فشل أردوغان… تركيا تنحني أمام عظمة مصر

عندما اعتلى أردوغان عرش السلطة في تركيا اتّخذ منحىً مغايراً عمّا كانت عليه الدولة التركية، فتوجّه من دولة علمانية إلى دولة إسلامية، وذلك لتحقيق أطماعه الاستعمارية في المنطقة وتنفيذ مشروعه “العثمانية الجديدة ” فبدأ باستغلال الإسلام السياسي، وقدّم الدعم اللوجستي والعسكري لتنظيم الإخوان وبدعم مالي قطري لتنفيذ مخطّطاته في المنطقة العربية.

فبعد ما يسمّى بالربيع العربي في مصر والعالم العربي ونجاح  تنظيم الإخوان في الوصول إلى الحكم في مصر، بدأ مؤشّر العلاقات بين مصر وتركيا بالصعود؛ باعتبار أنّ مصر دولة محورية في العالم العربي ولها ثقلها السياسي، وهو ما يحتاج إليه أردوغان لتنفيذ مخطّطاته في العالم العربي. لكن فشل الإخوان في إدارة الدولة، ورفض الشعب المصري لهم أسقط حكم الإخوان الذي لم يستمر أكثر من عام واحد، واستلم السيسي السلطة وبدأت معه مصر مرحلة جديدة تقوم على محاربة تنظيم الإخوان في الداخل والخارج، وقد رافق سقوط الإخوان في مصر تدهور العلاقة التركية مع مصر؛ وأصبحت أراضي الدولة التركية ملاذاً آمناً لقيادات الإخوان وقاعدة لنشر الفتن والعمليات الإرهابية وبدعم لا محدود من الدولة التركية والقطرية؛ سعياً منهما لإعادة الإخوان إلى مصر. إلّا أنّ فشل أردوغان في التأثير على مصر، وسقوط مشروع الإخوان في ليبيا وتونس وحتى في سوريا، ومع تغير ملامح المنطقة وظهور مشاريع اقتصادية فيها بعيدة عن تركيا، دفع أردوغان لإعادة علاقته مع مصر وتقديم تنازلات لها، ومن بين أهم هذه التنازلات زيارة أردوغان لمصر بعد قطيعة دامت لسنوات، عمل خلالها أردوغان على محاربة السيسي وإسقاطه وإعادة الإخوان إلى مصر.

أسباب زيارة أردوغان لمصر:

1- فشله في إحداث تغييرات في مصر

فلم يستطع تنظيم الإخوان ومن ورائه تركيا وقطر أن يغيّر السلطة في مصر أو حتى إحداث شرخ بين الشعب والقيادة المصرية.

2- فشله في سوريا

على الرغم من احتلاله لأجزاء واسعة من الشمال السوري من بينها مناطق “عفرين وسري كانيه وكري سبي” التابعة للإدارة الذاتية إلّا أنّ فشله في الحصول على الضوء الأخضر الأمريكي باحتلال مناطق جديدة وإنهاء الإدارة الذاتية، وصمود الإدارة الذاتية في إقليم شمال وشرق سوريا أمام هجماته الإرهابية على البنى التحتية التي ما تزال مستمرّة حتى الآن، وتوسّع علاقة الإدارة الذاتية مع محيطها الإقليمي وبالأخص مع مصر، إلى جانب فشل أردوغان في التطبيع حتى الآن على الأقل مع النظام في دمشق، كل ذلك يُعتبَر فشلاً ذريعاً لسياسته في سوريا وأمام الإدارة الذاتية التي ما تزال واقفة على قدميها وتسير نحو تحقيق مشروعها الديمقراطي في المنطقة وتحويل سوريا إلى بلد ديمقراطي تتمتّع فيه كلّ الشعوب والطوائف بحقوقها السياسية والاقتصادية والثقافية.

3– ظهور مشاريع اقتصادية في المنطقة بعيدة عن تركيا

من أهم هذه المشاريع المشروع الأمريكي الذي يربط الهند بالمنطقة العربية “الإمارات والمملكة العربية السعودية والأردن” وإسرائيل بأوروبا عبر اليونان، إلى جانب مشروع نقل غاز شرقي المتوسط “إسرائيل ومصر” إلى أوروبا عبر قبرص واليونان، ومشروع نيوم ورؤية محمد بن سلمان 2030م.

4– تأزّم الوضع الاقتصادي في تركيا

إنّ سياسة أردوغان الخارجية التي أدّت إلى تدهور العلاقة التركية مع جيرانها ومحيطها الإقليمي قد انعكست سلباً على الوضع الاقتصادي لتركيا، ومع فشل سياسته الاقتصادية وتدهور الليرة التركية التي وصلت لمستويات قياسية أدّى إلى زيادة التضخّم في تركيا، فكان لا بدّ من إعادة علاقته مع جيرانه الإقليميين وخصوصاً مصر.

هذه الأسباب وغيرها دفعت أردوغان إلى إعادة النظر في علاقته مع السيسي والشعب المصري وفتح صفحة جديدة معها، إلّا أنّ هذا لا يعني بالضرورة قيام أردوغان بتغيير سياسته في المنطقة، بل يحاول كسب مصر إلى صفّه، والحصول على مكاسب فشلَ في الحصول عليها خاصة في سوريا.

