من احتجاجات السويداء إلى فتنة دير الزور…الخلفيات والنتائج

 

 

مقدمة:

الأزمة السورية تشهد تحرّكات دولية وإقليمية وداخلية ممثّلة بالفصائل والوكلاء الذين يقاتلون بالنيابة عن داعميهم، على الأرض السورية، من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وتركيا وإيران والدول العربية مثل الأردن والعراق والسعودية، الذين طرحوا المبادرة العربية وأعادوا سوريا إلى الجامعة العربية، ومحاولة تطبيق القرار الأممي /2254/ وتحقيق “خطوة مقابل خطوة” والتي أظهرت فشل النظام السوري وعجزه عن تحقيق أية خطوة مطلوبة، في الوقت الذي تحاول فيه تركيا التطبيع مع النظام السوري الذي اشترط الانسحاب التركي من الشمال السوري، والذي أعلن أردوغان استحالة الانسحاب ما لم يتم فيه القضاء على الإرهاب، ويعني بذلك القضاء على الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية.

النظام السوري يعاني أزمة اقتصادية خانقة بعد تدهور الليرة السورية أمام الدولار الذي ترك آثاره على الوضع المعيشي، خاصة بعد رفع الدعم عن المحروقات، خاصة في غرب الفرات مناطق نفوذ النظام وإيران وروسيا، وهو ما دفع الأمر نحو قيام احتجاجات ومظاهرات في السويداء، ولصرف النظر عنها فقد أثار النظام وإيران فتنة في دير الزور، فالعلاقة بين الحدثين والمحافظتين وثيقة.

احتجاجات السويداء:

تقع السويداء إلى الجنوب السوري، إلى جوار مدينة درعا وهي في غاية الأهمية من الناجية الاستراتيجية والجيوسياسية؛ فهي قريبة من لبنان وبيروت  والأردن والعاصمة عمان وهي قريبة من إسرائيل كما هي قريبة من العاصمة دمشق، وهي تنفرد بخصوصيتها الدينية فسكّانها من طائفة الموحّدين الدروز ولهم امتداد داخل اسرائيل والأردن ولبنان، ولهم خلفية تاريخية من تشكيل الدويلات في بلاد الشام في الفترة العثمانية، فهم المعنيون أحفاد فخر الدين المعني وأحفاد الشهابيين وزعيمهم بشير الشهابي، هم مسالمون في البلدان التي يقطنونها ويتمتعون بالشجاعة والكرامة والعزة والنخوة، ومن رجالاتهم في سوريا سلطان باشا الاطرش قائد الثورة السورية 1925م ضدّ الاحتلال الفرنسي الذي قارع الفرنسيين وفر من ملاحقتهم  إلى الأردن، احتجاجات السويداء مستمرّة منذ الاسبوع الأول من شهر أيلول 2023م وحتى تاريخ اليوم، والتي لاتزال تشكّل مبعث قلق للنظام وحلفائه من الإيرانيين والروس، الذين يسعون جاهدين كي لا تمتدّ وتنتشر الاحتجاجات إلى المحافظات السورية الأخرى، رغم أنّها امتدت إلى مدينة درعا وإلى ريف دمشق في مدينة جرمانا على خلفية تدهور الأوضاع المعيشية ورفع الدعم عن المحروقات التي تمّت الإشارة إليها سابقاً، ووصل الأمر بالمتظاهرين إلى رفع شعار “إسقاط النظام” وإزالة صور بشار الاسد عن المؤسسات والبلديات، واقتلاع تمثال الرئيس السابق حافظ الأسد، وسكّان مدينة السويداء يطالبون بإدارة ذاتية خاصة بهم، ولهم قوّات محلية لحماية المدينة والمؤسسات من داخلها، ورغم محاولات النظام وإيران إرسال متسلّلين من التابعين لهم من الدواعش والعشائر البدوية المحيطة، إلّا أنّ لهذه المظاهرات صدى في الداخل السوري وفي معظم المدن السورية رغم التشويه الذي يمارسه النظام السوري إعلامياً مع الإعلام المعادي لهم ولأي حراك وطني سوري مثل إعلام حزب الله والحرس الثوري الإيراني وغيرهم، وذلك لإظهار هذا الحراك وعزله وكأنّه فقط في مدينة السويداء، إلّا أنّ الوقائع تشير إلى قيام مظاهرات تأييد لاحتجاجاتهم في بعض الدول الأوربية، حتى أنّ أكثر من 20 برلمانيًا أوربياً أيّد احتجاجات السويداء، ومن أجل إخفاء هذه المظاهرات والاحتجاجات وللتغطية عليها قام النظام بتحويل الأنظار عنها بإحداث فتنة في مدينة دير الزور.

