15 آب قفزة نوعية في تاريخ حركات التحرر الكردية

شرفان سيف الدين

يعود تاريخ الامة الكردية على هذه الجغرافية إلى أكثر من اثني عشر ألف سنة وذلك بحسب علماء الآثار وأعمال التنقيب التي تزخر بها المنطقة، وللوجود الكردي آثار إيجابية في خلق حضارة المنطقة، والشخص الكردي بطبيعته شجاع ومقدام ولا يهاب الخوف وصفحات التاريخ تشهد للكرد وأجدادهم بذلك، مع دخول الإسلام لبلاد الكرد حوالي عام 641م، وبدأت الممارسات والمؤامرات تحاك ضد هذا الشعب كما باقي شعوب المنطقة، فقد كان للسيطرة الدينية الأثر السلبي على مقومات القومية وخصوصيتها لدى الشعوب وحاولت المؤسسة الدينية الحديثة صهر كل ما هو قومي أو ذا خصوصية لشعوب المنطقة ضمن غطاء الدين وأخوة الإيمان وإلى ما هنالك. بقيت خصوصية شعوب المنطقة هكذا منصهرة ضمن بوتقة الدين حتى انتهاء الخلافة الإسلامية مع بداية القرن التاسع عشر، وانهيار الإمبراطورية العثمانية بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وبدء تقسيم المنطقة من قبل الدول المنتصرة وبدأ خلق أو انبثاق الدولة القومية كنتيجة لانتهاء الحرب وتقسيم المنطقة على هذا الأساس بين النفوذ الغربي في سايكس – بيكو وتقسيم الشعب الكردي إلى أربعة أجزاء موزعة ما بين ثلاث قوميات هم الترك والفرس والعرب.

حركات التحرر الكردية والصحوة المبكرة للحقوق الكردية:

مع وضع الحرب العالمية الأولى لأوزارها والبدء بتوزيع تركة الرجل المريض (الإمبراطورية العثمانية)، تنبه الكرد مبكراً للوضع الجديد وإمكانية الاستفادة منه على أساس تحصيل حقوقهم القومية والثقافية والجغرافية وحماية خصوصيتهم كشعب أصيل يعيش على أرضه التاريخية ونيله لمتطلبات الحياة كما باقي شعوب المنطقة، خاصةً وانهم تنبهوا إلى حجم المؤامرة التي تحاك على رؤوسهم من قبل الدول الغربية وذلك لانهم وجدوا في هذا المكون الحلقة الأضعف في المنطقة، وذلك لعدم وجود لوبيات لهم على المستوى العالمي، فقد كانت القيادات الكردية الممثلة للشعب تتمثل في طبقة الأغوات والمخاتير وبعض رجالات الدين، وبطبيعة الحال كان هؤلاء البعض منهم يفضل مصالحه الشخصية الضيقة على المصالح العامة، والبعض الآخر كان يعمل للمصلحة العامة ولكن حسب فهمه ورؤيته البسيطة، واخرون كانوا يعملون للمصلحة الكردية العليا فكانت تتعارض مع الطبقة الحاكمة المستعمرة أو تصطدم مع الخيانات الداخلية وهكذا.

تغيير في مسار الرؤية الكردية للحل وبدأ الانطلاقة:

لم تنقطع سلسلة حركات التحرر الكردية عبر التاريخ لا القديم منه ولا الحديث، فما كانت تخمد ثورة في مكان ما حتى تبدأ أخرى بشكل جديد وقوة واندفاع أقوى هكذا حتى بداية السبعينات من القرن المنصرم، حيث بدأت نقطة التحول في هذا الاتجاه من داخل الجامعات التركية نفسها فقد كان للشبيبة الكردية الواعية التي تدرس في اقسام العلوم السياسية والاجتماعية رؤية مغايرة لكل ما سبق، وبدأت آفاق التطلع للحل بشكل مغاير فكانت أولى الخطوات هي كسر النمطية والجبن والتبعية والشعور بعقدة النقص في الشخصية الكردية المتزعزعة، بدأ النشاط الجامعي ضمن خلايا صغيرة ومتنوعة قومياً وثقافياً فقد احتضنت التركي كما الكردي المؤمن بالمساوة في الحقوق والواجبات تجاه الأرض والشعب فكان يوم 27 تشرين الثاني من العام 1978م نقطة تحول في مسار المطالبة بالحقوق الإنسانية قبل الكردية، الانطلاقة السياسية والرسمية لحزب العمال الكردستاني الذي سيشرع للدخول في صفحات التاريخ الكردي في المنطقة والبدء بالمطالب المحقة لشعب يحاول الجميع طمس ثقافته وتاريخه.

