صراع القوى العظمى على تركيا

تركيا بين الموقع الاستراتيجي وجنون العظمة

لا يمكن إغفال موقع تركيا الجيوستراتيجي في حسابات الدول العظمى بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو من جهة وروسيا التي بدأت تعيد أمجاد الاتحاد السوفيتي السابق من جهة أخرى. حيث تشكل تركيا خط الدفاع الأول للولايات المتحدة وإلى قاعدة عسكرية متقدمة للناتو في مواجهة القوى التي تهددها كروسيا والدول التي تقف في صفها، كما أنها تشكل ممراً حيوياً لروسيا للوصول إلى البحر المتوسط عن طريق مضيقي البوسفور والدردنيل التي تسيطر عليهما تركيا حيث يشكل المنفذ الوحيد للأسطول الروسي في البحر الأسود إلى سواحل البحر المتوسط. وزاد من اهمية موقع تركيا لأوروبا بعد تحولها إلى ممر “عقدة” يمر عبر أراضيها عدد من خطوط أنابيب النفط والغاز من “القوقاز وإيران وروسيا” إلى أوروبا. لذا باتت تركيا مطمعاً للدول العظمى التي بدأت في الآونة الأخيرة تتصارع من اجل كسب تركيا في صفها خدمة لمصالحها الاقتصادية والعسكرية سواء من قبل الولايات المتحدة بإبقاء تركيا في حلف الناتو وكحليف لها وبين روسيا التي تحاول كسب تركيا إلى محورها عن طريق ربطها اقتصادياً وعسكرياً بها. لذا باتت تلك الدول تغض نظرها عن تصرفات تركيا المزعزعة لاستقرار المنطقة مثلما حدث في احتلال عفرين بموافقة روسية وصمت غربي حيال ذلك.

روسيا التي تدخلت بقوة في أزمة الشرق الأوسط وبالأخص في سوريا عملت على جذب تركيا لمحورها، محاولة فك ارتباطها بالغرب وبالولايات المتحدة وحلفها “حلف الناتو” من خلال عقد مشاريع اقتصادية تجعل تركيا تدور في فلكها الاقتصادي وتحت هيمنتها أو على الأقل تحييدها حتى لا تتخذ سياسة معادية لها، ومن أهم المشاريع الاقتصادية التي أبرمتها روسيا مع تركيا مشروع السيل التركي لنقل الغاز عبر أراضيها إلى أوروبا، و مشروع إنشاء المفاعل النووي “أك كويو” لإنتاج الطاقة الكهربائية على البحر المتوسط بولاية مرسين بتكلفة 20مليار دولار، والتي قد تكون مقدمة لعقود واتفاقيات ضخمة مشابهة، كتحرك روسيا للحصول على عقد محطة نووية ثانية في مدينة سينوب المطلة على البحر الأسود بقيمة 16.5 مليار دولار، وعسكرياً قامت روسيا بعقد صفقة لتزويد تركيا بمنظومة اس400 ” حيث باشرت تركية باستلام دفعات من تلك المنظومة خلال هذا الشهر”، ودعمها لتصبح شريكة في العمل في مشروع نظام بروميثيوس “إس-“500، وبيع مقاتلاتها من طراز “سو-57” إلى تركيا عندما تنهي أنقرة مشاركتها في برنامج إنتاج “إف-35″، واستغلال الخلافات التركية مع دول شرق المتوسط والولايات المتحدة والغرب بما يخص مسألة التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط، كما استفادت روسيا من الخلافات التركية الأمريكية والعقوبات الأمريكية المفروضة عليها لربطها أكثر بالعجلة الروسية، وقد باتت روسيا تجني بعض الثمار من تركيا منذ محاولة الانقلاب المزعوم في تركيا 15/7/2016.