بعض النتائج المترتّبة على هذه الزيارة:

1- تنظيم الإخوان

إنّ استمرار الرئيس المصري في سياسته المناهضة لتنظيم الإخوان في الداخل وفي الخارج وبالأخص على الأراضي التركية، وهذه بالنسبة للرئيس المصري خط أحمر لا يمكن التهاون فيها، حتى أنّ التنازلات التي قدّمها أردوغان بشأن الإخوان في السابق غير كافية، كترحيل بعض قيادات الإخوان وتقييد تحرّكات التنظيم على الأراضي التركية وإجبارهم على تغيير خطابهم المناهض للسيسي، ولكسب مصر إلى صفّه يجب على أردوغان تقديم تنازلات جديدة لمصر، لذا لا يمكن استبعاد قيام أردوغان بتسليم قيادات الإخوان لمصر أو ترحيلهم خارج مصر وتقييد تحرّكاتهم بشكل كامل على الأراضي التركية، وبالتالي فإنّ التنظيم سيتلقّى أوّل طعنة من حليفه أردوغان، والذي طالما كان أنصاره عبيداً لأردوغان وسياسته الخارجية، واليوم سيقوم أردوغان ببيعهم لمصر.

2- الملف السوري

تعتبر مصر دولة لها ثقلها السياسي في العالم العربي، وقد يكون لها تأثير على النظام السوري، ومن خلال البوّابة المصرية قد تتمكّن مصر بالضغط على النظام وإعادة التطبيع مع دولة الاحتلال التركي، على الرغم من وجود شروط للنظام مقابل التطبيع مع تركيا، كالانسحاب من المناطق المحتلّة وكون هذا الأمر قد يكون شبه مستحيل بالنسبة لتركيا خاصة في هذه المرحلة وكبادرة حسن نيّة سيقوم أردوغان بتسليم ملفات التنظيمات المسلحة “المنضوية تحت مسمّى الجيش الوطني – الجيش الحر سابقاً –” للنظام السوري، والتنازل عن هذه التنظيمات عن طريق المصالحة مع النظام، وبالتالي فإنّ العديد من قادة الجماعات الإرهابية سيكونون ضمن دائرة الخطر، وقد يتم تسليمهم للنظام السوري على غرار المقدّم حسين هرموش، لذا سيكون تنظيم الإخوان الجناح السوري قد تلقّى هو أيضاً طعنة في الظهر من قبل حليفه أردوغان.

أمّا فيما يتعلّق بالانسحاب التركي من الشمال السوري وفي حال حصل توافق كامل بين النظامين التركي والمصري في الملف السوري، فقد تتحوّل مصر إلى دولة ضامنة للانسحاب التركي من المناطق المحتلّة ضمن جدول زمني يتم التوافق عليه بين تركيا والنظام وبرعاية روسية مصرية.

كما أنّ لأردوغان هدفاً آخر وهو الحفاظ على النظام المركزي في سوريا، وذلك بالتعاون مع مصر وعدم السماح بإنشاء نظام لا مركزي، وهو ما يعني تقويض الإدارة الذاتية وعدم السماح لها بتنفيذ مشروعها الديمقراطي في سوريا المستقبلية، إلى جانب ذلك قد يحاول أردوغان تقديم طلب لمصر بإغلاق مكاتب مجلس سوريا الديمقراطية في مصر. إلّا أنّ كلّ ذلك متوقّف على الموقف المصري الذي يدرك تماماً النوايا التركية، والذي قد يلتقي مع الدولة التركية في بعض الملفّات.

في هذا السياق، إنّ النوايا التركية المتعلّقة بالملف السوري أو حتى ملف الإخوان قد يضر بالمصالح الأمريكية والبريطانية  في المنطقة، لذلك عملت الولايات المتحدة ولمنع الاضرار بمصالحها في المنطقة وعدم الانفتاح على النظام السوري خاصة أنّ مسار التطبيع تقوم بها روسيا، على تفعيل قانون مناهضة التطبيع مع نظام السوري، والذي يفرض على الإدارة الأمريكية استخدام قوانين “قيصر- الكبتاغون” ضد الدول والشركات والأفراد التي تقدّم دعماً أو تمويلاً للنظام السوري، وقد يتحوّل مركز الإخوان من تركيا إلى بريطانيا “كون الإخوان صناعة بريطانية بامتياز” لحمايتهم من تركيا وورقة ضغط على مصر في حال خرجت مصر من العباءة الأمريكية واتجهت نحو روسيا والصين، كلّ ذلك سيتوقّف على الموقف المصري من الملف السوري وعلى نوايا أردوغان، لذا فإنّ المنطقة مقبلة على تحرّكات جديدة مفادها تقديم تركيا تنازلات لدول المنطقة التي قاطعتها من أجل تحقيق أطماع أردوغان.

وضمن كلّ ذلك فإنّ زيارة أردوغان لمصر هي مؤشّر واضح لفشل سياسته الخارجية، والرضوخ لمصر التي بقيت صامدة أمام المخطّطات التركية الرامية لعثمنة المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى