني سواء بالعمليات العسكرية التي بدأت منذ 23 نيسان أو عبر تعزيز القواعد العسكرية داخل أراضي الإقليم والتي وصلت إلى ما يقارب 38 قاعدة عسكرية موزعة على كامل الشريط الحدودي امتداداً من حدود الإيرانية وجنوب كردستان وصولاً إلى مثلث الحدود السياسية بين مجموعة من الدول العراق وتركيا وسوريا)، بشكل يثير التساؤل حول تساهل حكومة جنوب كردستان مع المدّ التركي الذي تجاوز سيادة العراق وبرلمان جنوب كردستان.

مما لا شك فيه فالانتخابات البرلمانية الأخيرة في العراق وحصول الديمقراطي الكردستاني على 34 مقعداً كشف اللثام نوعاً ما عن تبديد الهواجس التي كانت تتمالك الحزب الديمقراطي الكردستاني في إمكانية السيطرة على الواقع السياسي في جنوب كردستان والاطاحة بالأحزاب والقوى السياسية التي تتشارك معها عائدات جنوب كردستان إلى جانب مشاركتها في اتخاذ القرار ولعل هذه الخطوات لم تأتِ بشكل فردي بل جاءت ولربما بدعم من الدولة التركية التي تتشارك مع الحزب الديمقراطي الكردستاني في الأهداف إلا وهي التمدد على كامل جغرافيا جنوب كردستان.

حيث يتشارك الحزب الديمقراطي السياسات التي تقوم بها الدولة التركية تجاه الشعب الكردي في أجزاء كردستان الأربعة وذلك من خلال تنفيذها لسياسات استهداف الشعب الكردي في ثلاثة محاور أساسية وهو تنفيذ اتفاق شنكال وتمهيد الطريق لوصول القوات التركية إلى محيط شنكال ومحاصرتها، إلى جانب عودتها إلى المناطق المتنازع عليها وأبرزها كركوك وهي إحدى الأهداف الأساسية التي تسعى الدولة وعبر ورقة التركمان من الوصول إليها بالإضافة إلى دعم العمليات العسكرية التي تقوم بها الدولة التركية في قنديل، وبالطبع فإن هذه السياسات التي ينتهجها الحزب الديمقراطي الكردستاني تشكل نوعاً من الضغط لعرقلة حل القضية الكردية في المنطقة.

وفي سياق متصل بعدم إيجاد استقرار في الجزء غير الخاضع لنفوذ الحزب الديمقراطي الكردستاني في جنوب كردستان فإننا لا نجزم بعدم ضلوع حزب الديمقراطي الكردستاني بالخلافات الداخلية التي كانت قد عصفت مؤخراً في صفوف حزب الاتحاد الوطني الكردستاني (YNK) الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى استبعاد أحد أبرز قادة الحزب وهو لاهور شيخ جنكي علاوةً على ذلك قضية محاولة تسميم ملا بختيار أحد القادة البارزين في صفوف حزب الاتحاد الوطني والذي كان قد صرح في وقتٍ سابق إلى شعوره بالخيبة بسبب وقوف بعض القيادات الكردية خلف محاولات تسميمه؛ بذلك تكون أحد أبرز القوى السياسية الكردية في جنوب كردستان منشغلة بالأوضاع الداخلية لها متجاهلة مساعي الديمقراطي الكردستاني للوصل إلى رئاسة الجمهورية أيضاً إلى جانب قيامها بالسيطرة على الأكثرية في البرلمان العراقي.

هذه المعطيات تأتي بشكل متواز مع التمدد التركي وقرب تشييد الدولة التركية لقاعدة عسكرية لها في السليمانية الواقعة تحت نفوذ الاتحاد الوطني الكردستاني وبالطبع فإن التخبط السياسي داخل القوى الكردستانية في جنوب كردستان يعزز من موقف الحزب الديمقراطي الكردستاني بالتمدد وبالطبع نؤكد هنا إلى أن تمدد الديمقراطي الكردستاني يعني تمدد نفوذ الدولة التركية.

من جانبٍ آخر وفي السياق ذاته فقد حملت التفاهمات الأخيرة بين بغداد والقوى الكردستانية حول عودة البيشمركة إلى المناطق المتنازع عليها نوعاً من الامل لدى القوى الكردستانية بعودة كركوك إلا أن ممثلي ومندوبي الانتخابات من القوى الكردستانية تم منعهم ومضايقتهم من قبل المكون التركماني في كركوك وسط تصاعد الأصوات المطالبة بحقوق المكون التركماني، وهنا يمكن الإشارة إلى أن القوى الكردستانية لن تستطيع الدخول إلى كركوك إلا في حال وجود تفاهمات فيما بينها وبين الدولة التركية وبالطبع فإن هذه التفاهمات محصورة بين الأخيرة وبين الحزب الديمقراطي الكردستاني لذا فالقوى الوحيدة القادرة على الدخول إلى كركوك هي الحزب الديمقراطي الكردستاني والذي كان قد دعا رئيس جنوب كردستان السابق مسعود البرزاني إلى حقوق المكون التركماني في إقليم كردستان.

هذه التحركات من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني ترافقت مع التكثيف الجنوني للدولة التركية لعملياتها العسكرية في جنوب كردستان بالإضافة إلى تكثيف الطلعات الجوية لها لمرافقة العمليات البرية للجنود الاتراك بعمليات تمشيط من قبل البيشمركة والتي كان قد تكلف جزء منها في حماية القواعد العسكرية وأدت إلى تغيير في تكتيك الحرب ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني واستغلاله وعدم انجراره حزب العمال الكردستاني إلى خوض الصراع مع القوى الكردستانية الأمر الذي أفسح المجال بشكل أكبر للحزب الديمقراطي الكردستاني في التمدد بشكل أكبر في جغرافية جنوب كردستان؛ إلى جانب ذلك فإن الهجمات الأخيرة التي كانت قد تعرضت لها مؤخراً أربيل ومحيط القواعد العسكرية الأمريكية والتي قادها التيار التركماني داخل الحشد الشعبي يؤكد تبلور الفكرة الأساسية وهي إبقاء جنوب كردستان في حالة عدم استقرار وتوجيه انظار القوى الكردستانية إلى الخارج وعدم النظر إلى التغييرات التي يشهدها الواقع السياسي والعسكري في جنوب كردستان.

زر الذهاب إلى الأعلى