 مدينة دير الزور:

دخلت مدينة دير الزور إلى الخريطة السورية عام 1946م؛ أي بعد حصول سوريا على الاستقلال من المستعمر الفرنسي، وهي ذات موقع هام على نهر الفرات وعلى الطرق التجارية البرية المؤدّية إلى العراق والخليج وإلى الهند، تقع دير الزور في شرقي سوريا وتشكّل حدوداً استراتيجية مع الجمهورية العراقية، كما أنّها غنية بالمياه وبالإنتاج الزراعي المتنوّع كالحبوب والخضار، بالإضافة إلى غناها بالمواد النفطية؛ ففيها حقل “العُمَر” النفطي وحقل ما يسمى بـ”كونيكو” الذي يتميّز  بإنتاج الغاز، ويمرّ نهر الفرات من وسط المدينة، فالأراضي التي تقع  شرقي الفرات تتبع للإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا، وبالتالي للولايات المتحدة الأمريكية والتحالف الدولي، وغربي الفرات للنظام السوري وإيران وفصائله وأعوانه.

التحالف بقيادة الولايات المتحدة:

في ضوء المتغيّرات القادمة في سوريا والمنطقة استقدمت الولايات المتحدة خلال الشهر المنصرم تعزيزات عسكرية تضمّ آليات وجنودًا وأسلحة ثقيلة وطائرات ف16 وف 35 على حاملتين للطائرات، كما أرسلت / 3000 / آلاف جندي أمريكي إلى البحر الأحمر على خلفية الاستفزازات الإيرانية في الخليج ومضيق هرمز وتهديد إيران للشريان النفطي والإنتاج العالمي من الطاقة في الخليج والبحار المجاورة، هذه التعزيزات العسكرية الأمريكية أثارت الشكوك والتكهّنات حول معركة محتملة في المنطقة لتقليم أظافر إيران في سوريا والعراق، والحد من انتشار نفوذها في سوريا ولبنان وقطع الطريق البري عن الإمداد الإيراني خلال الحدود السورية العراقية عبر البوكمال والميادين ودير الزور إلى دمشق ومن ثم إلى لبنان وحزب الله، وسعيا من أمريكا على الأقل لإضعاف هذا الإمداد إن لم تتمكن من سده نهائياً لتترك خيطاً رفيعاً بينها وبين إيران لإكمال دورها في الخليج من الناحية الاستراتيجية ومحاولة إضعاف دورها في اليمن وفي لبنان وسوريا، خاصة بعد اتفاقية إيران مع العربية السعودية، والتي لم تؤتِ ثمارها؛ خاصة بعد تعثّر النظام السوري في  تنفيذ القرار الأممي /2254/ واستمرار تدفّق  التهريب وحبوب  “الكبتاغون” عبر الحدود اللأردنية، وتسعى الولايات المتحدة لتعزيز تواجدها في الجانب العراقي من الحدود السورية في قاعدة “عين الأسد” كما أنّ أجزاءً من أسطولها يتواجد في البحر الأبيض المتوسط والخليج والبحر الأحمر، كما أنّ لها قواعد عسكرية في البحرين وقطر والإمارات وغيرها من دول الخليج، كما أنها في الغالب تنسّق مع دولة اسرائيل لضرب القواعد العسكرية الإيرانية ومخازنها من الصواريخ والطائرات المسيّرة في الأراضي السورية، وتكاد تكون هذه الهجمات يومية.