كسر حاجز الخوف وترسيخ فلسفة المقاومة:

في ظل وجود مستعمر أو محتل لا يؤمن بالمساوة أو احترام حقوق الإنسان لا يمكن التفاهم أو التواصل معه بالطرق الدبلوماسية أو السياسية، ولذلك لم يكن أمام حركة التحرر الكردستانية خيار إلا بإطلاق خيار المقاومة العسكرية المسلحة في وجه الطغيان التركي في الخامس عشر من آب سنة 1984م بقيادة القائد الكردي معصوم قورقماز (عكيد)، هذه الانطلاقة الثورية التي بدأت ب أربعة كلاشينكوفات وبضع مئات من الطلقات كانت هي نقطة التحول في التاريخ الكردي الحديث وخلق حياة مشرفة لهذا الشعب العظيم، ولتنطلق حرب الحرية من أجل الوجود والهوية والمحافظة على التاريخ والثقافة واللغة والحضارة المترسخة، هذه الخطوة كانت بمثابة الصدمات الكهربائية لميت وأحيائه من جديد وبمثابة البعث للدورة الدموية للشعب الكردي، قدم الشعب الكردي خيرة رجاله وبناته في سبيل قضيته العادلة لكن ورغم كل ذلك وكل تلك التضحيات لم يكن خيار الحرب هو الخيار الأوحد لدى حزب العمال الكردستاني، فمنذ الانطلاق العسكري للحركة وبفضل بعض جهود الوساطة مع الحكومات التركية المتعاقبة تم إعلان وقف إطلاق النار من جانب الحركة تسع مرات وذلك بهدف خلق جوٍّ للتفاهمات السياسية وإيجاد حل وسطي مناسب للجميع والمحافظة على إراقة المزيد من الدماء من الطرفين، لكن بدون اي استجابة أو رغبة حقيقية من الطرف الثاني الذي يتحكم في قيادته ايادي خفية ليست من مصلحتها التفاهم أو اي نوع من انواع الحلول الوسطية.

ما الجديد الذي قدمته قفزة 15 آب للقضية الكردية:

ترسيخ الشخصية الكردية المؤمنة بنفسها وقوتها وقدراتها ربما تعتبر من أهم نتائج أو افرازات هذه الثورة، فلقد كانت معظم الثورات الكردية تنتهي بانتهاء منظرها أو قياداتها، وعلى هذا الأساس تحركت السلطات التركية للقضاء على هذه الحركة وعليه بدأت المؤامرة الدولية تجاه قائد الحركة السيد عبد الله اوجلان في التاسع من شهر تشرين اول من العام 1998م، وذلك باستهداف الحركة بالمجل في شخصه وعليه تمت ملاحقته من بلد إلى آخر في محاولة للقضاء عليه، وتم اعتقاله في نهاية الأمر في العاصمة الكينية نيروبي في الخامس عشر من شباط سنة 1999م. وتمت محاكمته وإصدار الحكم في حقه بالإعدام ومن ثم التعديل إلى السجن المؤبد وكل الظن ان الحركة سوف تنتهي من بعده، لكن ما تم عكس ذلك تماماً فقد وقفت الحركة بعد تلك النكسة أقوى من السابق وعدلت في سياساتها الدبلوماسية والعسكرية وعلاقاتها بالخارج، وزادت من اتصالاتها الداخلية على المستوى الكردستاني وكان المؤتمر القومي الكردستاني من أهم الخطوات الداخلية في رص وتوحيد الخطاب الكردستاني كما وانه فتح العديد من الجمعيات والمراكز الثقافية الكردية في الساحة الأوروبية، ومع بداية الازمة في غرب كردستان وسورية كانت أفكار هذه الحركة متواجدة وبقوة وعلى أساسها تم وضع الأسس النظرية والعلمية للإدارة الذاتية الديمقراطية وتشكيل القوة العسكرية للمحافظة على الامن والأمان والممتلكات العامة والخاصة، وبناء المؤسسات الإدارية والتعليمية وخلق جو من الديمقراطية التشاركية المجتمعية في القيادة.

زر الذهاب إلى الأعلى