أما الولايات المتحدة التي باتت السياسة التركية في ظل أردوغان تؤرقها وبالأخص علاقاتها المتنامية مع روسيا وأجندتها في المنطقة والتي تتضارب مع مصالحها في الشرق الأوسط، لذلك تعمل الولايات المتحدة من خلال سياسة فرض العقوبات “قانون كاتسا” لإرغام تركيا على تغيير نهجها والتخلي عن صفقة اس400 وتغيير سياستها في سوريا بما يتوافق مع المصالح الأمريكية. أما تركيا فتدرك بأن أي خلل في علاقاتها مع الولايات المتحدة وحلف الناتو سيضع الاقتصاد التركي في مأزق كبير، وهذا ما بدا واضحاً عندما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على تركيا نتيجة قيامها باحتجاز القس الامريكي “برونسو”. واستمرار التعنت التركي في سياستها ستتعرض لمزيد من العقوبات الأمريكية وبالتالي إلى انهيار في الاقتصاد التركي، خاصة أن تركيا تعاني حالياً من تدهور اقتصادي وهبوط في الليرة التركية وقيام بعض الدول بسحب أموالها واستثماراتها من تركيا. إلا أن الولايات المتحدة تتبع سياسة التدرج في العقوبات على تركيا وذلك لردع تركيا من جهة ومن جهة أخرى عدم الحاق الضرر الكبير بالاقتصاد التركي والتي قد تجعلها تنفر من الولايات المتحدة وتقترب من روسيا أكثر مما قد تمنح روسيا الفرصة باستغلال هذه العقوبات لصالحها، وفي حال عدم رضوخ تركيا للسياسة الأمريكية فأن الولايات المتحدة ستستخدم عقوبات أشد بحق تركيا مع بقاء تركيا في حلف الناتو ” وذلك لعدم فسح المجال لروسيا لضم تركيا إليها، والحفاظ على قواعدها العسكرية فيها”. لذا يعمل أردوغان على استغلال تلك الصفقات مثل “اس400” واستغلال الموقع الجيوسياسي لتركيا لابتزاز المجتمع الدولي وإجبار الغرب والولايات المتحدة الرضوخ لمطامعه وأجندته في المنطقة، حيث اصبح يتبع سياسة معادية للمنطقة والعالم وبالأخص مع الغرب والتي انعكست سلباً على الوضع التركي في الداخل والخارجية، وقد

ينعكس على وضع أردوغان سلباً، فسياسته هذه قد تؤدي بإطاحته من الحكم.

لطالما تغنت تركيا في السابق بـ “صفر مشاكل”، لكن بسبب سياسات أردوغان الهوجاء جعلت لتركيا اليوم العديد من الأزمات مع مختلف دول العالم وعلى مختلف الأصعدة، لذا فإن السياسة التركية في ظل أردوغان تجاه المنطقة وجنون عظمته، وصراع القوى العظمى على تركيا وغض نظرها عن السياسة التركية العدوانية وخلافاته مع دول المنطقة وبالأخص مع دول شرق المتوسط “حول التنقيب عن الغاز” ، ومع الولايات المتحدة والغرب أو حتى مع روسيا في إدلب والذي قد يحدث في المستقبل القريب والتي ستتوقف على صفقة اس400، ستدفع بالمنطقة إلى مزيد من الفوضى وعدم الاستقرار حتى في تلك الدول التي ماتزال تشهد الأمن والاستقرار، وبالتالي جر المنطقة إلى مزيد من حروب وعدم الاستقرار، والتي ستؤثر بشكل كبير على الأمن والاستقرار الدوليين، ما لم تتوقف تلك الدول عن دعم أردوغان وتتبع سياسة عادلة تجنب المنطقة المزيد من الأزمات ، وبالأخص فيما يتعلق بحل الأزمة السورية “إدلب والشمال السوري” ووقف التهديدات لروج آفا “شمال وشرق سوريا” وإجبارها على الانسحاب من سوريا ووقف دعم التنظيمات الإرهابية.

زر الذهاب إلى الأعلى