فتنة دير الزور ودور النظام وإيران فيها:

 والذي يهمّنا هو توضيح الأيادي الخفية التي تلعب وراء الكواليس  كروسيا  وتركيا وإيران بالتعاون مع النظام السوري، والتي تعبث بالسلم الأهلي في محاولة لخلط الأوراق وإثارة مشاعر الكراهية للسكان المحليين، وجرّ العشائر لفتنة عربية – كردية، ومحاولة ضرب مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية والتي تتشكّل غالبية قواتها من العشائر العربية في مدينة الرقة ودير الزور والحسكة، فروسيا  تسعى بكل جهدها لتقليص النفوذ الأمريكي في سوريا والعراق والخليج؛ لذا فهي من الدول الكبرى التي تقف مع إيران والنظام السوري لإخراج الولايات المتحدة من شمال شرقي سوريا، وتلتقي مع تركيا في بعض المسائل التي تخص الوجود الكردي في سوريا والعراق، فتركيا دولة براغماتية تعتمد سياسة الابتزاز لتحقيق مشروعها في “الميثاق الملي” بالسيطرة على حلب والموصل وكركوك  فهي مستمرة في عدوانها بالمدفعية والمسيّرات، تستهدف السكان المدنيين في سوريا والعراق في محاولة لإثارة الفوضى وتهيئة الظروف لمساعدة النظام وايران، كما برز دورها بتحريك فصائلها من الجيش الوطني ومن جبهة النصرة في منبج بتعاون غير مُعلَن مع روسيا والنظام السوري وايران في أحداث وفتنة دير الزور، وفي الأمس القريب كان لقاء أردوغان مع الرئيس الروسي والمسؤولين الإيرانيين، أمّا النظام السوري فيسعى إلى إعادة نفوذه في دير الزور وكامل الأراضي السورية، كما يهدف إلى استعادة حقول النفط والغاز في “كونيكو وحقل العُمَر”، والانتاج الزراعي وغيره للتغلّب على أزماته الاقتصادية والمعيشية؛ لذلك قامت بالتسلل إلى دير الزور وإشعال الفتنة بين عشائرها عن طريق المدعو أبو خولة (أحمد الخبيل) مع أخيه وأعوانه، والذي كان يرأس مجلس دير الزور العسكري، وكان على تواصل مع جهات خارجية إيرانية ومع النظام السوري، وعلى علاقة مع تركيا وداعش؛ وذلك للعبث بأمن المنطقة.

وبالأدلة الدامغة عثرت قوات سوريا في قصره بدير الزور على مخازن أسلحة ومسيّرات تدل على مخطّط كان مبيّتاً له من النظام السوري والإيراني والتركي.

ولعلّ أحداث مدينة الحسكة وقيام المدعو” عبدالقادر حمو” قائد الدفاع الوطني بالاعتداء على أحد شيوخ قبيلة الجبور تندرج في سياق خلق الفوضى، وربّما في ذات السياق تندرج حملة “فزعة دير الزور” لمدّ مدينة الحسكة بصهاريج المياه؛ ففي كل حركة ومحاولة من النظام وأعوانه لإثارة الفتنة تتعامل الادارة الذاتية الديمقراطية بصبر وتأنٍّ، وتقضي على كل المحاولات التي تسيء للاستقرار والسلم الأهلي، وتقوم قوات سوريا الديمقراطية بمواجهة الفتنة، وتمشّط المنطقة والقرى الأخيرة في المدينة، ومع الولايات المتحدة تلتقي بالمدنيين وشيوخ العشائر لتحقيق العدالة والاستقرار، وتعيين إدارة مدنية من أبناء المنطقة، شريطة أن يكونوا من الغيورين لتحقيق السلم الأهلي، وتروّج القنوات الإعلامية المغرضة لتشويه الحقائق، مثل قناة أورينت وقنوات النظام السوري والقنوات التابعة للإعلام التركي إلى جانب مواقع التواصل الاجتماعي، وتواجه قوات سوريا الديمقراطية كل ذلك بصبر؛ حفاظاً على أرواح المدنيين وحلّ كل مظلومية محلية لحقت بالسكان، وقد كان بإمكان قوات سوريا الديمقراطية حسم الأمور خلال ساعات قليلة، وسوف تقوم قوات سوريا الديمقراطية بعقد مؤتمر للعشائر العربية في مدينة دير الزور للوقوف على كل المسائل وحلّها، والقضاء على دابر الفتنة في المدينة والمنطقة برمّتها.

