مغزى التهديدات التركية الأخيرة

مغزى التهديدات التركية الأخيرة

تأتي التهديدات التركية الأخيرة بشن عمليةٍ عسكريةٍ واسعة النطاق على شمال وشرق سوريا ضمن إطار استراتيجية تركية بعيدة المدى، و التي تستند على سحق أي مشروع ديمقراطي يتعارض مع سياساتها، وخاصة في ظل اقتراب نهاية مئوية  معاهدة لوزان في العام المقبل والتي لم  تعترف بها، لكونها وقعت على الاتفاقية تحت الضغوطات البريطانية.

واستناداً على ما سبق، تعمل تركيا بقيادة أردوغان على إنشاء حزام إرهابي أسود من المتشددين والإرهابين من بقايا المجموعات الإرهابية التي حاربت في سوريا، من خلال تجميعهم في المناطق الكردية بعد أن قامت بعمليات التهجير القسري للسكان الأصليين، بالإضافة إلى بناء المستوطنات، محو الوجود الكردي.

بعد ثلاث عمليات عسكرية احتلالية في شمال سوريا، تحاول تركيا اليوم توسيع نطاق احتلالها للشمال السوري، حيث تسعى من ورائها الى تحقيق  هدفين: الأول الاستمرار في بناء المستوطنات، وتوطيد دعائم التغيير الديمغرافي، والثاني محاولات إقناع حلفائها والدول العربية بتقديم الدعم للسوريين في المناطق التي تحتلها.

وعلى الرغم من التوازنات الدولية القائمة في الملف السوري والمتمثلة بوجود توافقات دولية على خارطة مناطق النفوذ الحالية والتي تعيق القيام بعمليات عسكرية جديدة ، إلا أن نظام الإبادة التركية يسعى إلى تجاوز كل ذلك، وفرض سياساتها على المجتمع الدولي.

ولكن وتيرة التهديدات التركية تراجعت، بعد تأكيد أردوغان في 24 أيار/مايو على القيام بالهجوم على شمال وشرق سوريا بعمق 30 كلم، وهذا التراجع يفيد بوجود ما يتعارض ويقف حجرة عثرة أمام المرامي التركية، أهمها الواقع الدولي المتأزم بعد التدخل الروسي في أوكرانيا، وكما أسلفنا التوازنات القائمة في الملف السوري.

فتركيا تدرك بأنه ليس في مقدورها القيام بالهجوم، ما لم تحصل على ضوء أخضر دولي , ولكن وراء هذا التصعيد  عدة أهداف:

أولا، تسخين الأجواء لمعرفة الرودود والمواقف الدولية حيال عمل عسكري لها في الشمال السوري.

ثانياً، محاولة لفرض شروطها على المجتمع الدولي، بغية شرعنة وتوطيد أركان احتلالها في المناطق التي تسيطر عليها، في حال لم تتمكن من توسيع دائرة الاحتلال لمزيد من المناطق.

ثالثاً، تمرير المشروع الاستيطاني، والحصول على دعم اقتصادي وسياسي، لإرساء الحزام الأسود بشكل مستدام.

مجمل المعطيات المذكورة، هي نتاج للتفاعلات الجارية في الأزمة السورية، التي تحاول تركيا الاستفادة منها وتوظيف ذلك في خدمة المشاريع والأطماع القديمة الجديدة لها في المنطقة،” إعادة إحياء الميثاق الملي” ميثاق يضمن لتركيا الهيمنة على كامل الشمال السوري وصولاً إلى الموصل العراقية.

ودون شك أن الواقع الدولي في عشرينيات القرن الماضي مغاير للواقع الحالي، ووجود الولايات المتحدة الأمريكية على رأس الهيمنة العالمية والصعود الروسي والرغبة في الاستحواذ على نصيب من تلك الهيمنة، وحضورهما الفعال في الأزمة السورية، بالإضافة إلى الأمر الهام والرئيسي المعيق للمشاريع التركية، وجود قوات عسكرية من جميع مكونات المنطقة التي حاربت الإرهاب وتدافع عن سائر المكونات السورية، وتقف سداً أمام الأطماع التركية الاحتلالية، وهي قوات سوريا الديمقراطية، لذلك ليس كل ما ترغب تركيا في تحقيقها سيحصل، فهناك تكاتف وتضامن من جميع المكونات ضد النوايا التركية والوقوف  صفاً واحداً إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية سيحبط مساعي أردوغان وحليفه الفاشي المتطرف دولت بخجلي.

زر الذهاب إلى الأعلى