كلمة أخيرة والتوقّعات المحتملة:

سوف تستمر الاحتجاجات في محافظة السويداء طالما أنّ الوضع الاقتصادي والمعيشي في تراجع، وسوف يستمر النظام السوري في سياساته، مالم يرحل بموجب القرار الدولي /2254 / لأنه عاجز عن التغلّب على أزماته المزمنة، وقد ثبت ذلك على مدى عقود؛ حيث لم يستطع أن يغيّر من بنيته وسلطته المركزية وفساده.

أما مدينة دير الزور، فسوف يتحسّن وضعها من الناحية الاقتصادية والمعيشية طالما بقيت تحت مظلّة الإدارة الذاتية الديمقراطية وقوات سوريا الديمقراطية، وهناك احتمال إنشاء منطقة تُدار من قبل أهالي دير الزور، تكون متحالفة مع الولايات المتحدة وتنسّق وتتعاون مع الإدارة الذاتية، أما مجلس دير الزور العسكري فسوف يتمّ تجديده بآليات ديمقراطية مع ما ينسجم ورغبات الأهالي، أما أبو خولة وأخوه وأعوانه فسوف يُقدّمون لمحاكمات عادلة بسبب جرائم وخروقات أمنية قاموا بها، كالتعاون مع النظام وجهات الخارجية، فالمستقبل في سوريا هو للحكم اللامركزي وللديمقراطية، وعليه فسوف تحظى كل المناطق في سوريا بإدارات ذاتية عاجلاً أم آجلاً، كما نتوقّع حصول تراجع للنفوذ الإيراني في سوريا ومناطق ديرالزور؛ بسبب وجود الولايات المتحدة الامريكية وتحشّداتها الكبيرة وأساطيلها في المنطقة، أما النفوذ الروسي فهو في تراجع مستمرّ بسبب أزماتها في الحرب الروسية الأوكرانية ومنافسة إيران لتواجدها في سوريا، أما النظام السوري فهو على طريق الرحيل؛ فكل أزمة يفتعلها تكشف مزيدًا من ضعفه وعوراته أمام العالم، وكل أزماته واتفاقاته العربية والدولية والإقليمية تصل إلى طريق مسدود وعاجز عن تحقيق الأمن والاستقرار، أما دولة الاحتلال التركي فهي دولة محكومة بأجنداتها العثمانية والأتاتوركية، وسوف تستمرّ في نهش أراضي الدول المجاورة كالعراق وسوريا، وسوف تستمرّ في محاربة حركة التحرّر الكردستانية، ومحاربة الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا للتوسع في تطبيق الميثاق الملّي وتنفيذ التغيير الديمغرافي في عفرين ورأس العين وتل أبيض وتهدد منبج وعين عيسى ومناطق حلب وتل تمر وأبو راسين بالمدفعية والمسيّرات وتستهدف المدنيين، كما تعمل الآن إلى تحقيق التغيير الثقافي في الشمال السوري بفرض اللغة التركية وتعليم /300 / ألف طفل جديد اللغة التركية، وللأتراك باع طويل في هذا المجال منذ أيام السلاطين العثمانيين.

أما بخصوص الادارة الذاتية في شمال شرقي سوريا فمن المتوقّع منها أن تحقق المستلزمات الضرورية للحياة، كالخبر والماء والمازوت والكهرباء، وتحسّن من أدائها الإداري اقتصادياً وسياسياً ومعيشياً، وتحقيق الاستقرار والتنمية والعيش المشترَك.

زر الذهاب إلى الأعلى